هناك أكثر من دلالة يمكن التوقف عندها لتحليل فوز مرشح الإخوان محمد مرسي، خاصة وأن مخاض المسار الانتقالي الذي خاضته مصر منذ ثورة 25 يناير كان عسيرا، يخفي خلفه حساسية المنطقة وصراع الإرادات الدولية والإقليمية، والتجاذب القوي الذي عرفه المشهد السياسي المصري، بين إرادة رموز الدولة العميقة، وإرادة الثورة، وإرادة الفاعل الدولي المتعدد. ليس المهم اليوم، البحث عن دلالات الانتصار الذي حققته إرادة الثورة، وإنما المهم هو بحث تركيبة السلطة التي انتهى إليها الوضع في مصر والتحديات المطروحة أمام تجربة الانتقال إلى الديمقراطية في هذا البلد. عمليا، ورغم فوز محمد مرسي، فإن عناصر الصورة السياسية في مصر لم تكتمل بشكل نهائي. الواضح إلى الآن في المشهد شيئان: الإعلان الدستوري المكمل الذي يمثل تصور المجلس العسكري الأعلى للحكم، وإعلان مرسي رئيسا لمصر في أجواء الاعتصام على إعلان الدستور المكمل في ميدان التحرير، وما عدا ذلك، فلا توجد في الصورة إلا مواقف لا ندري إن كان السلوك السياسي يعكسها أم يناقضها. فمن جهة، هناك مواقف المجلس العسكري الأعلى التي يلتزم فيها بنقل السلطة إلى الرئيس، ويؤول الإعلان الدستوري المكمل بطريقته التي لا يرى فيها أي انتقاص من صلاحية الرئيس، ومن جهة ثانية، هناك تصريحات الرئيس وقيادات الثورة على الاستمرار في تحقيق عناوين الثورة ورفض الإعلان الدستوري المكمل، لكن لا ندري إلى أي حد يمكن أن يستمر هذا الموقف وبأي نحو. ومن جهة ثالثة، هناك مواقف دولية مؤيدة لإعلان مرسي رئيسا لمصر ومنتقدة في الوقت ذاته للإعلان الدستوري المكمل، لكن لا يظهر حقيقة سلوكها السياسي على الأرض، وهل هو مطابق تماما لمواقفها المعلنة. قراءة عناصر هذه الصورة ليست صعبة، فتركيب العناصر البارزة فيها يؤشر على أن صيغة للسلطة قد تم إعدادها، تتأسس على الشراكة في الحكم، لكن مع احتفاظ المجلس العسكري بالضمانات التي تجعله متحكما في القضايا الإستراتيجية، بما يعني ذلك تقليص صلاحية الرئيس إلى أبعد الحدود، وجعل مؤسسة الرئاسة والمؤسسة التشريعية أداة للتدبير فقط، وليس صانعة للقرار السياسي والتشريعي. التحدي المطروح اليوم أمام مصر كبير ومعقد، إذ لا يمكن اختصاره فقط في مواجهة الإعلان الدستوري المكمل، وإقناع القوات المسلحة المصرية إلى الرجوع إلى ثكناتها، ولا يمكن مواجهته فقط برسائل الطمأنة التي وجهها الرئيس مرسي إلى كافة الأطراف الداخلية والخارجية، وإنما هو مرتبط بمدى قدرة الإخوان في هذه المرحلة على إنتاج دينامية سياسية قوية تستطيع أن تقنع الجميع بجدواها، حتى تنتهي إلى تسوية سياسية مرضية لجميع الأطراف وغير ناكصة عن مكتسبات الثورة. ومع أن التحدي بهذا الحجم، إلا أن اللغة التي تحدث بها الرئيس المنتخب تؤشر على وجود قدرة تفاوضية يمكن أن تجنب البلاد سيناريو كسر العظم، فقد حرصت كلماته على الجمع بين عناوين متداخلة يصعب تحقيقها مجتمعة بدون تسوية سياسية، إذ دعا إلى مواجهة الفتن والمؤامرات، ونبذ التصادم والتخوين، وتعزيز الوحدة الوطنية بين كافة مكونات الشعب المصري، وفي الوقت ذاته تعهد بالوفاء للثورة ودماء شهدائها، كما ضمن كلماته رسالة مصالحة مع المؤسسة العسكرية وأجهزة الأمن والهيئة القضائية، ورسالة طمأنة للخارج أيضا، إذ التزم بالمحافظة على المواثيق والمعاهدات الدولية وعلى الالتزامات والاتفاقيات المصرية مع العالم كله، وإقامة علاقات متوازنة مع كل دول العالم. بكلمة، إن الحل لا يتوقف فقط على مدى قدرة الإخوان على تحويل رسائل الطمأنة إلى إجراءات عملية ودينامية سياسية، وإنما هو متوقف أيضا على مدى قدرة الأطراف الأخرى على التجاوب مع هذه المواقف، والاقتراب من بعضها البعض لإحداث توافق سياسي ينتهي بالبلاد إلى إنتاج صيغة حكم مستقر تتمتع فيه جميع المؤسسات بمكانتها الاعتبارية، بما في ذلك المؤسسة العسكرية وتحافظ فيه مصر على ثورتها، وتمضي بتدرج في بناء تجربة انتقالها إلى الديمقراطية.