في انتظار الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية المصرية بشكل رسمي، و هي التي ستحدد إسم رئيس الجمهورية المقبل، يبقى مستقبل أرض الكنانة غامضا. فالمرشحان المتنافسان معا يعلنان فوزهما و يترقبان الإعلان الرسمي للتعبير عن موقف منه، و هو الموقف الذي سيحدد التطورات القريبة القادمة التي ستعيشها الساحة السياسية المصرية. فإذا فاز أحمد شفيق و هو آخر رئيس وزراء في عهد مبارك و بعد ما حصل خلال الأيام القليلة الماضية من حل لمجلس الشعب والجمعية التأسيسيّة ووضع معظم السلطات في يد المجلس العسكري, بعد الإعلان الدستوري المكمل, فإن هذا يعني عودة النظام القديم بحلة جديدة، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى انبعاث الثورة و اشتعال أوارها مع ما يعنيه ذلك من تطورات دامية . أما إذا فاز محمد مرسي مرشح الإخوان المسلمين، فإن هذا يعني أن صراعًا سيدور ما بين الرئيس الذي ينتمي إلى الإخوان المسلمين الذين شاركوا بالثورة، وبين المجلس العسكري صاحب السلطة الفعلية، مما سيجعل الرئيس أقرب إلى المعارضة منه إلى الحكم، الأمر الذي يفتح الباب لفترة من عدم الاستقرار لن تتضح معالمها ونهايتها إلّا بعد إجراء انتخابات مجلس الشعب وإقرار الدستور، وهذا يعني أن مصر ستدخل في مرحلة انتقاليّة جديدة سيتم فيها التنافس الشديد على كل شيء، خصوصًا على صياغة الدستور الجديد وانتخاب مجلس شعب جديد، الذي من دون انتخابه لا يمكن أن يتحقق نظام ديمقراطي يؤمن الفصل بين السلطات واستقلاليتها. أعلن كل من المرشحين المتنافسين في الدور الثاني للانتخابات الرئاسية المصرية الدكتور محمد مرسي مرشح الإخوان المسلمين والفريق أحمد شفيق فوزهما ، بينما رفضت لجنة الانتخابات التعليق مؤكدة أنها لا تزال تتلقى نتائج التصويت. و في هذا السياق اتهمت حملة المرشح للانتخابات الرئاسية في مصر احمد شفيق منافسه الاسلامي محمد مرسي بمحاولة «اختطاف» الانتخابات بإعلانه «فوزه الكاذب» بالانتخابات الرئاسية بعد ساعات قليلة من إغلاق مكاتب التصويت. وقال احمد سرحان مسؤول حملة شفيق للصحافيين «اننا نرفض استباق المرشح الاخر (مرسي) الاعلان الرسمي للنتائج ومحاولة اختطاف الانتخابات بادعاء الفوز الكاذب فيها». واضاف «لم تنته عمليات الفرز حتى الآن رغم ادعاء الطرف الآخر انه فاز بفارق يزعم انه يقترب من مليون صوت». وتابع «ان تقديراتنا المؤكدة وفق عمليات رصد الحملة ان الفريق احمد شفيق يتقدم على منافسه بنسبة تتراوح بين 51,5 و52 بالمئة». واكد ان ذلك يعني ان «المرشح الاخر مارس سطوا على النتيجة بغير وجه حق ولغرض في نفسه» في «محاولة لفرض امر من اثنين اما وضع اليد على منصب رئيس الجمهورية بدون إعلان النتائج الرسمية أو الادعاء بحدوث تزوير بعكس النتائج التي نثق أنها سوف تثبت تفوق مرشحنا». وقال سرحان إن الحملة ستتقدم بشكوى متكاملة إلى اللجنة العليا للانتخابات, مؤكدة على حقها الأصيل في إلغاء كل النتائج التي أعلنتها حملة محمد مرسي. وكانت حملة محمد مرسي مرشح حزب الحرية والعدالة، المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين في مصر، قد اعلنت فوزه في جولة الإعادة في انتخابات الرئاسة المصرية التي جرت أمام أحمد شفيق آخر رئيس وزراء في عهد الرئيس السابق حسني مبارك. وقالت جماعة الأخوان المسلمين في بيان رسمي على موقعها الالكتروني إن محمد مرسي حاز على 13.237.000 صوت، بنسبة 52%، مقابل 12.338.973 صوتًا بنسبة 48% لصالح أحمد شفيق. و في المقابل، قال المستشار ماهر البحيري نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا وعضو لجنة انتخابات الرئاسة « لم تصلنا كل النتائج من اللجان العامة على مستوى الجمهورية ولا تعليق للجنة العليا على ما يطرح من قبل حملات المرشحين.» ومن المقرر ان تعلن اللجنة الانتخابية النتائج الرسمية للانتخابات يوم غد الخميس. و في محاولة لترسيخ الاعتقاد بفوز المرشح الإسلامي ، ذكر ياسر علي الناطق الرسمي باسم حملة محمد مرسي أن مشاورات لتشكيل الحكومة الجديدة ستجري بعد أسبوع من إعلان فوز مرسي رسميا.موضحا أن مرسي سيختار خمسة نواب له في الرئاسة يكون من بينهم نائب قبطي وإمرأة و نائبان من الشخصيات ذات الكفاءة من بينهم سلفي من خارج حزب الحرية والعدالة (التابع لجماعة الإخوان المسلمين) ونائب من شباب الثورة. وكان مرسي قد أعلن في مؤتمر صحفي عقده عقب، بيان لمسؤولي حملته، أنه سيعمل على تحقيق التوافق الوطني مع كل أطياف الشعب المصري.متوجها بالشكر لكل المصريين قائلا «أتوجه إلى الشعب المصري دون استثناء بالشكر والتقدير والحرص على أن نكون يدا واحدة إلى مستقبل أفضل إلى الحرية والديمقراطية والسلام». وأضاف «من قالوا نعم، ومن قالوا لا، كلهم أهلي وعشيرتي، كلهم لهم مكانة غالية في قلبي،... أقف على مسافة واحدة من الجميع، وسأكون خادما لهذا الشعب». وأعلن مرسي أن المرحلة القادمة ستشهد تغيراً، وأنه يسعى إلى الاستقرار، وحل المشكلات كافة في المجتمع المصري. وأضاف «إلى المصريين في الداخل والخارج، إلى الإخوة الكرام في كل ربوع مصر، إلى مصر المسلمين ومصر المسيحيين، مصر التاريخ والأزهر والكنائس، .. إلى كل من يعيش على هذه الأرض، تحية واجبة، وحق علي أن أكون لهم الأخ والأب والمواطن المصري مثلهم الذي يحمل همومهم». ومضى قائلا «جئنا برسالة سلام إلى كل من يحب السلام في هذا العالم»، وأضاف «لسنا بصدد انتقام أو تصفية حسابات، ونحن جميعا أبناء وطن واحد»، وقال أيضا «كلنا نسعى إلى الاستقرار، وإلى الدولة المدنية المصرية الوطنية الديمقراطية الحديثة». لكن و بعيدا عن تصريحات المرشحين المتنافسين، و في انتظار الإعلان الرسمي للنتائج، يبدو من المشروع التساؤل عن مستقبل مصر في ظل كل واحد من المرشحين. العسكر بين محمد مرسي و أحمد شفيق إذا جاءت النتائج الرسميّة النهائيّة لتؤكد ما أعلنته حملة محمد مرسي مرشح الإخوان المسلمين عن تقدمه؛ فإن هذا يُحْدِثُ نوعًا من التوازن الذي لن يتحقق في حال فوز شفيق، خصوصًا بعد حل مجلس الشعب عشيّة الانتخابات الرئاسيّة، الذي أفقد الإخوان المسلمين وحلفاءهم المؤسسة التشريعيّة التي أعطتهم مركز قوة لا يمكن تجاهله. فإذا فاز أحمد شفيق و هو آخر رئيس وزراء في عهد مبارك و بعد ما حصل خلال الأيام القليلة الماضية من حل لمجلس الشعب والجمعية التأسيسيّة ووضع معظم السلطات في يد المجلس العسكري بعد الإعلان الدستوري المكمل, فإن هذا يعني عودة النظام القديم بحلة جديدة، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى انبعاث الثورة و اشتعال أوارها مع ما يعنيه ذلك من تطورات دامية . أما إذا فاز محمد مرسي مرشح الإخوان المسلمين، فإن هذا يعني أن صراعًا سيدور ما بين الرئيس الذي ينتمي إلى الإخوان المسلمين الذين شاركوا بالثورة، وبين المجلس العسكري صاحب السلطة الفعلية، مما سيجعل الرئيس أقرب إلى المعارضة منه إلى الحكم، الأمر الذي يفتح الباب لفترة من عدم الاستقرار لن تتضح معالمها ونهايتها إلّا بعد إجراء انتخابات مجلس الشعب وإقرار الدستور، وهذا يعني أن مصر ستدخل في مرحلة انتقاليّة جديدة سيتم فيها التنافس الشديد على كل شيء، خصوصًا على صياغة الدستور الجديد وانتخاب مجلس شعب جديد، الذي من دون انتخابه لا يمكن أن يتحقق نظام ديمقراطي يؤمن الفصل بين السلطات واستقلاليتها. النتائج الأولية تؤكد مرة أخرى أن ما جرى في مصر بعد ثورة 25 يناير أمر تاريخي، لا يمكن أن تعود عقارب الساعة بعده إلى الوراء بسهولة، فإذا كانت قطاعات واسعة من الشعب والقوى المصرية قد خافت من استحواذ الإخوان المسلمين على قيادة كل السلطات والمؤسسات، فإنها خافت بعد قرارات المحكمة الدستورية والمجلس العسكري بحل مجلس الشعب والجمعية التأسيسية للدستور وبعدم دستورية قانون العزل من استحواذ المجلس العسكري على كل شيء، وبالتالي صوّتت لصالح مرسي قطاعات كانت قد دعت إلى المقاطعة أو الامتناع عن التصويت. لو افترضنا جدلًا أن حسني مبارك سيعود إلى سدة الرئاسة المصريّة، فإنه لن يستطيع أن يحكمها مثلما كان يفعل في السابق. فبعد الثورة أصبح المواطن المصري الذي خاف من الحاكم عشرات السنين فاعلًا وقادرًا على إخافة الحاكم الذي سيقرر بعد اليوم وسيأخذ في حسابه إرادة الشعب ومطالبه. يكفي أن مصر لأول مرة تدخل في انتخابات رئاسيّة، وهي لا تعرف مسبقًا هويّة الرئيس القادم، وأنه لن يحصل على 99% من الأصوات، وسيبقى لمدة أربع سنوات فقط قابلة للتجديد لمرة ثانية فقط إذا فاز في الانتخابات الرئاسيّة القادمة. بالرغم من كل ما سبق، لا يجب على الإطلاق التقليل من تعقيدات ومخاطر الوضع الذي تعيشه مصر، خصوصًا في ظل وجود رئيس لا ينسجم مع مؤسسات الدولة العميقة، وفي ظل الصراع الحاد بين شرعيّة الثورة والشرعيّة القائمة حاليًّا. لقد سارت مصر بعد الثورة بالمقلوب، فبدلًا من تشكيل مجلس رئاسي يشارك فيه العسكر وشخصيات اعتباريّة تحظى بقبول شعبي لا شك فيه، يقوم بوضع دستور توافقي دون هيمنة أحد عليه تجري على أساسه الانتخابات التشريعيّة والرئاسيّة، كما كانت تطالب بعض قوى الثورة وشخصيات اعتباريّة، مثل محمد حسنين هيكل ومحمد البرادعي؛ اختارت إجراء استفتاء على إعلان دستوري بعد عقد صفقة بين المجلس العسكري والإخوان المسلمين، إعلان لم يعالج احتياجات مصر بعد الثورة، وكان جذر كل ما عانته من أزمات منذ إقراره وحتى الآن. إن فوز مرسي في السباق الرئاسي في ظل الظروف التي تعيشها مصر؛ يضع جماعته وحزبه أمام اختبار مصيري قد يكون للمرة الأخيرة، وذلك بعد سلسلة من الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها جماعة الإخوان المسلمين، وظهرت من خلال سعيها للاستحواذ بكل شيء، خلافًا لادعاءات سابقة (بعدم الحصول على أغلبيّة في مجلسي الشعب والشورى، وعدم السيطرة على الجمعيّة التأسيسيّة، وعدم ترشيح رئيس)، إلى التخلي عن الثورة والميدان ومطالبة الثوار بالانصياع لشرعيّة البرلمان والنظام القديم ومغادرة شرعيّة الثورة، بالرغم من أنها لم تحقق أهدافها. فهناك فرق حاسم بين تغيير رأس النظام وبين تغيير النظام بأكمله. فإذا اختار مرسي أن يكون رئيسًا لمصر وليس لجماعة فيها، فعليه أن يؤمن بالتعدديّة والمشاركة والمساواة بين المواطنين، وضرورة إرساء نظام ديمقراطي، وذلك من خلال تكليف رئيس حكومة قادر على جمع المصريين والدفاع عن مصالحهم وأهدافهم، ولا ينتمي إلى حزب الحريّة والعدالة، وتشكيل حكومة ائتلافيّة تضم مختلف القوى قادرة على وقف التدهور الحاد في الأمن والاقتصاد، وعلى الشروع في طريق قادر على إعادة مصر إلى لعب دورها بوصفها الدولة المحوريّة في المنطقة، التي تقزّم دورها بعد أن أصبحت دولة هامشيّة بما لا يتناسب مع حجمها وثقلها ومكانتها وماضيها القريب والبعيد. في كل الأحوال، لم يسدل الستار على المرحلة الانتقاليّة التي تعيشها مصر، بل بدأت مرحلة انتقاليّة جديدة، سواء إذا تأكد فوز محمد مرسي أو فاز منافسه أحمد شفيق، وهذا يعني أن مصر ستكون منشغلة بنفسها لفترة طويلة، فالديمقراطيّة لا تتحقق لمرة واحدة ولا بفترة قصيرة، بل عبر مراحل متعددة يستعر فيها الصراع بين النظام القديم الذي لم يرحل تمامًا، والنظام الجديد الذي لم يرسخ أقدامه، وقد يكون هناك تقدم إلى الأمام أو تراجع إلى الخلف.