كن أيها المنتخَب أحسن مما ظنه المواطنون فيك واجعل مشاركتك في تدبير الشأن العام لجماعتك من سعي الآخرة ها قد مر أسبوع على انتخابات الثاني عشر من شتنبر، وظهرت نتائجها وعُرف الناحجون، وقريبا تتشكل المجالس وينتخب المكاتب والرؤساء، وقد أمرنا الله تعالى بالتناصح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، ففي بداية الفترة ومع انطلاق مهام هذه المجالس يحتاج أعضاؤها إلى كل كلمة تبصرهم بمسؤوليتهم أو ترشدهم إلى أحسن الطرق في القيام بمهامهم، وفقهم الله تعالى وأعانهم وسددهم وهداهم إنه سميع عليم قريب مجيب. أيها المنتخب الكريم: إن الثقة التي وضعها المواطنون في شخصك وبرنامج حزبك تطوقك بأمانة كبيرة، وتضع في رقبتك مسؤولية ثقيلة جسيمة، فقد أحسنوا بك الظن وصوتوا لصالحك حسب ما قلت لهم وما سمعوا منك، فكن خيرا مما يظنون، لا لتكسب ثناءهم ومدحهم ولا لتعلو بجاهك بينهم، ولكن ليكونوا شهودا لك يوم تحاسب على هذه المسؤولية، وذلك حاصل، سواء ذكرته أو غفلت عنه آمنت به أو كذبت به: (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا). أيها المنتخب الكريم: إن سعي الناس في هذه الدنيا يؤول إلى نوعين لا ثالث لهما: سعي يبتغي به صاحبه المال والجاه، وسعي يبتغي به وجه الله والجنة، فاجعل مشاركتك في تدبير الشأن العام لجماعتك من سعي الآخرة، ولا تجعله من سعي الدنيا، ودع هذه النية تقودك ولا تخلصها لنية أخرى، وستجد أن هذه المهمة تفتح لك مجالا واسعا لما سماه الإسلام بالصدقة الجارية، التي يجري ثوابها على صاحبها في حياته وبعد مماته، (إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين). إن بناء المساجد والمدارس والمشافي والمساكن والمتاجر وشق الطرق وتعبيدها وحفر الآبار ومد القنوات وغرس الأشجار وإنشاء الملاجئ ووقف الأراضي لأجل هذا وغيره من الصدقات الجارية. ومن الصدقة الجارية بناء المكتبات وتجهيزها بالكتب النافعة وإنشاء الحدائق والمتنزهات وحماية الغابات وموارد المياه، وما دامت تلك المرافق قائمة ينتفع بها المسلمون فأجرها على من ساهم في إنشائها إما بمشورة وفكرة أو بتمويل أو عمل. وليس المنتخبون وحدهم الذين يختصون بالصدقة الجارية، فإن الإسلام فتح باب التنافس على جميع المسلمين، ولكن جوهر عمل المنتخبين يجعلهم أسعد الناس وأقربهم إلى تحصيلها، وبهذا الاعتبار فهم يستحقون التهنئة، لأن تدبير الشأن المحلي والجهوي والوطني يتيح لهم المشاركة بالأفكار الجيدة والأقوال النافعة والأعمال الصالحة، فقد يشير المرء برأي ينفع الله به خلقا كثيرا، وفي مثل هذا جاء قوله صلى الله عليه وسلم من دعا إلى هدى كان له مثل أجر من فعله من غير أن ينقص من أجورهم شيء. أيها المنتخب الكريم: إن الناس يشككون في وجود المنتخب الذي يضحي بوقته وماله في خدمة مواطنيه دون أن يقصد بعمله ذلك شيئا، لكن بهذا القصد البعيد الذي يتجاوز عرضا زائلا من الدنيا إلى ثواب باق في الآخرة، ستثبت وجود ما يتشككون فيه (فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى). عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: على كل مسلم صدقة قال: أرأيت إن لم يستطع قال: يعين ذا الحاجة الملهوف، قال: أرأيت إن لم يستطع قال: يأمر بالمعروف أو الخير، قال: أرأيت إن لم يفعل، قال: يمسك عن الشر فإنها صدقة (حديث متفق عليه). إن في هذا الحديث النبوي ذكر مراتب للصدقات والخيرات، فإذا عجز عنها جميعا فعليه أن يمسك عن الشر فإنها صدقة، فأحيانا يعجز المنتخب عن إنجاز بعض الأعمال، إما لأنها لا تدخل في اختصاصه أو لا يجد من يعينه عليها، لكنه في جميع الظروف يستطيع الإمساك عن الشر ورفض الانخراط في أعمال النهب والاختلاس والفساد، ولذلك قال النبي صلي الله عليه وسلم: >ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم<. هذه النية هي مفرق الطريق بين الذين يريدون ما عند الله والذين يريدون ما عند الناس، بين الذي يجعل من مشاركته في المجلس فرصة لنيل ما يبقى أو فرصة لنيل ما يفنى، وإن الذي تقوده مصلحته الشخصية ولا شأن له بمصلحة منتخبيه، ويظهر من تصرفاته أنه يبحث عن الاغتناء بمال الأمة مخدوع مغرور سيفيق من غروره عندما يوضع في قبره، ويومها يندم على اليوم الذي دخل فيه هذا المجلس ويود لو أنه بينه وبين هذه المسؤولية ما بين المشرق والمغرب. ففي الحديث أن رجلا أخذ في إحدى الغزوات ثوبا (شملة) قبل أن تقسم الغنائم، وكان قد استشهد، فلما ذكره الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: هنيئا له الجنة قال صلى الله عليه وسلم: كلا إني رأيت الشملة التي غَلَّ تشتعل عليه نارا ففتشوا متاعه فوجدوها، وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم هدايا العمال (المسؤولين) غلولا حتى تأخذ حكمها. وعندما استعمل رجلا على جباية الزكاة وعاد أَتى بأنعام وقال هذه لكم وساق أخرى لبيته وقال هذا أهدي إلي، فأنكر عليه النبي صلي الله عليه وسلم وخطب بالمناسبة خطبة شديدة ومما قال فيها: هلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى إليه أم لا؟ ثم حذر أي مسؤول أن يأتي يوم القيامة يحمل جملا أو بقرة أو شاة، وقد قال الله تعالى في كتابه ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة. أيها المنتخب الكريم: حتى يكون لك غُنْم هذه المهمة ولا يكون عليك غُرمها، فكن أمينا ولا ترتكب ما ارتكبت اليهود والنصارى فتستحل ما حرم الله بأدنى الحيل وتذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم >إن ناسا يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة<. ومن الخوض في مال الله بغير حق تبذير الأموال في المشروعات المفضولة عمدا وترك ما فيه مصلحة حقيقية، ومنه إرضاء المسؤولين ورجال السلطة ببعض الهدايا والخدمات واحتسابها من أموال الجماعة ومنها أخذ الرشوة على تفويت الصفقات على حساب الجودة والثمن، ومنه الفواتير الوهمية لمشاريع وإنجازات لا وجود لها، ومنه استغلال أجهزة الجماعة خارج القانون، ومنه الانتفاع بهاتف وبنزين وأغراس وآلات الجماعة لفائدة من لا يستحق. أيها المنتخب الكريم: إننا لا نريد بهذا أن نخوفك ولكننا نريد أن يكون دخولك للمجلس خيرا وبركة عليك وعلى أهلك وقومك، نريد أن لا تنسى الوعود التي حملتها إعلاناتك، فإن الله تعالى لا ينسى وما كان ربك نسيا، ونريدك أن تنجح ولا تفشل، وهذه توجيهات نبوية لك ولكل من ابتلى بتدبير الشأن العام: 1 قل آمنت بالله ثم استقم. 2 لا تغضب لا تغضب لا تغضب. 3 لا يزال لسانك رطبا بذكر الله. 4 الكلمة الطيبة صدقة ولا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق. 5 آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان. 6 لا تكن إمعة تقول أنا مع الناس، إن أحسن الناس أحسنت وإن أساؤوا أسأت، ولكن وطِّنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساؤوا أن تجتنبوا إساءتهم. 7 مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير. 8 تعس عبد الدرهم والدينار والقطيفة والخميصة إن أُعْطِي رضي وإن لم يعط سخط. أيها المنتخب الكريم: ولا يكفي شرط الأمانة للنهوض بمهمة الاستشارة أو الرئاسة، بل لا بد من القوة، وهي العلم بالمسؤولية والإحاطة باختصاصات المجالس الجماعية والمعرفة بموارد الجماعة المعينة وحاجاتها، وهذا يتطلب الإطلاع على الميثاق الجماعي وهو ميثاق جيد ينص على اختصاصات لا يستهان بها مثل توفير الماء والكهرباء وجمع النفايات ونقل المرضى والجرحى ودفن الأموات والوقاية الصحية والتعمير المعقلن وإنعاش الفلاحة والصناعة والتجهيز وإصلاح البنيات التحتية ومتابعة المخططات المحلية المتفرعة من المخطط الوطني وجباية الأموال التي تدعم أنشطة الجماعة وتوفير الفضاءات الرياضية والترفيهية والثقافية والعناية بالشباب والأطفال والشيوخ والأميين. وقد ذكر الله تعالى القوة والأمانة معا في قوله: (إن خير من استأجرت القوي الأمين) وعندما رشح يوسف نفسه للوزارة وتدبير المؤونة في مصر (قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم). أيها المنتخب الكريم: إننا نعلم وتعلم معنا أنك لا تستطيع القيام بمهمتك على أكمل وجه حتى تلقى التعاون من جهات ثلاثة: السلطة الوصية والجهاز الإداري للجماعة وعموم السكان. والمغاربة يتطلعون إلى تعاون بين هذه الأطراف الأربعة تختفي معه الألوان الحزبية والمصالح الشخصية والحزازات النفسية، ويكون الجميع يدا واحدة لتحقيق التنمية الشاملة. (يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون) ودعواتنا لهذه المجالس المنتخبة بالتوفيق. والحمد لله رب العالمين. الدكتور محمد عز الدين توفيق (خطيب مسجد عقبة بن نافع يالدار البيضاء) المسؤول التربوي الوطني لحركة التوحيد والإصلاح