بعض الأطراف تابعت عن كثب النقاش الإيجابي الذي انطلق على خلفية قرار الرفع من أسعار المحروقات، وتحسست بدقة الظرفية السياسية والمالية التي يمر منها المغرب، وحجم الخطر الذي يهدد مصالحها لو تم إقرار قانون منع إشهار الخمور، فأرادت أن تستثمر اللحظة بإكراهاتها لتدعو إلى فتح حوار حول الخمور ودورها في تنمية الدورة الاقتصادية في المغرب لتهيئ الأجواء للضغط على الحكومة للتراجع عن أي قرار من شأنه أن يمس بمصالحها. في هذا السياق، وجهت الفدرالية الوطنية للسياحة والجامعة الوطنية للصناعة الفندقية والجامعة الوطنية لوكالات الأسفار والفدرالية الوطنية للمطاعم وجمعية إنتاج العنب رسالة إلى رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ورؤساء فرق النيابية، ينبهون فيها الحكومة من خطورة الإقدام على إصدار هذا القانون، معللين ذلك بكون مثل هذا القرار سيضر بمصلحة 100 ألف شخص يشتغلون في هذا القطاع، وسيكون سببا في تقليص فرص الشغل المخصص للتسويق والعرض، وأن ضرر ذلك سيمس حتى الأسواق الممتازة الكبرى والمقاهي ووكالات التواصل والإشهار، وسيساهم في زيادة إنتاج الخمور المصنعة بطرق تقليدية وسينعش الخمور المهربة التي لا تساهم في الاقتصاد الوطني ! ومع أن الاعتبار الدستوري حاسم في هذا الموضوع، ومثله الاعتبار القانوني، إلا أن مستوى النقاش مع أطروحة هذا اللوبي لا ينبغي أن تبقى محصورة في هذين البعدين، وإنما ينبغي أن يتسع ليشمل مناقشة كل المستندات الرقمية المتعلقة بالربحية والكلفة على حد سواء. فالنقاش مطلوب على هذا المستوى، والاستجابة إليه ضرورية، لكن ليس على قاعدة المعطيات التي تقدم بها هذا اللوبي الذي يدافع عن مصالحه، ولكن على قاعدة المعطيات الموضوعية التي تستحضر كل الأبعاد، وفي مقدمتها كلفة المشروبات الكحولية الاجتماعية. ومن ذلك علاقتها بارتفاع نسبة الجرائم والتي أصبحت موضوع إقرار أممي، ففي المؤتمر الدولي السابع للأمم المتحدة سنة 1985 حول شؤون الوقاية من الجريمة ومعاملة المجرمين، تم التأكيد على اقتران مشكلة الكحول بكم معتبر من الجرائم التي ترتكب تحت تأثيره كأفعال العنف وحوادث السير إلى جانب ارتباط الكحول كذلك بحوادث الشغب والتخريب والعنف المنزلي، وفي المؤتمر الثامن وجهت دعوة للحكومات لاتباع سياسات واستراتيجيات شاملة لوقاية النشء من إساءة استعمال الكحول، ولا شك أن منع إشهار الكحول يعتبر من صميم هذا الاستراتيجيات. ومن ذلك أيضا حوادث السير التي ينبغي أن نقيس كلفتها، فحسب معطيات أوردتها دراسة ميدانية همت 1259 سائق قامت بها اللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير، فإن الخمر والمخدرات احتلتا المرتبة الثانية في أسباب حوادث الطرق التي وقعت بمدن المغرب خلال 2007. و يضاف إلى الكلفة الإنسانية التي لا تقدر بثمن، الكلفة المالية التي تدفعها شركات التأمين سواء على حوادث الشغل أو حوادث السير، والتي لا يصعب قياسها واستحضار أرقامها، ومن ذلك أيضا أثر المشروبات الكحولية في الهدر المدرسي وجنوح الأحداث وحالات التفكك الأسري والطلاق والعنف المنزلي والانعكاسات الخطيرة على تربية ألأبناء وتماسك الأسرة. ومن ذلك أيضا الكلفة الصحية التي تدفعها الدولة والمجتمع من جراء المشروبات الكحولية، فالمعطيات الطبية تؤكد أن الخمور تعد سببا رئيسا في الإصابة بسرطان الكبد، وسرطان المعدة كما هو الحال بالنسبة إلى الروج، كما أن الدراسات العلمية التي أنجزت في المجال الصحي بالمغرب أكدت أن الإصابة بالسرطان في صفوف المدمنين على والخمور، تصل إلى ما بين 65 % و95 %. بكلمة، إن النقاش الإيجابي والموضوعي حول هذا الموضوع، ينبغي أن لا يزيح من الطريق هذه الكلفة الاجتماعية للكحول بتعدد مستوياتها، و يكتفي فقط بالمعطيات التي تقدمها في العادة اللوبيات التي تدافع عن مصالحها، وإنما المفروض أن تقابل هذه الكلفة بالربحية التي تقدمها هذه المواد الكحولية لمالية الدولة ودروها في الاقتصاد الوطني، وأن يتم وضع المواطن في صلب هذه الحسابات، حتى يعلم أن الاعتبار الدستوري الحاسم للموضوع إنما يستند على أرضية موضوعية صلبة ليس من السهل التطاول عليها.