أكد عبد اللطيف العطروز، أستاذ المالية العامة بكلية الحقوق بمراكش، أن نظام المقاصة يتسم بانعدام الفعالية والنجاعة ولا يحقق العدالة المطلوبة، بما أن "المستفيدين من الدعم هم الأغنياء والمقاولات، التي تستعمل المواد المدعمة في منتوجاتها ولا يعود للفقراء إلا نسبة ضئيلة من الدعم". وأضاف في حوار مع "المغربية" أن الأغنياء يستفيدون بنسبة 43 في المائة من مبالغ دعم المواد، في حين لا تمثل هذه النسبة إلا 9 في المائة بالنسبة لفقراء. ولإصلاح هذا النظام، اقترح الأستاذ الجامعي الانتقال تدريجيا من "دعم الأسعار"إلى "دعم دخل" الفئات المستهدفة، عبر نظام المساعدات المباشرة، الموجهة، خصيصا، للفئات الفقيرة، بالموازاة مع برامج المصاحبة أو المواكبة الاجتماعية في مجالات الصحة والسكن والتعليم. ما هي الحلول الممكنة للحد من استنزاف موارد الدولة من طرف المقاصة؟ بالفعل، أصبح نظام المقاصة يستنزف الموارد المالية للدولة بشكل مثير، إذ تجاوزت الاعتمادات المخصصة له 40 مليار درهم سنة 2011. وفي سنة 2010 قاربت تكلفة صندوق المقاصة الثلثين من ميزانية الاستثمار العمومي، و5,5 في المائة من الناتج الداخلي الخام. وتفاقم هذا الأمر في السنوات الأخيرة مع الارتفاع المهول لأسعار المواد الأساسية، التي يدعمها الصندوق وهي الدقيق والسكر وغاز البوتان والمحروقات. وكما هو معلوم ، فإن المؤاخدات على صندوق المقاصة لا تقتصر على العبء الكبير الذي يشكله على ميزانية الدولة، بل المشكل الأكبر إثارة يكمن في أن هذا النظام يتسم بانعدام الفعالية والنجاعة ولا يحقق العدالة المطلوبة، بما أن المستفيدين من الدعم، أساسا، هم الأغنياء والمقاولات، التي تستعمل المواد المدعمة في منتوجاتها، ولا يعود للفقراء إلا نسبة ضئيلة من الدعم. وبالتالي، من العبث الاستمرار في العمل بنظام مقاصة يثقل كاهل ميزانية الدولة، ولا يحقق الأهداف المتوخاة من وراء إحداثه بالشكل المطلوب، فنحن بصدد حالة شاذة بالنظر إلى الوضعيات الريعية وسياسة إغناء الأغنياء التي تترتب عن الأسلوب الحالي لاشتغال نظام المقاصة. والأغنياء يستفيدون بنسبة 43 في المائة من مبالغ دعم المواد، في حين لا تمثل هذه النسبة إلا 9 في المائة بالنسبة إلى الفقراء. هناك العديد من الحلول والمقترحات، التي يجري تداولها على المستوى الرسمي وغير الرسمي لمعالجة هذا الأمر، وأعتقد أن المنطلق الأساسي في هذا السياق استحضار الأهداف الدقيقة المتوخاة من نظام المقاصة واعتماد الإجراءات والأساليب الكفيلة بتحقيقها بالشكل المطلوب. ويمكن الاسترشاد، في هذا الصدد، بتجارب بعض الدول التي تعتمد أنظمة دعم للفقراء، مثل المكسيك والبرازيل والشيلي وأندونيسيا، لكن لا يجب إغفال حساسية الموضوع الذي يتداخل فيه ما هو تقني بما هو سياسي واقتصادي و اجتماعي. فالحديث عن إصلاح نظام المقاصة ليس وليد اليوم، بل كان من أهم بنود "برنامج التقويم الهيكلي" في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، لكن المسؤولين آنذاك، لم يستطيعوا تطبيق "حقيقة الأسعار" بالكامل، كما طالب بذلك صندوق النقد الدولي لما في الأمر من مخاطر على النسيج الاجتماعي، رغم الشروع في إحصاء ذوي الدخل المحدود في يناير 1984 بغاية استهدافهم مباشرة بالدعم. إصلاح المقاصة يتطلب التحلي بإرادة سياسية قوية لمعالجة الملف، ووضع حد للوضعيات الريعية والشاذة الناتجة عن النظام الحالي لأسلوب الدعم والتصدي للوبيات المستفيدة منه. ومع توفر الشجاعة السياسية، يمكن مباشرة الإصلاحات المأمولة وفق تصور شمولي ومقاربة تدريجية. بصيغة أخرى، رسم الأهداف والغايات المتوخاة، وتحديد الفئات المستهدفة والمجالات والجهات المعنية بالدعم ومن ثمة الشروع في تنزيل ذلك بصفة تدريجية. ما هي الآليات الكفيلة بضمان نجاعة النظام وتوجيه الدعم للفئات المستهدفة؟ هناك آليات وأساليب كثيرة يمكن إعمالها لهذا الغرض وتجارب الدول غنية بالدروس في هذا المجال، وكذلك باب الاجتهاد والإبداع مفتوح، طالما توفرت الإرادة لمعالجة هذا الأمر. فيمكن مثلا الانتقال تدريجيا من "دعم الأسعار" إلى "دعم دخل" الفئات المستهدفة، عبر نظام للمساعدات المالية المباشرة، والموجهة، خصيصا، للفئات الفقيرة، وذلك بالموازاة مع برامج المصاحبة أو المواكبة الاجتماعية في مجالات الصحة والسكن والتعليم. وهذا يطرح مشكل إحصاء المستهدفين بالدعم المالي المباشر، وكذلك المساعدات في مجالات السكن والتغطية الصحية وتربية الأبناء، ويجب أن يمكن الإحصاء على المستوى المحلي من تصنيف المستهدفين من الدعم إلى عدة فئات حسب درجة الاحتياج، ويمكن أن تلعب هيئات المجتمع المدني دورا مساعدا للمسؤولين في هذا المجال، لكن لا يجب أن يتحول الأمر إلى خلق "مواطنين اتكاليين" يعيشون على المساعدات. وهذا ما قصدته بالتصور الشمولي للمسألة، إذ يجب أن يواكب الدعم المالي المباشر والمساعدات في مجالات الصحة والسكن والتمدرس ببرامج للتشغيل الذاتي والتحفيز على المبادرة، للخروج من وضعية المساعدة. على المستوى الاقتصادي، لابد من إصلاحات كبرى مواكبة، من قبيل تشجيع المنافسة بين الفاعلين الاقتصاديين، والقضاء على الوضعيات الاحتكارية وشبه الاحتكارية، ما من شأنه أن ينعكس إيجابا على الأسعار، إلى جانب تشجيع الاستثمار والمبادرة الحرة، والقضاء على الفساد والرشوة واقتصاد الريع باعتبارها عوامل أساسية لتفشي الفقر والبطالة. هل هناك من طريقة لاسترجاع الأموال التي يستفيد منها الصناعيون والطبقة الميسورة؟ نعم، يمكن استرجاع الأموال التي تستفيد منها بعض المقاولات دون حق، عبر تحويل المواد المدعمة من الاستهلاك أو الاستعمال المنزلي إلى الاستعمال الصناعي، مثل المكتب الوطني للكهرباء، والمكتب الشريف للفوسفاط، وشركات المشروبات الغازية، والشوكولاطة، والحلويات، وغيرها كثير، بإجبار هذه المقاولات على جرد مبالغ المشتريات من المواد المدعمة بصفة منفصلة داخل دفاتر حساباتها، وتقديم تصريح بذلك رفقة تصريحاتها الضريبية. وفي الحالات التي يتعذر فيها ذلك، يمكن اعتماد نسب جزافية من رقم أعمال المقاولات المعنية كأساس لحساب مبالغ الدعم الواجب إعادتها لصندوق خزينة الدولة. كخلاصة، يمكن القول إن موضوع نظام المقاصة متشعب جدا، وفي هذا الحوار تطرقنا إلى بعض الجوانب فقط من الإشكالات التي يطرحها، ويبقى أن إصلاح نظام المقاصة أصبح ضرورة ملحة لا تحتمل التأخير مثل إصلاحات في ميادين أخرى كنظام التقاعد والنظام الضريبي وغيرها كثير.