تسع سنوات مرت على تفجيرات 16 ماي 2003، ما عاشت على إيقاعه الدارالبيضاء تلك الليلة كان مختلفا واستثنائيا، 4 اعتداءات استهدفت خمس أماكن (فندق فرح، قنصلية بلجيكا، مدخل مقبرة يهودية، نادي للطائفة اليهودية، مطعم دار إسبانيا)، مخلفة 45 قتيلا وعشرات الجرحى ومئات المعتقلين لايزال العديد منهم وراء أسوار السجون، تسع سنوات مرت، ما تزال بعض آثارها تفرض تحدياتها السياسية والاجتماعية والثقافية والأمنية. وبلغ عدد المقدمين على خلفية الأحداث الأليمة منذ 2003 وإلى غاية 25 أكتوبر 2011 حوالي 2300 متهما، تمت متابعة 2195 منهم، أدين منهم 1708 فيما لازالت ملفات 164 منهم رائجة سواء أمام قضاء التحقيق أو غرفتي الجنايات الابتدائية أو الاستئنافية، وذلك حسب إحصائيات تقريرية رسمية لمديرية الشؤون الجنائية والعفو بوزارة العدل لسنة 2011 حصلت عليها «التجديد». وفي أول بادرة ل»مصطفى الرميد»، وزير العدل و الحريات، رئيس منتدى الكرامة السابق، ومحامي مجموعة من المعتقلين على خلفية ملف «السلفية الجهادية» لحلحلة هذا الملف، تقدم «الرميد» بطلب الإفراج عن المشايخ الثلاث (حسن الكتاني، ومحمد عبد الوهاب رفيقي، وعمر الحدوشي)، حيث تنفس هؤلاء الحرية بعفو ملكي بمناسبة عيد المولد النبوي يوم السبت 4 فبراير 2012. ومباشرة بعد الإفراج عنهم، راسل المشايخ الثلاثة رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران من أجل تذكيره بباقي المعتقلين المتابعين في ما يعرف بملف «السلفية الجهادية»، كما التمسوا منه التدخل من أجل تحسين الأوضاع التي تعرفها السجون. بعد تسع سنوات، وما يعرفه المغرب من حراك شعبي صار لزاما أن تمتلك الجهات المعنية بهذا الملف الوضوح المستقبلي لهذا الملف، وتسويته بما يليق بالمرحلة. ********** ضحايا التفجيرات في انتظار التعويضات ما تزال المعاناة هي العنوان العريض ليوميات ضحايا الحادث من ذوي العاهات المستديمة، وعائلات المتوفين منهم، ولا تزال تبعات تلك المأساة ترخي بظلالها على معيشهم اليومي، لازال بعضهم يرقد مشلولا على سرير المرض، فيما يحاول آخرون التعايش مع عاهتهم المستديمة..على أمل الإسراع في تعويضهم. أكد «مصباح» أحد الضحايا الذين فقأت شظايا المتفجرات عينه، أنه بالرغم من مرور تسع سنوات، لازال ملف تعويض ضحايا تلك الفاجعة في انتظار، مستمرين في الجلوس في طابور الانتظار، مشددا في تصريح ل»التجديد» أن بعض المؤشرات كانت تدفع في اتجاه تعويضهم أخيرا، حيث تم الإعلان عن خبرة طبية سيتم التعويض على خلفيتها، لكن تلك النداءات ظلت بدون تفعيل. معاناة اختارت سعاد الخمال رئيسة جمعية «ضحايا 16 ماي»، أن تودع بعضا منها في تجربة شخصية، وهي تبث صور المأساة التي عاشتها، قبل وبعد الفاجعة التي راح ضحيتها زوجها المحامي وابنها، بين دفتي كتاب كان عنوانه «قبل الأوان». وربما تكون هي صورة المعاناة التي تحاصر جل الضحايا الذين نجوا من الحادث، بين مستشفيات وعلاجات بشتى أنواعها، في ظل الظروف المادية الصعبة والتكاليف المالية الباهظة للعلاج، إضافة إلى ما أسموه ب «تجاهل» المسؤولين لهم، كونهم لم يحصلوا على أي تعويض حتى اللحظة من أي جهة، الصفحة الأكثر سوادا والأعمق ألما مما تختزنه ذاكرتهم عن الفاجعة التي انتزعت الراحة النفسية للعديد منهم. ******** آمال وخيبات المعتقلين عرف ملف «السلفية الجهادية»جدلا سياسيا وحقوقيا كبيرا حول مدى توفر ضمانات المحاكمة العادلة والنزيهة، قابلته دعوات لفتح أبواب الحوار مع هؤلاء المعتقلين وإيجاد آليات بديلة وناجعة لمعالجته، وفي هذا الإطار، يرى محمد ضريف، الباحث في الحركات الإسلامية، أن الكل يعلم الظروف والملابسات التي أفضت إلى اعتقال المئات ممن وصفوا بأنهم سلفيون يقفون وراء تلك الأحداث الدامية، وهو ما خلف ردود فعل من قبل القوى السياسية والحقوقية بالمغرب في اتجاه التعاطي مع الملف. وأوضح «ضريف» في تحليله للأحداث على أن هذا الملف عرف بعض التحفظات فيما يتعلق بطريقة الاعتقال، وأخرى عن المحاكمات، وأصوات حقوقية وسياسية تطالب بتدبير الملف بشكل مغاير، وكانت النتيجة ظهور مقاربتين، الأولى رسمية تسير في اتجاه اتخاذ العفو الملكي كآلية وحيدة لحل الملف، والثانية تنادي بضرورة اعتماد مقاربة تصالحية. واستدرك «الظريف» قائلا، إن الحراك الشعبي الذي عرفه المغرب منذ 2011 شكل انفراجا كبيرا في العلاقة مع السلفيين المعتقلين بدءا بمبادرة 14 أبريل 2011، حيث استفاد مجموعة منهم بعفو ملكي بمبادرة من المجلس الوطني لحقوق الإنسان (عبد الكريم الشاذلي و محمد الفيزازي)، وهو ما اعتبر مؤشرا إيجابيا في تعاطي الجهات المعنية مع هذا الملف-يؤكد المتحدث- أن تصدر حزب العدالة و التنمية الانتخابات وقيادتهم للحكومة ترك أيضا آمالا كبيرة أسفرت عن توجه عائلات بعض المعتقلين إلى وزير العدل و الحريات من أجل الذهاب بعيدا لطي الملف بشكل نهائي، وكانت المبادرة الثانية واضحة باستفادة ثلاثة شيوخ من العفو الملكي بمناسبة عيد المولد النبوي من هذه السنة. العفو الملكي فتح الإفراج عن المشايخ (أبو حفص، الكتاني، الحدوشي)، وقبلهم محمد الفيزازي الذي طالب منذ خروجه من السجن بعفو ملكي أيضا بإطلاق سراح المعتقلين على خلفية هذا الملف، آمالا لمن تبقى خلف الأسوار، وآمال عائلاتهم، لكن مضت شهور على العفو الأخير دون أن تبادر الدولة بأي رد فعل، وفي هذا الإطار، يؤكد «محمد ضريف»على أن هذا الملف محكوم بالعديد من الاعتبارات منها ما هو سياسي، ومنها ما هو أمني وبالتالي لا يمكن الإعتقاد -حسب ضريف»-أنه من السهل تدبيره، ووزير العدل و الحريات كان واضحا منذ البداية عندما دعا السلفيين إلى طلب العفو الملكي، وهو ما يفيد بأن الحكومة في آخر المطاف لا تمتلك القرار النهائي على اعتبار أن طي الملف من بين القرارات الاستراتيجية التي يرجع فيها الاختصاص إلى المؤسسة الملكية-يوضح ضريف. ملف المصالحة منذ سنوات مضت، كانت بعض الأصوات تنادي بضرورة المصالحة وفتح حوار داخل السجون مع المعتقلين على خلفية هذا الملف الشائك، فيما ارتأت أصوات أخرى ضرورة اعتماد مقاربة شمولية تحترم المعايير الكونية لحقوق الإنسان، وتبحث في عمق ظهور ما يسمى ب»الإرهاب» بالمغرب..وكان الحسم حينذاك بإعلان وزير الداخلية السابق شكيب بنموسى بآلية العفو الملكي كوسيلة وحيدة لحل الملف، نفس المنحى أكد عليه وزير العدل و الحريات، مصطفى الرميد حين قال إن «العفو الملكي هو السبيل الوحيد أمام المعنيين بعد صدور حكم قضائي في حقهم». هذا الطرح، أيده الباحث محمد ضريف مشددا على أنه المخرج الوحيد لطي ما تبقى من هذه الملفات السلفية، مشيرا إلى أن العفو الملكي يكون أحيانا محددا بحسابات سياسية مع التذكير بأن هناك إجماع داخل الهيئات الحقوقية، وبين السلفيين أنفسهم حول هذه الآلية، مضيفا أن هناك مجموعة «سلفية» متورطة بالفعل في عمليات إرهابية واقترفت جرائم يعاقب عليها القانون، وهذه الفئة لا أحد يحتضنها، لكن هناك مجموعات حوكمت، ولم تتوفر لها ظروف المحاكمة العادلة، وهناك شيوخ اعتقلوا بسبب آرائهم، ولا يعقل في بلد يريد أن يكون ديمقراطيا أن يعتقل الناس بسبب أفكارهم. وعن فكرة خلق خلية للحوار داخل السجون بمباشرة المشايخ، أكد محمد ضريف أن الشيوخ أنفسهم على علم بأن المعتقلين داخل السجون لا يشكلون جسما واحدا منسجما، وأن الوضع يختلف في المغرب عن غيره في دول أخرى(مثلا التجربة المصرية أو السعودية أو الليبية)، هؤلاء كانوا يشكلون تيارا واحدا، وبالتالي الحوار كان مع شيوخ قيادات ذلك التنظيم، أما المغرب فهو يشكل الاستثناء فالمعتقلون مجموعة من الأشخاص لاينتمون إلى أي تنظيم، اعتقلوا بسبب أفكارهم وتوجهاتهم، ولا يوجد تنظيم يمثلهم، ويمكن لقادته أن يتوصلوا إلى حلول تلزم البقية. وفي جميع الأحول -يشير «ضريف»- إلى أن هناك ظروف حالية يعيش المغرب خلالها نوعا من الانفراج، هناك دستور جديد يقر نوعا من الحريات والحقوق، ومؤسسات وطنية مختصة بحماية حقوق الإنسان، صارت مكرسة دستوريا، بالإضافة إلى ما يمكن أن تقوم به وزارة العدل والحريات من التماس العفو للمعتقلين، كما يمكن للمجلس الوطني لحقوق الإنسان أن يلعب هذا الدور لأنه جزء من المهام الموكولة إليه. ** ثالث خلية في 5 أشهر من هذه السنة في أقل من خمسة أشهر، فككت عناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، بتنسيق مع عناصر مديرية مراقبة التراب الوطني ثلاث مجموعات تقول الرواية الرسمية إنها «إرهابية»، أخطرها ما سميت ب»حركة المجاهدين في المغرب» على اعتبار أنه يوجد من بين عناصر الخلية، متهم سبق أن أدين بسنتين سجنا نافذا، بعد تورطه في أحداث 16 ماي الإرهابية، كما أن زعيمها المفترض كان بحسب الرواية الرسمية موضوع مذكرات بحث وطنية ودولية سنوات 2003 و2010 لتورطه في قضايا متعلقة بالإرهاب والمس الخطير بالأمن الداخلي للمملكة، وكان على صلة بمنظمات وجهات إرهابية دولية، وتمكن من إدخال كمية من الأسلحة إلى تراب المملكة بتواطؤ مع أفراد موالين لهذا التنظيم، قصد استعمالها في تنفيذ مشاريعهم الإرهابية-حسب البلاغ الرسمي-. *** أبو حفص:لا بد من حل ومقاربة موضوعية لهذا الملف هذا ملف شائك، ويجب إعطاؤه ما يستحق من الأولوية والإهتمام، لأنه متعلق بحريات الناس وحقهم في التواجد بين أهاليهم وأبنائهم، ولأن السياق التاريخي لا يتحمل بقاء الظلم واستمراره، ولهذا لا بد من حل عاجل ومقاربة موضوعية وعادلة، وأرى أن معالجة هذا الملف يجب أن تتجه عدة اتجاهات: أولها: الإفراج الفوري عن كل من ثبتت مظلوميته، وتكوين لجنة تعنى بدراسة الملفات ومراجعة الأحكام السابقة، على أن يكون ذلك في أقرب الآجال. ثانيا: تمتيع المعتقلين على ذمة هذا الملف بكافة حقوقهم السجنية، تجنبا لكل التوترات التي قد تؤثر على مسار الملف، و كنوع من الطمأنة على قرب التعجيل بحل جذري للملف. ثالثا: معالجة الملف على المستوى التشريعي، بإلغاء قانون مكافحة الإرهاب، لما يتضمنه هذا القانون من مواد تساعد على انتهاك حقوق المعتقل، ولا توفر له محاكمة عادلة، فلابد مثلا من متابعة الدفاع لموكله والحضور معه من أول لحظات الإعتقال وعند البحث التمهيدي. هذه بالنسبة لي معالم الحل بإجمال، وأؤكد على ضرورة الإسراع بذلك، لأن الأمر يتعلق بمأساة إنسانية دامت لسنوات عديدة، وآن لها أن تعرف طريق الحل ليرفع الظلم عن المظلومين وتعود البهجة لقلوب الأهالي والزوجات والأقارب. معتقل سابق على خلفية ملف «السلفية الجهادية» *** محمد الفزازي:لكل شخص في هذا الملف الكبير له حالة خاصة ملف ما يعرف ب»السلفية الجهادية» هو أحد الملفات الضخمة التي ورثتها حكومة الأستاذ بنكيران... ويكاد المتتبع يجزم أن كل شخص ضمن هذا الملف الكبير له حالة خاصة به قد لا تشبه أي حالة أخرى من حالات باقي المعتقلين المسمون «جهاديين»، لكن على العموم يمكن تصنيف هؤلاء جميعا في ثلاثة أصناف، صنف لا يعرف عنهم عنف، ولا مارسوه في يوم من الأيام، وهم مستعدون غاية الاستعداد للإندماج في المجتمع المغربي من أول يوم على إطلاق سراحهم، لا يخشى منهم تطرف ولا إرهاب... معترفون بثوابت الأمة المغربية اعترافا لا ريب فيه...، وهؤلاء هم الأغلبية ربما، وهم الذين نناشد الجميع على المساعدة في إطلاق سراحهم، ترجيحا لتحقيق العدل، ورأب الصدع، وضمد الجراح، ولم شمل أسرهم المكلومة وإعادة البسمة إلى أطفالهم الذين طال انتظار عودة آبائهم دون أن يعودوا...، وإلى الزوجات والأمهات والآباء والإخوان والأخوات وكل قريب وحبيب...، له في الإفراج المنشود فتح صفحة جديدة من الأمل والسعادة والهناء... هؤلاء منهم من عبر بنفسه صراحة عن إيمانه الصادق بضرورة الإندماج في المجتمع المغربي وخدمة الأمة والوطن بما يستطيع... لو أطلق سراحه، ومنهم من كتب طلب عفو لملك البلاد، ليس لأنه يعترف بما نسب إليه، ولكن لأن العفو الملكي هو باب من أبواب تصحيح الأخطاء القضائية كما هو معلوم. وهو ما لم يفهمه كثير من الذين امتنعوا عن تحرير طلب العفو... ظانين أن طلب العفو نوع من الإعتراف بما لم يفعلوا... أو شكل من أشكال التوبة عما هم منه براء. وصنف يحمل فعلا أفكارا متشنجة، ورؤى متنطعة وينشد قيام دولة إسلامية على مقاس فهمه للدين... فهو يعمل من أجل تحقيق ما ينشد بتقديم الولاءات لزيد وعمرو من هنا وهناك، ويرجو استنساخ ما يحدث من جهاد في أفغانستان والعراق وغيرهما ونقل ذلك كله إلى بلاده في بلادة منقطعة النظير، لكنهم أيضا ليس في يدهم دم ولا قتل ولا أي شيء من ذلك، وهؤلاء في نظري يسهل التحاور معهم وإقناعهم واقتناعهم بالحجة، وأرجح أن غير قليل منهم سيرجع إلى رشده وسوي فكره... وصنف ثالث ارتكبوا فعلا جرائم قتل باسم الجهاد أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر... وهم معترفون بذلك... ربما يكون فتح ملفهم الآن من غير جدوى... في الوقت الذي نجد فيه أمامنا الملفين الأولين المذكورين، لا سيما الملف الأول. وشخصيا أرى أن الشخص الوحيد الذي يمكن أن يعالج هذا الموضوع ويتصرف فيه بحكمته المعهودة ورحمته المنشودة... كما فعل من قبل معي شخصيا ومع الشيوخ المفرج عنهم بحمد الله أخيرا ومع غيرهم، هو ملك البلاد وحده، ولا أحد سواه... بإذن الله تعالى. *** حسن الكتاني: كان ينبغي أن يتبع إطلاق سراح المشايخ عفو جزئي عن مجموعة من المعتقلين كان ينبغي أن يتبع إطلاق سراح المشايخ عفو جزئي عن مجموعة من المعتقلين على خلفية قانون مكافحة الإرهاب، موقفنا واضح تجاه المظلومين بهذا الملف، الذين لم يثبت في حقهم أي جرم، وليس من حق أي أحد أن يتابع شخصا آخر على ما يحمل من أفكار، وأن يتهم فكر فلان أو علان بأنه «إرهابي»، وبناءا على هذه الأمور، يجب الإفراج على باقي المعتقلين. من جهة أخرى، أظن أن محاولة إجراء حوار جماعي داخل السجون غير ذي جدوى، وإذا ما كان هناك «غلاة» في السجون فيجب محاربة هذا الغلو من داخل المجتمع دون تقزيم المسألة. كنا ولا نزال نطالب برفع الظلم على المظلومين عبر إطلاق سراحهم، وريثما يتحقق ذلك، يجب تفعيل اتفاقية 25 مارس 2011 التي وقعها مسؤولون محترمون يعملون في أجهزة محترمة، وجمعية حقوقية لها وزنها، وهي اتفاقية ملزمة لا يحق تكذيب حدوثها. تفعيل اتفاقية 25 مارس سينهي المأساة التي يعيشها المعتقلون بالسجون أولا وسيتم من خلالها الإفراج عبر دفعات عما تبقى من المعتقلين المظلومين على خلفية الملف.