توجد الملائكة في مقام محمود عند الله عز وجل، ولعل من أعظم الآيات التي تدل على عظم مكانة الملائكة عند ربهم، قوله تعالى: «شهد الله انه لا اله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط، لا اله إلا هو العزيز الحكيم»سورة آل عمران18، ووجه الدلالة؛ أن الله احتج بشهادتهم على أعظم مشهود على الإطلاق، وهو توحيده سبحانه، وقرن شهادتهم بشهادته، والله لا يستشهد من خلقه إلا من عظم قدره عنده، فهذه الآية تدل على علو قدرهم ومكانتهم. صفات الملائكة الخِلْقية خلق الله تعالى ملائكته في أحسن صورة خِلْقية، فهم مخلوقون من نور، كما ثبت ذلك في صحيح مسلم، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «خُلِقَتِ المَلاَئِكَةُ مِنْ نُورٍ، وَخُلِقَ الجَانُّ مِنْ مَارِجٍ من نَارٍ، وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ(متفق عليه)، وكان خلقهم متقدما على خلق البشر، كما دلّ على ذلك ما قصه القرآن علينا من قصة خلق آدم عليه السلام، قال تعالى:»وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الارض خليفة» سورة البقرة 29، فالآية واضحة الدلالة على أن وجود الملائكة سابق لوجود البشر. وتشير النصوص إلى عظم خلق الملائكة من حيث الجملة، كما في وصف الملائكة الموكلة بالنار: «غلاظ شداد»سورة التحريم: 6 ، وقال تعالى في وصف جبريل عليه السلام: «ذي قوة»سورة التكوير 20. وقال صلى الله عليه وسلم في وصف جبريل أيضاً: «رأيته منهبطاً من السماء، سادًا عظم خلقه ما بين السماء إلى الأرض(مسلم). وهم على عظم خلقهم لا يأكلون ولا يشربون، ولهم قدرة على التشكل، كما دلت على ذلك قصة إبراهيم مع الملائكة، عندما أتوه في صورة شبان، فقدم لهم الطعام، فلم يأكلوا، وأيضا مجيئهم لوطاً عليه السلام في اليوم العصيب في صورة شبان حسان الوجوه، ومجيء جبريل عليه السلام إلى مريم عليها السلام في صورة بشر، قال تعالى: «فتمثل لها بشرا سويا»سورة مريم: 16. وكذلك كان جبريل عليه السلام يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في صورة الصحابي دحية الكلبي، كما في صحيح مسلم، وفي صورة أعرابي، كما في حديث جبريل المشهور في صحيح مسلم. «بينما نحن جلوس عند رسول الله...» ووصفهم الله سبحانه بأنهم: «رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع»سورة فاطر: 1. ومن صفاتهم الخَلقية أنهم لا يوصفون بذكورة ولا أنوثة، قال تعالى: «أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا إنكم لتقولون قولا عظيما»سورة الإسراء: 40. صفات الملائكة الخُلُقية وأما صفاتهم الخُلُقية، فهم من أعظم الخلْق خُلقاً، فقد وصفهم الرب سبحانه بأنهم: «كرام بررة»سورة عبس: 16. ووصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بالأوصاف ذاتها حين قال: «الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة...(الترمذي) ومن صفاتهم: أنهم معصومون من الذنوب والمعاصي لا يقربونها، قال تعالى: «لايعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يومرون»سورة التحريم: 6، وهم مع عصمتهم من الذنوب والمعاصي دائمو الطاعة لله سبحانه، قال تعالى:»يسبحون الليل والنهار لا يفترون»سورة الأنبياء: 20. ومن أخلاقهم الحياء، ففي الحديث أن أبا بكر وعمر رضي الله عنها، دخلا على النبي صلى الله عليه وسلم وهو كاشف فخذه، فلم يسترها، فلما دخل عثمان جلس النبي صلى الله عليه وسلم وسوى ثيابه، فسألته عائشة رضي الله عنها عن ذلك، فقال: «ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة(مسلم). ومن صفاتهم أيضا أنهم يتأذون من الروائح الكريهة، كما ثبت في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل البصل والكراث، فغلبتنا الحاجة فأكلنا منها، فقال: «من أكل من هذه الشجرة المنتنة فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تأذى مما يتأذى منه الإنس(مسلم). وأنهم لا يدخلون بيتا فيه كلب ولا تماثيل، ففي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال سمعت أبا طلحة يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة تماثيل(البخاري) وأما عددهم فلا يعلمه إلا الله سبحانه، حيث ردّ علم ذلك إلى نفسه، فقال:»وما يعلم جنود ربك الا هو»سورة المدثر: 31. وجاء في صفة البيت المعمور أنه: «يدخله في كل يوم سبعون ألف ملك، لا يعودون إليه آخر ما عليهم(مسلم). فهذا الحديث وغيره يدل على كثرة عدد الملائكة، وأنه لا يحصي عددهم إلا الله، فليس للمسلم أمام هذا الملكوت العظيم، إلا أن يسبح الله بحمده، ويسأله عفوه ولطفه على التقصير والتفريط.