أكد تقرير أصدره مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) عن خبرة مسلمي أمريكا على الصعيدين السياسي والحقوقي بمناسبة مرور عامين على أحداث الحادي عشر من سبتمبر على أهمية أن ينظر المسلمون في أمريكا وخارجها بشكل موضوعي إلى الفرص والتحديات التي أوجدتها أزمة أحداث سبتمبر 2001 في أوساط مسلمي أمريكا خلال العامين الماضيين، وحذر المجلس من خطورة المبالغة في الحديث عن الفرص الإيجابية أو التحديات السلبية التي قادت إليها الأزمة ومن خطورة النظرة الضيقة للتحديات المختلفة التي يواجهها المسلمون في أمريكا خلال الفترة الحالية والتي يرتبط بعضها بطبيعة المرحلة الراهنة من مراحل تطور مسلمي أمريكا كجماعة أمريكية ناشئة. وأشار التقرير في جزءه الأول إلى خمسة فرص أساسية أفرزتها تحديات أزمة الحادي عشر من سبتمبر خلال العامين الماضيين، وهي: أولا: زيادة شعور مسلمي أمريكا بأهمية التنظيم السياسي والقانوني بشكل عام. ثانيا: تشجيع مسلمي أمريكا على مساندة ودعم منظماتهم السياسية والحقوقية، والعمل معها. ثالثا: تأسيس عدد من المنظمات المسلمة الأمريكيةالجديدة المعنية بالدفاع عن الحقوق المدنية وبالعمل مع الإعلام الأمريكي وتشجيع نشاط المسلمين في أمريكا على الصعيد السياسي. رابعا: نشطت المنظمات المسلمة الأمريكية منذ أحداث سبتمبر 2001 في العمل مع عدد متزايد من المنظمات المدنية الأمريكية التي اهتمت بالدفاع عن قضايا مسلمي أمريكا في ظل الضغوط الكبيرة التي تعرضوا لها بعد أحداث سبتمبر، وأشار التقرير في هذا السياق إلى أربعة تحالفات أساسية دخلها مسلمو أمريكا بقوة خلال العامين الماضيين. التحالف الأول قرب بين مسلمي أمريكا وعدد من أكبر جماعات الحقوق والحريات المدينة التي انتقدت ما تعرضت له حقوق وحريات مسلمي وعرب أمريكا خلال العامين الماضيين. وقرب التحالف الثاني بين مسلمي أمريكا وعدد كبير من جماعات السلام ومناهضة الحروب الأمريكية خاصة خلال فترة الحرب على العراق. التحالف الثالث قرب بين مسلمي أمريكا والجماعات المدافعة عن حقوق الأقليات في أمريكا التي رفضت ما تعرضت له حقوق وحريات المسلمين والعرب من انتهاكات ذكرتهم بمعاناتهم خلال فترات تاريخية أخرى كمعاناة اليابانيين الأمريكيين خلال الحرب العالمية الثانية. كما قرب التحالف الرابع بين مسلمي وعرب أمريكا وبعض الجماعات الدينية – مثل مجلس الكنائس الوطني – والتي نشطت في التواصل مع مسلمي وعرب أمريكا وفتح قنوات للحوار معهم. خامسا: دفعت الأزمة مسلمي أمريكا إلى البحث عن سبل جديدة وفعالة لاستخدامها في الدفاع عن حقوقهم وحرياتهم في أمريكا، وعلى رأس هذه السبل الجديدة اللجوء للقضاء الأمريكي كأداة للدفاع عن حقوق وحريات المسلمين وصورتهم في أمريكا. وأشار التقرير في قسمه الثاني إلى بعض التحديات الداخلية النابعة من ظروف مسلمي أمريكا أنفسهم، وعلى رأسها ضعف مواردهم وقلة المنظمات القائمة على رعاية شئونهم، إذ تقوم حوالي 2300 هيئة مسلمة – غالبيتها مساجد ومؤسسات دينية وطلابية - على رعاية احتياجات حوالي 6-8 ملايين مسلم مما يعني أن كل هيئة تقوم على خدمة 3 آلاف فرد في المتوسط، كما يقتصر عدد المؤسسات العاملة في مجال الشئون العامة مثل الدفاع عن الحقوق المدنية وتشجيع المشاركة المدنية على 55 منظمة فقط (غالبيتها منظمات صغيرة ومحلية)، وهو ما يعني أن كل منظمة تخدم حاجات حوالي 130 ألف مسلم بالولاياتالمتحدة. وقال التقرير أن ميزانيات غالبية المؤسسات المسلمة الأمريكية تعاني من الفقر الشديد إذا قورنت بميزانيات المؤسسات الأمريكية المشابهة لها، فعلى سبيل المثال تقل ميزانيات 54 % من المساجد في أمريكا عن أربعين ألف دولار سنويا، ولا تتعدى ميزانية أكبر منظمات الشئون العامة المسلمة خمسة ملايين دولار سنويا، في الوقت الذي أنفق فيه الشعب الأمريكي في عام 2002 حوالي 241 بليون دولار على العمل الخيري ذهب 84 بليون دولار منها للمؤسسات الدينية، و31 بليون دولار منها للمؤسسات التعليمية، و11 بليون دولار منها للمؤسسات المعنية بالشئون العامة. كما أشار التقرير إلى معظم جهود المسلمين في أمريكا تتركز في مجال العمل الديني بمفهومه التقليدي إذ تبلغ نسبة المساجد والمؤسسات المعنية بالشئون الدينية 59 % من إجمالي المنظمات المسلمة الأمريكية، وهي أكبر نسبة على الإطلاق من الهيئات المسلمة تليها المنظمات العرقية بنسبة 12 %، ثم الاتحادات الطلابية والمدارس الإسلامية بنسبة 8 % لكلا منهما تقريبا، أما المؤسسات المعنية بالشئون العامة – وغالبيتها منظمات صغيرة ومحلية - فتقتصر نسبتها على 2.4 % فقط من إجمالي المؤسسات المسلمة الأمريكية مما يعد مؤشرا خطيرا على قلة عدد المؤسسات القائمة على الدفاع عن حقوق المسلمين وصورتهم في المحيط الأمريكي الكبير. وأرجع التقرير ندرة الموارد المركزة على العمل في مجالات الشئون العامة والسياسية إلى طبيعة المسلمين في أمريكا كجماعة مازالت تعيش طور التكوين ركزت معظم مواردها على بناء المؤسسات القائمة على حماية هويتها الدينية والثقافية في بداية فترة نموها واستقرارها في أمريكا. ولكن التقرير ذكر أن عقد التسعينات شهد توجها متزايد من قبل المسلمين الأمريكيين نحو المشاركة في الحياة العامة والسياسية الأمريكية، وقد أوضحت دراسة أجرتها كير في عام 2000 لتوجهات قادة المساجد في أمريكا أن 96% منهم يؤيدون مشاركة المسلمين في مؤسسات المجتمع الأمريكي المختلفة، كما أيد 89% منهم المشاركة في العملية السياسية، وأيد 77 % منهم فكرة أن الولاياتالمتحدة تقدم نموذجا من الحرية والديمقراطية يمكن أن يتعلم منه المسلمون. وتناول التقرير في جزءه الثالث التحديات التي فرضت على مسلمي أمريكا من قبل البيئة المحيطة بهم خلال العامين الماضيين لأسباب ثلاثة أساسية: أولا: الأزمة أدت على زيادة الضغوط التي يتعرض لها المسلمون في أمريكا لكونهم مسلمين على المستويات الثلاثة التالية: - فعلى مستوى الحقوق المدنية تعرض حوالي ألفي مسلم للمضايقات والتمييز خلال الشهور القليلة التالية لأحداث سبتمبر بسبب موجة الغضب التي شعر بها الشعب الأمريكي تجاه مسلم أمريكا بسبب هوية مرتكبي تفجيرات سبتمبر، كما أضطر 60-85 ألف من المهاجرين المسلمين إلى تسجيل أنفسهم لدى دوائر الهجرة أو للقاء مع مسئولي مكتب التحقيقات الفيدرالي بسبب الاحتياطات الأمنية التي اتخذتها الحكومة الأمريكية بعد أحداث سبتمبر ضد المهاجرين والأمريكيين من ذوي الأصول المسلمة والعربية. - على مستوى الإعلام الأمريكي زادت معدلات التشويه التي تتعرض لها صورة الإسلام والمسلمين بشكل غير مسبوق، قد أشار استطلاع لتوجهات الرأي العام الأمريكي تجاه الإسلام والمسلمين نشره مركز بيو الأمريكي للأبحاث في شهر يوليو الماضي إلى تدهور صورة الإسلام في أعين الأمريكيين مقارنة بصورة الأديان الأخرى، إذ توصل الاستطلاع إلى أن 44% من الأمريكيين يعتقدون أن الإسلام يشجع العنف أكثر من الأديان الأخرى، وذلك مقارنة بنسبة 22% فقط منهم في شهر مارس من عام 2002، كما زادت نسبة الأمريكيين الذين يعتقدون أن المسلمين يعادون أمريكا إذ وصلت إلى نسبة 49 % مقارنة بنسبة 36% في مارس عام 2002، وفي الوقت نفسه قلت نسبة الأمريكيين الذين ينظرون نظرة إيجابية تجاه مسلمي أمريكا إلى 22% فقط مقارنة بنسبة 27 % في عام 2002 ونسبة 31 % في خريف عام 2001. - على المستوى السياسي أقرت الحكومة الأمريكية العديد من القوانين والسياسات التي رأى مسلمو أمريكا أنها تستهدفهم، بما في ذلك سياسات تسجيل آلاف المهاجرين المسلمين والعرب واعتقال المئات منهم على ذمة التحقيقات بدون توفير أدلة تدينهم والتوسع في التجسس عليهم ومراقبتهم. كما نشطت مجموعة صاحبة نفوذ من الكتاب السياسيين ذوي التوجهات اليمينية المتشددة من أمثال دانيل بيبس وتشارلز كروثهمر وفرانك جافني في محاولة التشكيك في ولاء المسلمين الأمريكيين ومنظماتهم وقياداتهم تجاه الولاياتالمتحدة، وتصوير أية انتقادات قد يوجهوها نحو سياسة الحكومة الأمريكية على أنها تعبير عن عدم ولائهم لأمريكا أو عن طبيعة الإسلام المساندة للإرهاب. ثانيا: الأزمة ألحقت ضررا بالغا بحلم آلاف المسلمين بالبقاء في أمريكا وبناء حياة كريمة لهم. فقد أضرت الأزمة بحقوق بعض مسلمي أمريكا وتصوراتهم نحو الحياة المسلمة الأمريكية بشكل يصعب إصلاحه، إذ أضطر بعض المسلمين للرحيل عن الولاياتالمتحدة بسبب الضغوط المتزايدة التي تعرض لها الإسلام والمسلون في أمريكا بعد أحداث سبتمبر، ورحل بعض المسلمين عن الولاياتالمتحدة بسبب بعض السياسات الأمنية التي اتخذتها الحكومة الأمريكية بعد أحداث سبتمبر والتي استهدفت المهاجرين المسلمين والعرب، وتقدر أعداد هؤلاء الأفراد بالآلاف وبأكثر من 13 ألف مهاجر مسلم وعربي على أقل تقدير، أما المجموعة الثالثة فهي الأسر التي تضررت حياتها ضررا بالغا بعد أحداث سبتمبر بسبب اعتقال بعض أفرادها ضمن التحقيقات التي تلت التفجيرات، وقد طالت الاعتقالات مئات المسلمين والعرب المقيمين في أمريكا ولم تؤدي إلى إدانة إلا عدد قليل جدا منهم بتهم تتعلق بالإرهاب. ثالثا: زيادة الضغوط التي يتعرض لها المسلمون الأمريكيون من العالم الإسلامي بسبب التوتر المتزايد بين بلدان العالم الإسلامي والولاياتالمتحدة خلال الفترة الراهنة بسبب بعض سياسات الحكومة الأمريكية تجاه المسلمين والعرب وخاصة في فلسطين والعراق، إذ أدت هذه الضغوط على الرغم من أنها لم تتحول إلى مطالب مباشرة - من قبل العالم الإسلامي إلى مسلمي أمريكا - بالانعزال عن المجتمع الأمريكي إلى تعقيد البيئة والظروف المحيطة بحياة المسلمين في أمريكا. ودعا التقرير في نهايته إلى توعية المسلمين والعرب في أمريكا بأدوات العمل السياسي والإعلامي والثقافي المختلفة اللازمة للدفاع عن قضاياهم وصورتهم بأمريكا، وخاصة الجديد والمطلوب منها والذي أصبح استخدامه يعد ضروريا لحماية وجود مسلمي وعرب أمريكا ومصالحهم كالمنهج القضائي، وذلك حتى يتكاتفوا مع بعضهم البعض في وجه التحديات الصعبة التي تفرضها الظروف الراهنة. وأكد التقرير على أن نجاح المسلمين في أمريكا في استغلال الفرص العديدة التي إتاحتها أزمة سبتمبر 2001 أمام مسلمي أمريكا خلال العامين السابقين - والتي رصدها التقرير في بدايته - سوف يتوقف على قدرة مسلمي أمريكا على الوعي بتلك الفرص، وعلى النظر بشكل موضوعي إلى تحديات الأزمة المختلفة على المستويين الداخلي والخارجي، وعلى رغبتهم في تحدي الظروف الراهنة وبناء مستقبل أفضل لهم ولأبنائهم في أمريكا. كير-واشنطن