أعاد ارتفاع الأخير لأسعار المحروقات النقاش حول صندوق المقاصة، والاختلال الكبير الذي يطبع عمل هذا الصندوق. ومازال يثقل كاهل ميزانية الدولة على اعتبار أنه كلف خلال الخمس السنوات الماضية 150 مليار درهم، بمعدل 30 مليار درهم سنويا، وأن جزء من العجز المالي الذي يعرفه المغرب هو نتيجة هذا الصندوق. وكشف حسن بوسلمام مدير الأسعار والمنافسة بالوزارة المكلفة بالشؤون العامة والحكامة، أن 20 في المائة من الفئات المعوزة تستفيد من 1 في المائة فقط من مجموع دعم صندوق المقاصة، في حين أن 20 في المائة من الفئات الغنية تستفيد من 75 في المائة من دعم هذا الصندوق. واعتبر أنه في الوقت الذي عرف الصندوق إيجابيات مثل النهوض ببعض القطاعات ودعم القدرة الشرائية وحصر نسبة النمو في 2 في المائة، فإنه منذ 2002 بدأ يعرف سلبيات وارتفاع غلافه المالي، بالإضافة إلى تبذير في استهلاك المواد المدعمة وتصديرها والخروج من الهدف الذي أسس له واستفادة الجميع منه ومتدخلين في بعض القطاعات. واعتبر أن المقاولات المستفيدة من الدعم تعرف ضعف الإنتاجية والمردودية، ولم تعد تبتكر خطط للتنمية لأنها تحصل على دعم.وقال بأن إصلاح المقاصة ورش وطني بامتياز ويجب أن نفكر في مستقبل المغرب والمصلحة العامة. وما زال المستهلك هو الحلقة الأضعف في نظام الدعم بالمغرب، خصوصا الطبقات الفقيرة، في الوقت الذي تستفيد منه شركات كبيرة تربح الملايير سنويا. وقال محمد بنقدور رئيس الجامعة الوطنية لجمعيات المستهلك، إن مجموعة من الشركات تستفيد من المقاصة، مطالبا بإلغاء الدعم الذي يذهب إلى هذه الشركات فضلا عن إلغاء دعم عباد الشمس، ومراجعة دعم السكر والمواد النفطية الذي تستفيد منه الشركات، وإعادة هيكلة الصندوق على مراحل.مضيفا أن هناك خلل في طريقة دعم الدقيق المدعم . وسبق أن تم تشكيل لجان لضبط الاختلالات، ولكن تم إلغاء هذه اللجان، وقدمت صلاحيات للمطاحن لاختيار الزبناء. وطالب بأن يكون ضبط من يستفيد من الدقيق بالمطاحن. على اعتبار أن هناك اختلالات. حلول المغرب يتجه إلى اعتماد الاستهداف المباشر للفقراء عبر دعم مالي مباشر، وإلغاء صندوق المقاصة بشكل تدريجي. و فيما يتعلق بسيناريوهات الحل، أشارت الدراسة المنجزة من لدة مجلس المنافسة إلى ضرورة إعادة النظر في نظام الدعم العمومي. وفيما يتعلق بالقطاعات المدعمة، أوصت الدراسة فيما يخص قطاع السكر بضرورة تقليص التبعية للواردات من السكر الخام، وضرورة إدخال التنافسية على مستوى صناعة السكر. أما ما يخص الدقيق المدعم، أوصت الدراسة بالحد من إمكانات الريع والتهرب، مع تحسين نظام الشفافية و استهداف الفئات المعوزة والتأكد من احترام الأسعار. و فيما يتعلق بالمواد البترولية، أوصت الدراسة بتحسين تكاليف الاستيراد، ووضع تعريفة مرجعية أكثر تنافسية، ومراجعة أثمنة غاز البوتان. وكشفت الدراسة عن تعقد عدد من المساطير القانونية التي تخص نظام الدعم.وسبق أن أكد رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران أن الزيادة في أسعار البنزين والغازوال والفيول الصناعي، التي أقرتها الحكومة مؤخرا، تندرج في سياق إصلاح صندوق المقاصة بهدف ضبط مخصصاتها قصد توجيهها للفئات الفقيرة، أن الفئات الفقيرة والتي جاء الصندوق لمساعدتها، تستفيد ست مرات أقل من الفئات الميسورة. وقال بنكيران إن الإصلاحات التي قررت الحكومة القيام بها «ضرورية وإن كانت مكلفة»، مضيفا أن الهدف هو تمكين الفئات المستضعفة (أرامل ومطلقات ومعاقون ومسنون وغيرهم) من الدعم المباشر وذلك شريطة توفرهم على حساب بنكي أو بريدي إضافة إلى البطاقة الوطنية، مستشهدا في هذا السياق بتجارب عدد من البلدان مثل أندونيسيا والبرازيل المبدأ الاجتماعي غير المتوازن لدعم المحروقات يعتبر مبدأ التكافل الدعامة الأساسية لقيام أية مجموعة بشرية في إطار تنظيمي مشترك وتكتل سياسي واحد وموحد، تعتبر الدولة أهم تعبيراته في الحضارة البشرية المعاصرة. ويتلخص مبدأ التكافل هذا في اعتماد نظام يضمن توزيع الموارد والثروة من خلال دورة تضامنية بين مختلف مكونات المجتمع، حيث يعطي البعض من فائض مواردهم للبعض الأخر، المفتقر لها. وهكذا يعطي الأغنياء للفقراء، والعمال للعاطلين، أو للذين لم يعد في قدرتهم العمل (المتقاعدون والمعاقون مثلا) أو للذين لا تتوفر فيهم بعد شروط العمل (الأطفال والطلبة مثلا). كما يعطي أرباب العمل للمستخدمين، وتتحمل أجيال اليوم الكثير عن أجيال المستقبل، وهي بدورها ستتحمل أعباء تفاقمها أجيال اليوم، كالديون مثلا. وهكذا دواليك، فدائرة التكافل بالأخذ والعطاء بين أفراء المجتمع الواحد مستمرة دائمة، من خلال مبدأين : الأول هو أن من يملك يعطي لمن لا يملك، والثاني أن كل واحد يعطي على حسب مقدرته ويأخذ على قدر حاجته، في حدود الموارد والقدرات المتوفرة للجماعة. ومن خلال هذا المبدأ التكافلي، يتأسس مفهوم الدولة بصفة عامة ويتجلى دورها. فالدولة تنبني على أساس تكافل كل أفرادها بما يمكنها من الحصول على موارد عملها ووسائل تدبيرها لمصالح وخدمات مواطنيها، التي يجدون كلهم مصلحة في رعايتها والقيام بها، كالطرق والأمن والصحة وغيرها، كما يشتركون بالتساوي في الاستفادة منها. على أنه إذا كان أحد تعبيرات التعاقد والتضامن الجماعي للأفراد يتمثل في بناء الدولة التي يتولونها لرعاية مصالحهم المشتركة، فإن الوجه الأخر لهذا التعاقد والتضامن يتلخص في تكفل الدولة برعاية مواطنيها، فيما بينهم، من خلال إقامة أنظمة ترعاهم بها، خاصة الضعفاء منهم والمحتاجون، سواء بشكل دائم، كالمسنين أو المعاقين، أو بشكل عرضي كالمعطلين والمرضى... والثابت في هذا الإطار، أنه في كلتا الحالتين، يعطي من يتوفر له الحض الزائد من موارد الجماعة لمن لا يتوفر له، ما يؤكد به تكافله وانسجامه مع أفراد مجتمعه، دعما لنظام الدولة ومصالحها المشتركة من جهة، ومساعدة لمواطنيه المحتاجين من جهة أخرى. وفي هذا الإطار، يجب التأكيد على أن كل الأنظمة التكافلية تعمل من خلال تفعيل هذا المبدأ، المتمثل في أن الدولة تأخذ من الميسورين لتعول المحتاجين. وبشكل تكميلي لهذا المبدأ العام، فإنه في بعض الحالات، توجه الدولة دعمها لقطاعات أو خدمات معينة، يكون الولوج إليها على أساس العدل والمساواة، دون تمييز بين مختلف شرائح المجتمع. ويمكن أن نذكر كنموذج في هذا السياق، الدعم الذي تقدمه الدولة الفرنسية لخدمات الصحة، من خلال صندوق التأمين الاجتماعي الذي يستفيد منه كل مواطن فرنسي، غنيا كان أو فقيرا، حيث تتحمل الدولة 70 في المائة من نفقات التطبيب والدواء. على أنه يجب التأكيد هنا أنه إذا كان الولوج إلى هذه الخدمات عاما بالتساوي، فإن كل المواطنين يساهمون في دعم صندوق التأمين الاجتماعي، كل على حسب موارده، من خلال اقتطاع منتظم من أساس الأجر الشهري. وإيجازا لما سبق، فإن أوجه أنظمة التكافل إذن اثنان. الأول، وهو الأصل فيها، أن تأخذ الدولة من الميسور لتعول الفقير والمحروم. أما الثاني، فهو أن تدعم خدمة معينة بشكل لا تميز فيه بين مواطنيها، نظرا لخصوصيتها وأهميتها في المجتمع. ومع بلوغنا هذا المستوى من تصنيف أنظمة التكافل العمومي، يمكن لنا أن نتناول الإجابة عن إشكالية هذا المقال، وهي تمحيص وتقييم نظام دعم المحروقات في المغرب. وإذا حاولنا في إطار الثنائية التي سبق ذكرها في أنظمة التكافل، أن نفهم مبدأ هذا الدعم، فإنه من العسير أن نجد لأنفسنا المنطق الكفيل بإعطائه أي بعد تكافلي متوازن، سواء من وجهة دعم الميسورين للمعوزين، أو من وجهة الدعم الشامل من الدولة لخدمات أو مصالح مجتمعية خاصة. بل الأكيد أن هذا الدعم للمحروقات ينم عن مفهوم غريب ومنطق نقيض، تنقلب معه مفاهيم وأسس التكافل الاجتماعي رأسا على عقب، حيث تنخرط الدولة من خلاله في نظام شاذ، بدعم مخصوص لطبقة من مواطنيها، يمكن التأكيد جزما على أنهم ليسوا من معوزيها، بل بالعكس، غالبيتهم من الأغنياء والميسورين. ذلك أن دعم المحروقات موجه أساسا للأفراد الذين يتوفرون على سيارة. والمعلوم أن من يتوفر على سيارة في بلادنا لا يمكن بأية حال اعتباره من الطبقات المعوزة، أو من تلك التي تعاني ويلات الهشاشة، والتي يبلغ تعدادها 8.5 ملايين من المواطنين المغاربة. وعليه، فدعم المحروقات مبدأ غير عادل، وغير طبيعي بالنظر إلى أهداف الأنظمة التكافلية. إذ كيف لنظام يدعم فيه كل فرد من هو أكثر منه موارد وثروات، ويدفع بدلا عنه جزءا هاما من نفقات استهلاكه للمحروقات اللازمة لضمان حركة سيارته، أو سياراته الخاصة المتعددة. وأي نظام هذا الذي يساعد فيه الفقير الغني، ومن لا يملك السيارة مالكيها، ومن لا يستعمل المحروقات مستعمليها، حتى لو كان ذلك لضخ المياه الجوفية لاستسقاء عشب حدائقهم الخاصة....