- ساحة باب الحد بالعاصمة الرباط خير شاهد على تاريخ الكتابة العمومية بالمغرب والخدمات التي قدمها الكاتب العمومي للمغاربة قاطبة وللإدارة العمومية بصفة خاصة تشهد عليها ردهات مختلف الإدارات المحلية والجهوية والمركزي القلق، التوجس، الخوف من المستقبل، وأجواء اجتماعية مشحونة محمّلة بالتوتر، حالات ضحاياها الكتاب العموميون بالمغرب الذين يعيشون هذه الأيام أياما عصيبة، ولا يفصلهم عن تقاعد بدون رصيد إلا بضعة أيام، جراء تطبيق المادة 4 من القانون رقم 08/39 آخر شهر ماي الجاري، صادر بالجريدة الرسمية في شهر نونبر 2011، أقصتهم من تحرير العقود العرفية، وهم من لا تقاعد لديهم، ولا تغطية صحية، ولا ضمان اجتماعي، ولا تأمين، إلا من يراعة يملون عليها مصالح وتعاقدات زبنائهم المختلفة، وبذلك سيفقد فيهم المواطنون المغاربة محبوبا عاش همومهم لعقود مضت، ناقلا همومهم إلى مختلف مراكز القرار، مدونا تعاقداتهم، أمينا على أسرارهم، ومن جانب آخر سيفقد الكاتب العمومي وظيفة بنى أمجادها عبر تاريخ التدوين والتوثيق ، منتشلا نفسه بنفسه من البطالة. آخر شهر ماي.. النهاية..! آخر شهر ماي الجاري يوم مشؤوم لدى الكتاب العموميين، وأصواتهم تنادي عالية: نريد إعادة النظر في المادة الرابعة من القانون 8/39 من مدونة الحقوق العينية، بإلغائها أو تعديلها، ونريد ضم الكتاب العموميين إلى لائحة المقبولين لتحرير العقود العرفية الثابتة التاريخ، كمكتسب أفنى من أجله رجال ونساء هذا القطاع العمر كله، فمنهم من رحل ومنهم من لا يزال يعطي بلا حدود، وفي نفسه مرارة وحسرة وحرقة، هكذا لخصت التصريحات التي التقطتها «التجديد» في صفوف الكتاب العموميين ببعض مدن المملكة القلق الذي يساورهم ويهدد حاضرهم ومستقبلهم، ويجري اليوم في صفوفهم الحديث عن أبعاد تطبيق هذه المادة وعن ظروف تشريعها والجهة التي قررتها، ليخرج الكتاب العموميون بخلاصة مفادها أن التشرد وإغلاق مكاتبهم والتعرض للبطالة هو المصير المنتظر، باحثين عن مخرج، داعين ذوي القرار والسياسيين وكل ذي ضمير حي تدارك ما أسموه بالمعضلة الاجتماعية المتوقعة، أرخت بظلالها هذه الأيام، وتكاد تسقط على رؤوس عشرات الآلاف من الممارسين لمهنة الكتابة العمومية الذين سيحرمون من رافد مهم يغذي دخلهم اليومي المتواضع. بطالة من النوع الخطير ليس هناك إحصاء رسمي دقيق لعدد الممارسين للكتابة العمومية بالمغرب، إلا أن تقديرات هيئتهم الوطنية تشير إلى أنهم بلغوا 60 ألف ممارسا ما بين الرجال والنساء، شملتهم تراخيص صادرة عن السلطات المحلية، وحسب تصريح أدلى به رئيس الهيئة ل « التجديد» أن هذه الفئة قد صنعت حاضرها ومستقبلها استنادا إلى جهود ذاتية، متجاوزة مرحلة البحث عن وظيفة، وبذلك يضيف قائلا لم تعد فئة الكتاب العموميين عبئا على الدولة، ولا هي تطالب بشيء سوى بتنظيمهما وإصدار قانون يحمي الأطراف ذات العلاقة بهذه المهنة التي وصفت بالعريقة عراقة التاريخ بالمغرب، وأضاف متأسفا أن هذا التشريع كرس امتيازات إضافية للجهة التي أسندت إليها هذه المهام، واحتكارا لخدمات كانت ولا تزال بيد الكتاب العموميين الذين يثق فيهم المواطن بدرجة كبيرة، سيما وأنهم يقومون بخدمات سريعة ومختلفة، ومن جانبه قال صالح من مدينة السمارة وهو كاتب عمومي موجز في القانون الخاص أن ملف التشغيل من أهم وأصعب الملفات التي تواجه الحكومة اليوم، ويرى أن المادة 4 من القانون الجديد الخاص بمدونة الحقوق العينية يرمي ب 60 ألف معيل للأسر إلى الشارع، سينضمون إلى صفوف العاطلين، فيما قالت وفا في اتصال هاتفي ل «التجديد» وهي كاتبة عمومية من مدينة سطات في السياق نفسه أن تطبيق هذه المادة من القانون المشار إليه ستنتج عنه بطالة من نوع آخر بعد أن امتصت عاطلين، لما سينتج عن ذلك من قطع للأرزاق وخراب للبيوت وتشريد لعائلات بأكملها، واعتبرت وظيفتها التي تمارسها بتفان منذ عشر سنوات مصدرا أساسيا للنفقة على أبوين منهكان يعيشان في كنفها وأخت مصابة بداء في القلب، مضيفة في حسرة أن التخلي عن هذه الفئة من المحررين كارثة اجتماعية، وطالبت من جانبها الإبقاء على تحرير العقود العرفية المرتبطة بنقل الملكية العينية وملكية العقار لصالح زملائها في العمل، معتبرة إياها خطوة إيجابية لإنقاذ عوائل وأسر ينتظرها الضياع. في هذا السياق قال ميمون من مدينة ورززات أن إصدار القانون المشار إليه ضربة في الصميم للكتاب العموميين وضرب لحق مستحق لهم، مضيفا أن إسناد هذه المهام لمحام مقبول لدى النقض مجانب للصواب في حين أن المحامون في غنى عن هذه المهام الإضافية، آملا أن يعاد الاعتبار لهذه الفئة التي وصفها بالمحرومة شغلت بدورها فئة من العاطلين. النظرة إلى الكاتب العمومي. ساحة باب الحد بالعاصمة الرباط خير شاهد على تاريخ الكتابة العمومية بالمغرب والخدمات التي قدمها الكاتب العمومي للمغاربة قاطبة وللإدارة العمومية بصفة خاصة تشهد عليها ردهات مختلف الإدارات المحلية والجهوية والمركزية، عبر التاريخ، فضلا عن مكاتبهم المفتوحة في وجه العموم بدون توقف ولا عطل ولا إجازات... وللكاتب العمومي بصماته الواضحة، شاركه فيها المواطنون منذ القدم، هكذا قال ميمون، وفي نظره فإن الكاتب العمومي هو قبل كل شيء إنسان يجب أن يعترف الجميع بأنه أكثر المتقنين لفن التواصل، عادة لن يتأتى ذلك إلا بالممارسة الفعلية للاحتكاك اليومي المباشر بكافة أصناف وطبقات المجتمع، ويعد رغم كل الظروف المادية والاجتماعية والنفسية التي يعيشها مخزن أسرار كافة طبقات المجتمع، مضيفا في حديثه عن زملائه في المهنة أنهم المصباح المنير لطريق المواطن المظلمة، كما أنه هو المستشار القانوني للمتقاضين بمختلف المحاكم على اختلاف درجاتها، زد على ذلك فهو رقم مهم في المعادلة المجتمعية، مختتما بالقول أنه لا يمكن الاستغناء عن مهنته لعراقتها حسب قوله ثم لأهميتها في الحياة اليومية للمجتمع المغربي، منبها إلى ضرورة تحمل الدولة لمسؤوليتها في التعامل مع هذه الفئة. ومن جانبه قال رئيس الهيئة الوطنية للكتاب العموميين إن إنجازات الكاتب العمومي مهنيا هي إنجازات دقيقة ومسؤولة وإدارة للعلاقات السريعة يحبذها المواطن الذي أصبح بدوره متضررا من هذا الإصدار حسب قوله، واجتماعيا فإنه مثقل بإكراهات اجتماعية خطيرة بالنظر إلى التزاماته المالية حيال مؤسسة العمران والأبناك ومؤسسات القروض، التي وجد نفسه غارقا في أوحالها، وأضاف بنسعيد أن محيط الكاتب العمومي هو بدوره متضرر بما في ذلك الحركة الاقتصادية على الصعيد الوطني. ومن جانبه يرى عبد الرحمان شفاع أن ملايين المواطنين سيجدون أنفسهم مكرهين على طرق أبواب محامين مقبولين لدى محكمة النقض وصرف أتعاب مهمة لقاء إنشاء عقود كانت لا تكلفهم في السابق سوى مبالغ مالية متواضعة، ولعل المتضرر الأول في نظره هو شريحة كبيرة من الشعب المغربي التي يناسبها كثيرا بحكم إمكانياتها المتواضعة حسب قوله قصر تعاملها على الكاتب العمومي بدل تجشم أتعاب باهظة ستكون مجبرة على بدلها أمام (محام مقبول للترافع أمام محكمة النقض). ولا يخفي عبد الرحمان في تصريحه ل «التجديد» : أن واقع الممارسة في مجال الكتابة العمومية تعاني من تواجد بعض الأشخاص الذين لا يحسنون تحرير عقود تتطلب دربة ومهارة وإلماما، والذين غالبا ما يتسببون في مشاكل لا حصر لها للمتعاملين معهم، مضيفا ان هذه الحالة التي شخصها هي التي سهلت طرح المادة المشار إليها آنفا، لاسيما في حضور لافت ووازن لهيئات المحامين وغيرها من الهيئات التي لها لوبي قوي تمارس من خلاله ضغوطا سياسية لسن قوانين تستزيد من خلالها مساحة الانتشار والعمل، حسب قوله، وهو ما يفسر السرعة القصوى التي ميزت انبثاق وتنزيل تلك المدونة، والتي لم يستغرق إعدادها والتصويت عليها وانتقالها إلى حيز التنفيذ سوى مدة قصيرة مقارنة مع ما يجب الاعتماد عليه من مقاربة تشاركية وفق ما تشير إليه وثيقة الدستور الرامي إلى تشجيع تشغيل المواطنين المغاربة وليس الإجهاز على أرزاقهم. ظروف تشريع المادة 4 من قانون 08/39 تقول المادة 4 من قانون 08/39 « الصادر بالجريدة الرسمية عدد 5998 بتاريخ 24/11/2011 يجب أن تحرر تحت طائلة البطلان جميع التصرفات المتعلقة بنقل الملكية أو بإنشاء الحقوق العينية الأخرى أو نقلها أو تعديلها أو إسقاطها بموجب محرر رسمي، أو بمحرر ثابت التاريخ يتم تحريره من طرف محام مقبول للترافع أمام محكمة النقض ما لم ينص قانون خاص على خلاف ذلك. يجب أن يتم توقيع العقد المحرر من طرف المحامي والتأشير على جميع صفحاته من الأطراف ومن الجهة التي حررته. تصحح إمضاءات الأطراف من لدن السلطات المحلية المختصة ويتم التعريف بالإمضاء المحامي المحرر للعقد من لدن رئيس كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية التي يمارس بدائرتها» وتعليقا على ظروف تشريع هذا القانون أجمعت مصادر يومية «التجديد» على أن هذا القانون شرع بسرعة فائقة بدون إشراك المهنيين، فضلا عن صدوره بالجريدة الرسمية يوما قبل الاستحقاقات التشريعية الماضية، بعد المصادقة عليه من قبل ثلاث برلمانيين من بين مجموع ممثلي الأمة رفقة وزير العدل السابق، وفي هذا السياق قال ميمون إن واضعي هذا القانون يقصدون بالواضح قطع أرزاق ما يقارب ستين ألف شخص على أقل تقدير يعيشون من مداخيل هذه المهنة التي وصفها بالشريفة، معتبرا من جانبه أن المادة الرابعة من هذا القانون قد جاءت للإجهاز على الكاتب العمومي كشخص، بالإضافة إلى الإجهاز على المهنة التي تتواجد بمختلف دول العالم منذ مئات السنين حسب قوله، علاوة على صيغتها التي جاءت بقصد الإقصاء العلني لفئة قد يؤرق وجودها من يريدون إرجاع المغرب خطوات إلى الماضي. نداء يرفع الكتاب العموميون الذين خاضوا إضرابا وطنيا ناجحا بنسبة 95 في المائة حسب تصريح رئيس الهيئة ل « التجديد « يومي 14/15 من الشهر الجاري، أصواتهم عالية منادين كافة المهتمين والسياسيين والمثقفين والمواطنين إلى التضامن معهم في هذه المحنة التي لم تكن منتظرة، وفي هذا السياق قال بوسيل رئيس المكتب الإقليمي للكتاب العموميين بالصويرة: نرجو الالتفات إلى هذه الفئة من أبناء الشعب، وما يرتبط بها بصفة مباشرة وغير مباشرة، مضيفا بقوله: أتقدم لعاهل البلاد مولانا الملك محمد السادس أيده الله ونصره، طالبا أن يشمل هذه الفئة من رعاياه الأوفياء بعفو ووقف تنفيذ للمادة 4 من القانون رقم 08/39 « في حقهم. ومن جانبه قال بنسعيد رئيس الهيئة نطالب بإصدار قانون للكتاب العموميين على غرار القوانين المهنية الأخرى المعمول بها، وإلغاء الماد ة المشار إليها من القانون السالف ذكره، فإن الكاتب العمومي لقي غبنا من قبل المشرع حسب قوله، سواء عن حسن نية أو عن سوء نية. وأن المشرع المغربي حسب عبد الرحمان عضو الهيئة الوطنية للكتاب العموميين، مدعو اليوم إلى الحد من الآثار السلبية التي ستترتب عن طرح تلك المادة، وليس هناك سبيلا للحد منها غير إلغائها والإتيان ببديل أو بدائل لا تكتسي صفة الإقصاء أو التهميش في حق شريحة مهمة من الشعب المغربي.