فجأة أخرج بعض سدنة الديمقراطية وكهنتها ما في جعبة مصطلحاتهم وما أكثر ما صكوا آذاننا بالمصطلحات الرنانة مصطلح التحالفات الطبيعية على هامش خيبة الأمل التي جوبهت بها أحلامهم في قيادة مجالس المدن الكبرى، وصار بعضهم يغمز بعض التحالفات التي دخل فيها حزب العدالة والتنمية، والتي كانت السبب في فشلهم الذريع، ويلمزونه بأنه دخل في تحالفات غير طبيعية. وكان من الممكن أن يقابل التحليل المنطلق من ذلك المصطلح بنوع من الاحترام، ونحافظ في أنفسنا بشيء من التقدير للخطاب السياسي ولأصحابه لو كانوا جادين فيما يدعون ويقولون. لكن المتتبعين وقفوا بوضوح على مقدار الميوعة التي يستخدم بها المصطلح المذكور، وعلى درجة الفراغ من المضمون السياسي والتوظيف البراغماتي الذي ينطبق عليه المثل المغربي الدارج القائل: "الديب حلال، الديب حرام"، وتطبيقه في حالتنا هذه، أن التحالفات تكون طبيعية مهما تناقضت الخلفيات الإيديولوجية والمنطلقات والبرامج السياسية للفسيفساء الحزبية المكونة لها حين تكون في خدمة سدنة الديمقراطية وكهنتها، وتكون غير طبيعية حينما تعصف بأحلامهم في الزعامة وريادة المدن الكبرى. أما عن ميوعة مصطلح التحالفات الطبيعية، فتكمن في كون دلالته تتراوح بين التحالفات بين الأحزاب المكونة للأغلبية الحكومية الحالية تارة أولى، وبين التحالفات الممكن إقامتها بين أحزاب الكتلة وتارة ثالثة بين الأحزاب ذات التوجهات اليسارية. أما عن غياب المصداقية السياسية في خطاب أولئك الذين روجوا لمصطلح التحالفات الطبيعية للتنفيس عن إحباطهم وخيبة أملهم، فتكمن في أن الذين روجوا له هم أول من قفز عليه في ممارسة السياسة السابقة، أو خلال الانتخابات الجماعية ليوم 12 شتنبر الماضي، وفي رسم خريطة التحالفات من أجل تشكيل مكاتب مجالس المدن والمجالس البلدية والقروية. كان أولى بهؤلاء أن يتساءلوا أولا عن طبيعة التحالف المشكل للأغلبية الحكومية، هل هو تحالف طبيعي أم تحالف غير طبيعي؟.. وكيف سوغوا لأنفسهم المشاركة في حكومة يقودها وزير أول تقنوقراطي لم تراع في تعيينه المنهجية الديمقراطية كما قالوا ليلة تعيينه؟.. وكيف سوغوا لأنفسهم المشاركة في حكومة مكونة من أحزاب تقول إن توجهاتها يسارية اشتراكية مع أحزاب يقولون إنها يمينية، وطالما اتهموها بأنها صنيعة إدارية؟... والأكبر من ذلك، كيف سمحوا من أجل أن يظهر أن أحزابهم ما يزال لها امتداد شعبي وجماهيري في المدن والقرى أن يرشحوا على لوائحهم أشخاصا لم يكونوا في يوم من الأيام مناضلين حزبيين، ولم يتدرجوا ولو خطوة واحدة في مراتب العضوية الحزبية؟ لقد خرق هؤلاء كل قواعد العمل الحزبي والسياسي، ولم يبق لديهم سوى الحدلقة الكلامية القادرة على أن تلعب بالكلمات إلى الحد الذي يجعلها لا تستحيي أن تقول الشيء وتأتي نقيضه، وتسلك سلوكا سياسيا معينا وتطلق ادعاءات كبيرة ينطبق عليها قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون}. بعض المنتمين إلى هذه الهيئات السياسية المغرورة التي تزعم أن كل فضل سياسي في المغرب راجع إليها كانت تحلم أن يبقى حزب العدالة والتنمية رهن إشارتها وطوع إرادتها، كانت تريد إقصاء الحزب عن المشاركة في تسيير المدن وتسعى من خلال تحالفاتها الطبيعية وغير الطبيعية إلى إقصائه ما دام ذلك ميسورا وسهلا وتعبر عن غيظها إذا دخل الحزب في التحالفات التي قدر أن فيها مصلحة المدن انطلاقا من القاعدة الأساسية التي اعتمدها، وهي قاعدة التحالف مع الأصلح بغض النظر عن الانتماءات الحزبية والسياسية، ولو اقتضى الأمر التحالف مع أحزاب تعتبر نظريا خصما إيديولوجيا وسياسيا للحزب، وقاعدة اختيار أخف الضررين وقطع الطريق على الأفسد، وهي القواعد التي يصدقها أن المشهد الحزبي قد أصبح في الغالب الأعم مخترقا بنفس الانحرافات، لا فرق في ذلك بين اليمين واليسار، حتى أصبح الكل إلا من رحم ربك في استخدام أساليب الفساد والإفساد الانتخابي سواء، وأصبح الكل منشغلا بالسعي إلى إثبات الجدارة في الساحة السياسية وأسبقيته على غيره ولو أدى ذلك إلى إنزال مرشحين بالمظلات على رؤوس اللوائح، ولو لم تكن لهم أية علاقة باختيارات الحزب الإيديولوجية والسياسية، واستقبال الرحل ممن كانوا ليلة قبل بدء الانتخابات محسوبين على اليسار فتحولوا إلى اليمين، أو ممن كانوا محسوبين على اليمين فتحولوا بقدرة قادر إلى مناضلين يساريين اشتراكيين. بعد ذلك كله يجرؤ بعض المتحدلقين من سدنة الديموقراطية وكهنة الحداثة المفترى عليهما، أن يتحدثوا عن التحالفات الطبيعية، والتحالفات غير الطبيعية.. وإن لله في خلقه لشؤونا..!!