أفصحت انتخابات رؤساء مجالس المدن الست، التي خضعت لنظام جديد وفق الميثاق الجماعي الجديد، عن شرخ عميق ينخر الأغلبية الحكومية، ويؤشر، من جهة ثانية، في كثير من المواطن، على طلاق وشيك بين أقطاب الكتلة. على مستوى الأغلبية الحكومية كان الشرخ أوضح، وكانت الشقاقات أعمق بين أحزابها عند انتخاب رؤساء مجالس المدينة أو مجالس الجماعات، وبدا واضحا الأمر في انتخاب عمدة العاصمة الاقتصادية للمملكة، حيث تمكن مرشح الاتحاد الدستوري، محمد ساجد، من فك اتفاق جمع بين أحزاب الأغلبية الحكومية، رشح من خلاله كريم غلاب من حزب الاستقلال لمنصب العمادة، على أن يتولى خالد عليوة عن الاتحاد الاشتراكي منصب رئيس جهة الدارالبيضاء. وظهر بعد التصويت أن أحزابا من الأغلبية ساندت مرشح الاتحاد الدستوري، وبرر البعض ذلك بغضب هؤلاء من أسلوب الاستعلاء الذي نهجه مرشحو الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال مع باقي الأطراف المشكلة للتحالف. مثلما أن صراعات الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال على مقعد العمادة إلى آخر لحظة أربكت كثيرا من حسابات الأغلبية. وأدى الاختلاف بين أحزاب التحالف الحكومي إلى نعت بعض مسؤولي الطرف الخاسر في انتخابات العمادة لمجلس مدينة الدارالبيضاء الأحزاب المنقلبة على اتفاق التحالف بالخونة، واتهم عليوة في هذا الخصوص، في ندوة صحفية عقدها أخيرا بالدارالبيضاء بعض مكونات الأغلبية الحكومية بخرق ما اتفق عليه، خلال عملية انتخاب رئيس المجلس. وقال إن أحزاب القطب الحركي والتجمع الوطني للأحرار لم تلتزم بالاتفاق الذي وقعته مكونات التآلف الحكومي، صباح يوم الإثنين الماضي وغيرت موقفها ساعات قبل انتخاب الرئيس، حيث منحت صوتها لمحمد ساجد (الاتحاد الدستوري)، مرشح المعارضة عوض السيد كريم غلاب من حزب الاستقلال ومرشح الأغلبية الحكومية، ثم ذهب بعيدا، في ما يشبه المزايدة الكلامية، بقوله إن هذه الحكومة لا يمكن أن تجد في نتائج الاقتراع، الذي أفرز ما أفرزه على مستوى رئاسة مجلس المدينة، أي امتداد ممكن لها، وكأن عليوة يعلن صراحة عن بداية النهاية للتحالف الحكومي الراهن. الخلافات اشتعلت أكثر بين أحزاب الأغلبية أيضا عند انتخاب مجلس مدينة سلا، حيث وقف الاستقلاليون في صف المعارضين لكل من الحركة الشعبية والتجمع الوطني للأحرار، أحد مكوني التحالف الحكومي، وحاولوا جاهدين نسف جلسة انتخاب عمدة سلا دون أن تأتي مناوشاتهم أكلها، وصعد بعدها على أنقاض هزيمة الاستقلاليين ومعهم الاتحاديين مرشح الحركة الشعبية لمنصب العمادة. وفي مراكش أيضا كان لتعنت أقطاب التآلف الحكومي (الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال والتجمع الوطني للأحرار) للظفر بمنصب عمدة المدينة، ووقوف الاستقلاليين في صف والاتحاديين في صف آخر مدعمين مرشحا لحزب التجمع الوطني للأحرار، أن أعطى الفرصة لمرشح الدستوريين للظفر بمنصب العمادة. وكان لهزيمة أقطاب التحالف الحكومي الثلاثة بمراكش طعم المرارة جعلهم لا يستبعدون إمكانية الطعن في نتيجة الانتخابات بدعوى لامصداقية المجلس المنتخب. سيناريو الخلافات بين أطراف التحالف الحكومي نسج بالطريقة ذاتها عند انتخاب مجلس عاصمة البلاد، مع اختلاف هذه المرة، سجل في أن الاستقلاليين والاتحاديين كانوا على طرفي نقيض، إذ ساند الأولون مرشح الحركة الشعبية، هازمين من ثم مرشح الاتحاد الاشتراكي، الذي لم يقف في صفه غير أربعة مستشارين من حزب التقدم والاشتراكية، هذا الحزب الذي شق منه ثلاثة مستشارين عصا الطاعة، فصوتوا أيضا على مرشح الحركة الشعبية. وإن كانت صرعات قطبي الكتلة، الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال، بدا بعضها في انتخابات الرباط، فإنها انفضحت أكثر فأكثر في فاس، كاشفة عن خلل عميق في التحالف التقليدي بين القطبين، الذي كثيرا ما تحدث البعض من المقربين إليهما بهشاشته، قبل أن تؤكده صراعات المناصب بعد اقتراع الثاني عشر من شتنبر الجاري. وبلغت حدة الخلاف بين القطبين على مجلس مدينة فاس مبلغا دفع بالاتحاديين إلى الانسحاب من جلسة انتخاب عمدة المدينة، بسبب الاختلاف حول طريقة التصويت وتمسك رئيس الجلسة الاستقلالي بالدفع في اتجاه التصويت بالألوان. هذا الانسحاب، الذي أيده مستشارو العدالة والتنمية، أفرغ ساحة المنافسة أمام مرشح الاستقلاليين، الذي فاز بمنصب عمدة المدينة بدعم من حليف من الأغلبية الحكومية هو التقدم والاشتراكية. النقطة الأخيرة من سلسلة الخلافات بين أعضاء الأغلبية وكذا الكتلة تمثلت في انتخابات مجلس مدينة طنجة، إذ أمكن للمرشح اللامنتمي دحمان الدرهم من الظفر بمنصب العمادة على حساب مرشح التقدم والاشتراكية ومرشحة التجمع الوطني للأحرار، بعدما نجح اللامنتمي، الذي كان بالأمس القريب عضوا بالتقدم والاشتراكية، من تكوين مجلس يشاركه في قيادته مستشارون من الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال. ربما كان بريق العمادة أكثر اجتذابا لأحزاب الأغلبية والكتلة وأذهبهم دون الاتجاه في سبيل تكريس منطق الاتفاق لا منطق الفرقة، وجعل التآلف الحكومي أقرب من أي وقت للنهاية، أما الكتلة فصنعت بتحالفاتها المفبركة صورة عن قطب يحتضر. يونس البضيوي