هم جنود مغاربة حملوا السلاح دفاعا عن حوزة الوطن، شارك أغلبهم في حرب الصحراء التي دارت بين الجيش المغربي و جبهة «البوليساريو»، بعد انسحاب آخر جندي إسباني من الصحراء في 12 يناير 1976 إلى غاية سبتمبر 1991، تاريخ الاتفاق على وقف إطلاق النار بين طرفي النزاع. تشير أغلب التقارير على أن عددهم يصل إلى 2400 أسيرا تمكنوا من الهرب أو العودة للمغرب عن طريق الصليب الأحمر، لكن الكثير يعتبر أن هذا العدد لا يتضمن من قتل تحت التعذيب ووافاه الأجل في الأسر، وهم من يسمون بالمفقودين. فمنذ سنة 1983 بدأت رحلة العودة إلى أرض الوطن أفواجا أفواجا، ليتم إطلاق سراح آخر فوج سنة 2005، منهم جنود وضباط وضباط صف، بضعة مآت قضوا نحبهم، لتستمر معاناة أسرهم، والآخرون اختاروا الاعتصام في شوارع الرباط، «بعد سنوات من الإنتظار» كما يقولون. قدموا من كل المدن المغربية، منهم المعطوبين ومنهم أصحاب الأمراض المزمنة، لكنهم «اختاروا العيش في كرامة على الرضا بالمذلة»، يقول أحدهم والدموع انغمرت من عينيه، قدم رفقة زملائه الأسرى السابقين ليعتصموا ويحتجوا أملا في أن تجد مطالبهم صدى لدى المسؤولين المغاربة. يصل عددهم حوالي 1400 شخص، يتناوبون على المبيت قبالة محطة القطار المدينة، حيث يحرصون على تأمين وجود حوالي 500 معتصم كل ليلة، بينما البقية تأخذ رخصة من أربعة أيام إلى 12 يوما لزيارة الأسرة حسب القرب والبعد عن العاصمة الرباط. هو الاعتصام الثاني من نوعه في ظرف سنة، تجاوز بداية هذا الأسبوع الشهرين، بينما بلغت عدد أيام الاعتصام الأول الذي نفذ أمام البرلمان أيضا 67 يوما، ليتم توقيفه يوم 29 يوليوز 2011، بعد توقيع اتفاق حول التزام المسؤولين بعدد من الإجراءات، يقول المعتصمون أنها ظلت حبرا على ورق. سكن عشوائي هو أشبه بسكن عشوائي أقيم بزنقة الطائف، قبالة محطة القطار المدينةبالرباط، مآت الأشخاص يفترشون علبا كارتونية، وقليل منهم من يمتلك لحافا ووسادة، اختاروا نمطا جديدا في العيش، شكلوا مجتمعا صغيرا لهم، يثيرون انتباه المارة ووسائل الإعلام الدولية، رائحة طهي وجبة الغذاء أو العشاء تملأ الفضاء، فالمعتصمون شكلوا مجموعات تتناوب في ما بينها على طهي وجبات الغداء، كما يقتنون الخضر بالجملة ثم يقتسمونها بينهم كل مجموعة حسب مساهمتها المالية، لكل واحد منهم قصة وحكاية، تختلف من فرد لآخر، وتوحدها المعاناة والمأساة. اقتربنا من شخص في الستين ربيعا، كان يعد وجبة العشاء، يقول الأسير السابق لدى البوليساريو، « كنا نعمل 16 ساعة في الأعمال الشاقة، و نعيش مع العقارب والآن قدرنا أن نفترش الكارتون في شوارع الرباط، قررنا إما الممات أو الحياة الكريمة والكرامة الإنسانية». يتوزع الأسرى إلى ثلاثة رتب منهم الجندي والذي كان يتقاضى 262 درهما سنة 1978، وارتفع هذا الأجر إلى 1200 درهم سنة 2003، ومنهم ضابط صف والذي كان يتقاضى 630 درهما سنة 1982 وارتفعت إلى 3000 درهم سنة 2004. ادريس جندي أسير سابق لدى البوليساريو، اعتقل وهو شاب في مقتبل العمر، قضى ربع قرن في الأسر، يقول ل»التجديد»، «اليوم أجرة تقاعدي 1400 درهم، كما خصص لي معاش الزمالة قدره 3750 درهم»، يسترسل وبالكاد يستطيع الحديث وبدت عليه علامات الإرهاق والمرض، «أجرتي الآن لا تكفي للاستشفاء فقط، فبالأحرى ضمان عيش كريم لأسرتي، حتى العمل لا نقوى عليه لسد الخصاص، فقد أنهكتنا حرب الصحراء، وعذبنا عند البوليساريو، أنا الآن أناضل من أجل أبنائي، لأنني أعلم أنه بعد وفاتي لن يتركوا أكثر من ألف درهم لأسرتي». مطالب المعتصمين تتلخص أهم مطالب المعتصمين الأسرى السابقين لدى البوليساريو في «التعويض عن سنوات الأسر»، و»الحق في الترقية إسوة بالجنود في الصفوف»، و»إعادة الاقتطاعات المطبقة على الرواتب مدة الأسر»، و»الإدماج الاجتماعي من سكن ومأذونيات..». يقول أحد المعتصمين، «بعد سبع سنوات من إطلاق سراح آخر أسير، تيقنا أننا فعلا عدنا لأرض الوطن -بخفي حنين-، وتأكدنا أن المسؤولين لم يلتزموا بوعودهم من أجل تحسين وضعيتنا الاجتماعية ورد الاعتبار لنا، فقررنا الاحتجاج في الشارع والاعتصام المفتوح بالرغم من يقيننا أن اعتصامنا واحتجاجنا سيؤثر على صورة المغرب في الخارج»، يضيف قائلا، «مطالبنا واضحة نريد رد الاعتبار ونطالب بجبر الضرر والتعويض المادي والمعنوي على مدة الأسر بعد وقبل توقيف النار الذي تم سنة 1991». ويرى سمير وهو معتقل سابق أيضا، أن الأسرى ضحية سوء تدبير مرحلة معينة، ويقول، «هناك أولا ملف الترقية، جمدت بالنسبة لجميع الأسرى وبمختلف رتبهم منذ وقوعهم في الأسر، وبعد الإفراج عنهم أحيلوا على التقاعد بنفس الرتب، وهو ما يتنافى كليا مع القانون»، ويثير سمير الانتباه إلى أن ما حدث يعني أن «المدة التي قضاها الجندي في الأسر تحسب خدمة عسكرية !»، ومن القضايا التي يثيرها المتحدث أيضا، ما يرتبط بمعاش التقاعد، إذ يشير إلى أنه يتم احتسابه اعتمادا على الرتبة العسكرية التي أسر بها الجندي وجمدت منذ ذلك الحين، ويتساءل، «ما مصير حالات الأسرى الذين أحيلوا على التقاعد إثر بلوغهم السن القانونية وهو في الأسر، وقضوا بعد ذلك عشرة سنوات بين يدي العدو؟». أما المحجوبي وهو أسير سابق، قال الآن «نحن لا نطالب بامتيازات ولا مأذونيات، نحن نطالب فقط بالمساواة بين الأسرى بخصوص المأذونيات والسكن، هناك اختلالات كبيرة ومحسوبية وزبونية، هناك حالات استفادت من امتيازات خاصة منذ 1982 وهذا ما نرفضه، انتهى عهد التدبير الفوضوي لملفنا الاجتماعي، نريد الوضوح والشفافية والمسؤولية». ومن المشاكل التي أثارها المعتصمون في حديثهم مع «التجديد»، ما يتعلق بصرف أجرة الأسرى فترة تواجدهم في الأسر لزوجاتهم أو لآبائهم، يقول ضباط الصف من داخل المعتصم، «هناك فوضى كبيرة حدثت بخصوص هذا الموضوع، سجلنا حالات مثيرة للجدل ، حيث تقتسم الزوجة أجرة زوجها مع والديه، وهناك حالات تسلم للزوجة أو للوالدين فقط، ليست هناك معايير محددة، وهناك حالة زوجة كانت تتسلم أجرة زوجها بالرغم من أنها تزوجت بعد أسر زوجها ولها خمسة أبناء، بينما مصير الوالدين ظل مجهولا في غياب فلذة كبدهم، هذا الوضع خلف مآسي كثيرة لدى أسر الأسرى، نريد رد الاعتبار». مسار الحوار سمير ممثل المعتصمين لدى المسؤولين رفقة زملاء آخرين له، يحكي عن مسار الحوار ويقول، «بعد تنفيذ الاعتصام الأول الذي أوقفناه يوم 29 يوليوز 2011، عقدت عدة لقاءات مع المسؤولين ممثلي وزارة الداخلية ووزارة الإسكان والمجلس الوطني لحقوق الإنسان ومؤسسة الحسن الثاني للأعمال الاجتماعية لقدماء العسكريين وقدماء المحاربين، وبعد ثلاث لقاءات متتالية تم توقيع محضر اتفاق، على إثره أعلنا توقيف الاعتصام»، يضيف سمير، «لكن للأسف اكتشفنا اليوم أنها وعود كاذبة»، وهو ما دفعنا إلى الاعتصام مجددا. الاتفاق يقضي بأداء ثلث ثمن السكن الاقتصادي أو الاجتماعي أو قطعة أرضية التي ستوفرها وزارة الإسكان بعد دراسة الملفات، وكذا تمكين الأسرى من المأذونيات بالنسبة للذين لم يسبق لهم الاستفادة منها، بينما تعهدت مؤسسة الحسن الثاني للأعمال الاجتماعية لقدماء العسكريين وقدماء المحاربين بمعالجة المطالب الاجتماعية للأسرى السابقين، «وهو ما لم يتحقق لحد الساعة»، يضيف ممثل عن الأسرى وقع محضر الاتفاق، «كما لم ينعقد لقاء لجنة المتابعة كما ينص على ذلك محضر الاجتماع بعد ثلاثة أشهر». ضحايا ال67 يوم ضحايا الاعتصام الأول، كما يحلوا لزملائهم أن يسموهم، «بوجمعة ومجيد»، الأول كان مصابا بمرض السكر، بدأ اعتصام السنة الماضية رفقة زملائه، وبعدما ساءت حالته الصحية بسبب ظروف الاعتصام القاسية، وحاجتة لعناية مركزة بفعل ما يعانيه من مرض، أرغم «بوجمعة» من طرف زملائه على مغادرة المعتصم والعودة إلى منزله بمراكش، أملا في أن تستقر حالته الصحية ولكي يجد من يكمد جراحه من زوجة وأبناء، وشاءت الأقدار أن يدخل بوجمعة المستعجلات بعدما ساءت حالته الصحية فور عودته لمراكش، أن تجرى عملية جراحية للأسير السابق، فقطعت رجله. أما الضحية الثانية، يسمى «مجيد» وينحدر من مدينة الناظور، أجرى عملية جراحية على القلب، وقدم مباشرة بعدها للمعتصم بالرباط، وطلب منه المغادرة بعدما رق قلب زملائه لحالته الصحية، فامتثل للقرار وعلم المعتصمون أنه توفي بعد أسابيع. انتهت الحرب و لم تنته المعاناة، يقول الجندي السابق «الجيلالي»، «ومع الأسف قضينا 25 سنة من الأسر، واليوم نحن نعتصم لليوم 52 وتحل بنا ذكرى 14 ماي، الذكرى 56 لتأسيس القوات المسلحة الملكية، ولا أحد من مسؤولينا تذكرنا في هذا اليوم»، يضيف المتحدث ذاته، «يوميا تقع إغماءات في صفوف الأسرى، لا نريد المزيد من الضحايا، أملنا أن تجد مطالبان آذانا صاغية، قبل أن تقع الكارثة ويسقط المزيد من الضحايا. على طاولة الحكومة مصطفى الخلفي، وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، قال في تصريح لقناة تلفزيونية قبل أيام، «هذا الملف اجتماعي وإنساني ضاغط، الحكومة تعمل على مدارسته لأن هذه الفئة ضحت من أجل وحدة التراب الوطني وقدمت الغالي والنفيس من أجل ذلك، تحتاج إلى مضاعفة جهود الإنصاف التي وجهت إليها، وجبر ضررها وإيلائها المكانة التي تستحق في المجتمع». أما عبد اللطيف لوديي الوزير المكلف بإدارة الدفاع الوطني، وفي أول حديث علني له عن ملف الأسرى المغاربة لدى البوليساريو، قال «نحن لا نوزع الكريمات في الجيش، وأسرى سجون تندوف يحصلون على أجرة تفوق 5000 درهم شهريا»، واستبعد لوديي أثناء انعقاد لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب خلال الجلسة الثانية المخصصة لمناقشة مشروع قانون الضمانات الأساسية الممنوحة للعسكريين، «الاستجابة لأي مطلب لأسرى الجيش خارج الحقوق الممنوحة للأسرى»، وأوضح أن الإدارة المكلفة بالجيش «لا توزع الكريمات ولا تفوت مساكن العمران». بينما يقول المعتصمون أن مطلبهم لا ينحصر في المأذونيات والسكن، التي منحت للبعض في فترة سابقة، والتي وقع بخصوصها محضر رسمي تضمن ممثلا عن مؤسسة الحسن الثاني للأعمال الاجتماعية لقدماء العسكريين وقدماء المحاربين المسؤولين، وبحضور ممثلي وزارة الداخلية ووزارة الإسكان ورئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، يوم 29 يوليوز الماضي، «وتم التنصل من التزاماتهم»، يضيف متحدث باسم الأسرى السابقين، «هذا شق اجتماعي فقط ومطالبنا أكبر من هذا». يعقد المعتصمون آمالا كبيرة على حكومة عبد الإله بنكيران، ويتذكرون الدعم والسند الذي لقيه ملفهم الاجتماعي من طرف نواب العدالة والتنمية خلال اعتصامهم السنة الماضية أمام البرلمان، حين كانت «العدالة والتنمية» تمثل المعارضة البرلمانية. أحد المعتصمين يحفظ عن ظهر قلب ما تضمنه البرنامج الانتخابي للحزب المغربي الحاكم الآن، ويقول في حديثه مع «التجديد»، «بنكيران تحدث بوضوح عن ملفنا الاجتماعي في برنامجه الانتخابي، لقد قال بالحرف، -مضاعفة العناية المادية والمعنوية والصحية للأسرى المغاربة العائدين من تندوف، ولعائلاتهم..-، اليوم ثقتنا كبيرة في هذه الحكومة لتصحيح وضعنا الاجتماعي ورد الاعتبار لنا ولأسرنا».