التعاون مع وسائل الإعلام الأمريكية من أجل تحسين تعاملها مع قضايا الإسلام والمسلمين هو أحد أنشطة مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) الرئيسية، وتسعى هذه المقالة إلى التعريف بأنشطة كير على المستوى الإعلامي وتوجهات تطورها في فترة ما بعد أحداث11 سبتمبر 2001. وكمقدمة نحب أن نشير إلى أن جهود كير للدفاع عن صورة الإسلام والمسلمين في الولاياتالمتحدة هي جهود متشعبة ومركبة بقدر تشعب وتعقد موقف الإعلام الأمريكي نفسه من قضايا المسلمين والعرب. وتبدأ أنشطة كير على المستوى الإعلامي بمتابعة كل ما ينشر عن الإسلام والمسلمين في وسائل الإعلام الأمريكية المكتوبة بالأساس بصورة يومية، وتعتمد كير في ذلك على بعض قواعد البحث والأخبار الإلكترونية المعروفة مثل "ليكسس نيكسس"، و"داو جونز"، إضافة إلى وسائل الإعلام المعروفة بتعبيرها عن أنشطة جماعات معينة معنية بقضايا الإسلام والمسلمين ومؤثرة على الساحة الأمريكية كالمنظمات اليمينية أو المنظمات الأمريكية المهتمة بقضية الشرق الأوسط. وتصدر كير - بصفة يومية - نشرتي أخبار باللغة الإنجليزية تلخصان أهم ما يصدر في الإعلام الأمريكي والعالمي الناطق باللغة الإنجليزية عن قضايا الإسلام والمسلمين، وترسل أحدهما إلى الإعلاميين والنشطين من غير المسلمين أو العرب في الولاياتالمتحدة، وهي تعرف باسم "اسلام إنفو نت"، وتوجه الثانية إلى النشطين المسلمين والعرب المتحدثين بالغة الإنجليزية داخل وخارج أمريكا، وتعرف باسم "كير نت" أو شبكة كير الإلكترونية. وقد بدأت كير في أوائل عام 2001 نشرة أخبار موجه إلى النشطين والإعلاميين المتحدثين باللغة العربية داخل وخارج أمريكا، وتضم هذه النشرة ملخص لبعض أهم ما ينشر في نشرات كير الإنجليزية. وتساعد نشرات كير على توعية المستقبلين لها بقضايا المسلمين والعرب في أمريكا والعالم من وجهة نظر موضوعية ومتوازنة، كما تساعد أيضا على تنشيط آلاف من المسلمين والعرب من مستخدمي الشبكات الإلكترونية من شتى أنحاء العالم والموجودين على قوائم كير من أجل التواصل مع الهيئات الأمريكية للتعبير عن أرائهم بخصوص القضايا السياسية الهامة ومن أجل الدفاع عن قضايا المسلمين وصورتهم وصورة الإسلام لدى الجهات المسيئة لها في الولاياتالمتحدة. وقد أصبح لاستجابات النشطين المسلمين الموجودين على شبكات كير الإلكترونية ردود أفعال سريعة ومؤثرة لدى مؤسسات الرأي العام ووسائل الإعلام الأمريكية، ومن أحدث القضايا التي حُركت فيها هذه الشبكات قضية الرد على جريدة تلاهاسي ديمقراط الصادرة في ولاية فلوريدا الأمريكية بعد أن أساء رسام كاريكاتور معروف بها للرسول صلى الله عليه وسلم، وبعد أن استهزأ أحد محرريها بصلاة المسلمين، وقد وقعت تلك الإساءات خلال الأسبوع الأخير من شهر ديسمبر الماضي وأوائل عام 2003، مما دفع كير إلى إخطار النشطين الموجودين على شبكاتها الإلكترونية ودعوتهم إلى الإحتجاج على موقف الصحيفة، الأمر الذي دفع الجريدة إلى الاعتذار على إساءات محرريها موضحة لوسائل الإعلام الأمريكية - التي نقلت أخبار خلافها مع كير - أنه وصلها حوالي تسعة آلاف رسالة إلكترونية من مساندي كير خلال حوالي أسبوعين فقط. ولكي توثق كير مواقفها وتبرهن على صحتها لدى دوائر الإعلام والسياسة الأمريكية عمدت كير منذ سنوات إلى توثيق بعض أهم أبعاد خبرة المسلمين على الساحة الأمريكية من خلال إصدار أبحاث خاصة بذلك، وقد نجحت كير منذ عام 1996 في إصدار تقرير سنوي عن أوضاع الحقوق المدنية للمسلمين في أمريكا، ويعد التقرير المصدر الأساسي الدوري الوحيد من نوعه عن الانتهاكات التي تتعرض لها حقوق المسلمين المدينة في الولاياتالمتحدة. وفي عام 2001 أصدرت كير دراسة هي الأوسع من نوعها عن المساجد في الولاياتالمتحدة وخصائص مرتاديها، وقد توصلت الدراسة إلى نتائج هامة عن توجهات القائمين على إدارة المراكز الإسلامية والمساجد في أمريكا تجاه مساجدهم ونحو مرتاديها بشكل خاص ونحو المجتمع الأمريكي ومؤسساته بشكل عام، وفي عام 2002 انتهت كير من دراسة هي الأولى من نوعها للمؤسسات المشكلة للمجتمع المسلم الأمريكي بشتى أنواعها. إضافة إلى هذه الأنشطة تمثل كير مصدرا أساسيا لتزويد وسائل الإعلام الأمريكية بالخبراء القادرين على شرح موقف الإسلام والمسلمين تجاه القضايا المثارة، كما تنظم كير دورات تدريبية لتوعية أصحاب الأعمال والمؤسسات الأمريكية المختلفة بسبل التعامل مع مرءوسيهم المسلمين والاستجابة إلى حاجاتهم وحرياتهم الدينية. وقد شهدت أنشطة كير على المستوى الإعلامي بعد أحداث سبتمبر 2001 تطورا أساسيا تمثل في توسع كير في نشاطاتها وتبنيها لعدد من الحملات الكبرى لتحسين صورة الإسلام والمسلمين في الولاياتالمتحدة، ونخص هنا بالذكر حملتين أساسيتين، وهما حملة تزويد المكتبات الأمريكية العامة بمصادر معرفية موضوعية عن الإسلام، وحملة لنشر الإعلانات بالجرائد الأمريكية على مدار عام كامل. وتهدف الحملة الأولى إلى إهداء 16200 مكتبة أمريكية عامة بمجموعة مختارة من 18 كتابا وشريط فيديو وشريط كاسيت تتناول الإسلام بصورة صحيحة ومتوازنة، وقد أعلنت كير في أوائل شهر فبراير الحالي عن نجاحها في تغطية تكاليف إرسال المواد المعرفية إلى 4500 مكتبة خلال شهور الحملة الخمسة الأولى، كما أعلنت أن مجموعات الكتب قد وصلت مئات المكتبات الأمريكية بالفعل، وقد تلقت كير العديد من ردود الأفعال الإيجابية من المكتبات التي وصلتها هذه الكتب. المشروع الثاني الذي بدأته كير مؤخرا هو مشروع لنشر سلسلة من الإعلانات الأسبوعية لمدة 52 أسبوعا متتالية في مجموعة من أكبر الجرائد الأمريكية، وتتناول الإعلانات الإسلام والمسلمين من زاوية موضوعية ومتوازنة سعيا إلى توعية القارئ الأمريكي بحقيقتيهما، كما تغطي الإعلانات أربعة محاور أساسية، وهي حياة المسلمين في أمريكا ومفاهيم وقيم الإسلام الأساسية وسيرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وموقف الإسلام من القضايا المعاصرة. وتمثل الحملتان نقلة نوعية في طبيعة الأنشطة التي ترعاها كير والتي اعتمدت لفترات طويلة في عملها على البرامج المستمرة أكثر منه على الحملات المكثفة، خاصة فيما يتعلق بتكلفة الحملتين والتي تصل إلى 7 مليون دولار أمريكي، ويبدو هذا التغيير مبررا في فترة ما بعد أحداث سبتمبر للأسباب التالية: - أن صورة الإسلام والمسلمين بعد أحداث سبتمبر 2001 تعرضت لموجة تشويه وهجوم لم يسبق لها مثيل تزامنت مع شعور المواطن الأمريكي العادي بعدم الأمن والخوف من اعتداءات قد تقوم بها جماعات مسلمة وعربية. - ظروف ما بعد 11 سبتمبر فرضت على جميع الدول والشعوب والمنظمات المسلمة والعربية تكثيف جهودها لتحسين صورتها ومد جسور الحوار مع الشعب الأمريكي وكان هناك حاجة لحملات علاقات عامة تدافع عن الإسلام والمسلمين ذاتهم بدون ربطهم بخلفية وطنية أو عرقية بعينها، وهذا ما تحاول كير تطبيقه في حملاتها. - شعور كير والقائمين على تحسين صورة الإسلام والمسلمين في الولاياتالمتحدة بأن أزمة سبتمبر 2001 أوجدت فرصة لا مثيل لها لتوعية الرأي العام الأمريكي بصورة الإسلام والمسلمين الصحيحة، وذلك بسبب اهتمام الأمريكيين غير المسبوق بعد أحداث سبتمبر المؤسفة بتوعية أنفسهم بالإسلام والمسلمين. - أن مساعي المسلمين لتحسين صورتهم في الولاياتالمتحدة مازالت تفتقر للاستثمار الكافي فيها، إذ يعتبر المسلمين والعرب من أقل الجماعات إنفاقا على صعيد العلاقات العامة ونشاطات اللوبي بالرغم من الانتقادات التي تتعرض لها صورتهم في الولاياتالمتحدة. وفي النهاية أحب أن أشير إلى أن تحول المنظمات المسلمة والعربية مثل كير نحو الاستثمار في حملات العلاقات العامة والدعاية الكبرى هو تحول هام جدا وضروري في وقت تشتد الحاجة إليه لتحسين صورة المسلمين والعرب في ظل الأزمة الراهنة، ويحتاج منا التكاتف حوله لإنجاحه. ------ * مقال بقلم علاء بيومي مدير الشئون العربية بمجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير)، صادر في 19 فبراير 2003.