في اليوم الأول للدخول المدرسي بمؤسسة سان دومينيك بالدارالبيضاء ارتأت معلمة أن تخصص الحصة الأولى لتقديم درس عملي في التربية الوطنية، وبما أن الأجواء كانت هي أجواء الانتخابات الجماعية ونتائجها وعملية تشكيل مكاتب مجالس المدن والمجالس البلدية والقروية، فقد ارتأت المعلمة المذكورة أن تخصص الحصة الأولى كي تشرح لتلاميذ الصف كيف تتم عملية التصويت. هيأت المعلمة المذكورة كل أجواء العملية التصويتية، حيث خصصت معزلا لعملية التصويت وصندوق اقتراع، لم أسأل أحد الأخوة أعضاء فريق العدالة والتنمية، الذي نقل لي تفاصيل الواقعة نقلا عن ابنته الصغرى التلميذة في الفصل المعني بالأمر، عما إذا كانت المعلمة قد أوضحت للتلاميذ عمليا ما المقصود بالمكتب المشرف على عملية التصويت المشكل من رئيس وكاتب ومساعد، وهل أحضرت المداد القابل للمحو، وهل حذرتهم من بعض الممارسات والخروقات التي تسيء للعملية الانتخابية عند الراشدين، فلربما لم تكن في حاجة إلى ذلك مادام التلاميذ في هذا السن لا يزالون قاصرين كما يوصفون دائما، ولا يزالون يتصرفون بروح وطنية صافية وخالصة لم يؤثر فيها الحرص على المصالح والتوسل إليها بكل الوسائل بما في ذلك الوسائل غير المشروعة. كل ما أكد لي زميلي البرلماني أن العملية مرت على ما يرام، وأن التلاميذ قد صوتوا تصويتا حرا عبروا فيه عن إرادتهم، كما أن أي جهة خارجية لم تتدخل للتأثير على نتيجة التصويت، سواء تعلق الأمر بالمعلمة أو تعلق الأمر بمدير المؤسسة. نسبة المشاركة كانت أعلى نسبة للمشاركة الانتخابية في المغرب إذ وصلت إلى 100%. أما نسبة الأوراق الملغاة فكانت صفرا، وبذلك قدمت صورة نموذجية للممارسة الديمقراطية. لم يكن هذا هو وجه الطرافة في هذه العملية الانتخابية، بل الأطرف من ذلك هو نتيجتها، حيث اكتسح حزب العدالة والتنمية انتخابات هذا الفصل وصوت كل التلاميذ لفائدة «المصباح» بينما لم تحصل «الوردة» إلا على صوت واحد رجحت بنت زميلي البرلماني أنه كان صوت المعلمة. والواقع أن هذا التصويت الفطري متطابق تماما مع الحقيقة، وهو ما كشفته بعض الاستطلاعات التي أجريت أياما قبل انتخابات 12 شتنبر 2003 حيث أثبت استطلاع أجراه موقع منارة أن عملية التصويت أعطت 33% من الأصوات لفائدة حزب العدالة والتنمية و14% لفائدة الاتحاد الاشتراكي، وما دون 6% لبقية الأحزاب. وشبيه بهذه النتائج ما أثبته الاستطلاع الذي أجراه الموقع الإلكتروني لجريدة الاتحاد الاشتراكي، حيث كانت الرتبة الأولى لحزب العدالة والتنمية الموصوف في الموقع بالمتطرف، والمرتبة التي تليها لحزب الاتحاد الاشتراكي، قبل أن يتم إيقاف عملية التصويت من قبل القائمين على الموقع. والأطرف من ذلك أن رقم 16 الذي ارتبط في ذهن المغاربة بيوم 16 ماي 2003 أي العمليات الإرهابية المشؤومة التي عرفتها مدينة الدارالبيضاء، والتي سعى خصوم حزب العدالة والتنمية أن يربطوها به فيما سموه كذبا: المسؤولية المعنوية للحزب عن الأحداث، هو الرقم المناسب لعدد المقاعد التي حصل عليها الحزب في مجلس مدينة الدارالبيضاء، رغم أن الحزب لم يقدم مرشحين إلا في ثماني مقاطعات من أصل 16 مقاطعة. وهكذا فمع أن حزب العدالة والتنمية تحاشى أن يترشح في 16 مقاطعة، ربما كما يقول بعض الظرفاء تشاؤما من رقم 16 المرتبط بأحداث 16 ماي ,2003 فقد أبت النتائج إلا أن تعطيه 16 مقعدا لا يفصله عن الاتحاد الاشتراكي إلا مقعد واحد، حيث لم يحصل هذا الأخير إلا على 17 عشر مقعدا. مما فسره البعض بأن اللعنة التي كان من المفترض أن تنزل على حزب العدالة والتنمية قد أصابت حزب الاتحاد الاشتراكي. وبذلك فسروا دخول «العدالة والتنمية» إلى مجلس مدينة الدارالبيضاء وخروج الاتحاد الاشتراكي منها صفر اليدين وهو الذي منى نفسه بها طويلا، بل كان من أسباب إمساك صحيفة الاتحاد الاشتراكي عن الانخراط في الحملة التي استهدفت حزب العدالة والتنمية عقب أحداث 16 ماي، الرغبة في عدم خسارة المقاعد الستة عشر التي حصل عليها الحزب في الانتخابات الجماعية. غرائب ومفارقات انتخابات 12 شتنبر 2003 كثيرة ومتعددة، ولا يزال يصلنا في كل يوم حولها خبر جديد ونوادر جديدة. وإن لله في خلقه شؤونا.