يتوقع محمد تاج الدين الحسيني، الخبير في العلاقات الدولية أن تحمل قرارات مجلس الأمن المرتقبة خلال نهاية الشهر الجاري بخصوص الوضع في الصحراء، تجديد الدعوة إلى تجاوز المفاوضات غير الرسمية والدخول إلى مفاوضات جوهرية من أجل حل سياسي، كما يتوقع أن يتخذ القرار بتجديد ولاية المينرسو لمدة إثنى عشر شهرا، وكذا تقرير إضافة 15 عسكريا إلى 228 الذين تتضمنهم «المينورسو» اليوم. الحسيني يقدم قراءته للرفض الجزائري المتوالي لفحصاء ساكنة مخيمات لحمادة بتندوف، معتبرا أن هذه الخطوة إن تمت سوف تفضح واقع التلاعب بالأرقام والمساعدات من طرف قيادة البوليساريو وستعطي للموقف الجزائري نوع من الحرج البالغ أمام المنتظم الدولي، كما أن الجزائر يقول تاج الدين تتخوف أساسا من أن تكون عملية الإحصاء هي الخطوة الأولى في مسار يتجه إلى تطبيق بعض المقتضيات التي تهم القانون الدولي والتي تهم مستقبل أولئك اللاجئين من قبيل حرية الحركة وخيارات أخرى. الحسيني، الذي يتناول أيضا استراتيجية التوجه الدبلوماسي المغربي لإفريقيا يعتبر الظروف التي تعيشها المنطقة الآن أصبحت تفرض على الجزائر مراجعة مواقفها وأيضا على الدول العظمى من قبيل أمريكا وروسيا. كما قال بأن تطبيع العلاقات بين المغرب والجزائر سيبقى مدينا للربيع الديمقراطي. وقال أيضا إن التطبيع الحقيقي بين المغرب والجزائر يبدأ بفتح الحدود البرية وبالدخول في علاقات اقتصادية من النوع الكبير وهو ما سيعود بالنفع على البلدين وقضية الصحراء في نهاية المطاف. ● لنتعرف بداية عن قراءتك المجملة لمشروع التقرير الأممي حول الصحراء المرتقب صدور التوصيات والقرارات النهائية الخاصة به نهاية الشهر الجاري؟ ●● ينبغي الإشارة إلى أن تقرير الأمين العام حول الصحراء حاول إمساك العصا من الوسط ولم يرد إعطاء الحق لطرف على حساب الآخر، هكذا سنجد أن الجزائر والبوليساريو يعتبرونه مشجعا بالنسبة لتطور قضية الصحراء بالأممالمتحدة، بينما وفي نفس الوقت سجل المغرب ارتياحه للتقرير لعدة أسباب، ويمكنني القول أن التقرير يمكن أن يرضي كل الأطراف وهو تعبير عن ما تعرفه المنطقة حاليا، وحالة الجمود التي تعرفها المفاوضات الخاصة بالتوصل إلى حل سياسي وهكذا، ومن الزاوية الإيجابية سنجد أن التقرير لم يشر صراحة لمسألة الإستفتاء كخيار يمكن أن يطبق في الإقليم، التقرير أشار أيضا إلى الدستور الجديد، وإلى إنشاء المغرب لمجلس وطني لحقوق الإنسان بل أشار إلى فرعيه في كل من العيون والداخلة، كما لاحظنا اقتراح بان كي مون تمديد مهمة «المينورسو» لمدة سنة كاملة وليس فقط لمدة ستة أشهر وهذا يعكس نظرة الأممالمتحدة للنزاع القائم وهو المتميز بالوجود الحقيقي للمغرب والذي يمارس تقريبا كل مظاهر السيادة في الإقليم. ● لكن التقرير أيضا أشار لبعض النقاط التي يمكن أن تعتبر بالنسبة للمغرب سلبية، ما تعليقك عليها؟ ●● نعم هناك أيضا بعض الجوانب السلبية والتي تتعلق بكون المغرب تجسس على قوات «المينورسو» وخاصة ما يتعلق بإبلاغها معطيات معينة إلى مقرها المركزي بنيويورك وكذا كون السيارات التي تستعملها هذه القوات هي سيارات ألزمت بأن تحمل العلامات والأرقام الدبلوماسية التي يخصصها المغرب للهيئات الدبلوماسية وكذلك إحاطة مقر «المينورسو» في العيون بمجموعة من الأعلام المغربية وهذه في تقديري مضامين تشوه الحقيقة، فأي تأثير يمكن أن تتعرض له «المينورسو» على مستوى مصداقيتها وحياديتها بسبب وجود أعلام إلى جانبها، كما أن موضوع التجسس ليس هناك أية حجج تؤكده وإنما هناك فقط مزاعم. ولذلك أعتبر أن هناك عدة جهات تحاول التشويش على مستوى تعامل المغرب مع الأممالمتحدة فيما يهم هذا الجانب. كما تحاول الجزائر والبوليساريو تضمين موضوع الإستفتاء في مهمة «المينورسو» والحال أن مهمتها هي مراقبة وقف إطلاق النار، كما أن المقترح المغربي لا يصب في اتجاه تنظيم الإستفتاء، والمغرب يعتبر أن الاستفتاء أصبح متجاوزا بشكل نهائي، فلائحة الإعتراضات على المسجلين تضمن أكثر من 18 ألف احتجاج، ثم أن عملية الجمود التي عرفها مسلسل التسوية هي التي دفعت مجلس الأمن إلى مطالبة الأطراف لتقديم الجديد، والمغرب هو الوحيد الذي قدم الجديد عندما اقترح إقامة حكم ذاتي في الإقليم وهو الذي حرك آليات المفاوضات من جديد، وبالتالي لا يمكن أن تكون آلية المفاوضات قد تحركت ارتكازا على المقترح المغربي وأن مجلس الأمن وصف المقترح بأنه مطبوع بالجدية والمصداقية وأن كل المسؤولين الدبلوماسيين للدول العظمى اعتبروه الورقة الوحيدة الموجود على الطاولة من أجل النقاش، والمجتمع الدولي ككل اعتبره بمثابة الوسيلة المثلى للتوصل إلى الحل السياسي، وعبارة الحل السياسي تعني إجراء المفاوضات للتوصل إلى نتيجة توافقية ذات طبيعة سياسية وليست قانونية والطبيعة السياسية تقتضي تطبيق حل سياسي للتوافق وربما الحل الأمثل لإمساك العصا من الوسط، هو الحكم الذاتي لأنه يتجاوز إشكالية الإستقلال التي لن يقبلها المغرب بأي حال من الأحوال، كما يتجاوز الضم المطلق للإقليم واستغلال ثرواته كما تزعم الجزائر والبوليساريو وبالتالي الحكم الذاتي يعطي للسكان حقهم المباشر في إدارة شؤونهم. ● التقرير تناول أيضا موضوع إحصاء ساكنة تندوف، لماذا في نظركم تمتنع الجزائر إلى اليوم عن هذا الموضوع؟ ●● هذا من الجوانب الإيجابية في التقرير لصالح المغرب حيث أشار إلى أن «المفوضية العليا لغوث اللاجئين» ما تزال تبذل جهودها لإقناع الدولة المستقبلة للاجئين وهي الجزائر بإحصاء أولئك السكان، وأظن بأن الجزائر تتخوف من هذا الموضوع لعدة أسباب، منها أن الجزائر والبوليساريو يقدمان أرقاما مهولة عن عدد اللاجئين الصحراويين الموجودين في تندوف، والحقيقة والواقع هي غير ذلك بالتأكيد، ثم ثانيا إن هؤلاء اللاجئين ليسوا جميعهم من إقليم الصحراء بل إن جزءا منهم هم من اللذين وفدوا على تندوف سعيا لطلب المساعدات الغذائية والإحتواء في المخيمات من أولئك الذين تضرروا من سنوات الجفاف والتصحر التي عرفتها منطقة جنوب الصحراء وغرب إفريقيا، وعملية الإحصاء سوف تفضح هذا الواقع وستعطي للموقف الجزائري نوعا من الحرج البالغ أمام المنتظم الدولي، كما يحضر في هذا المستوى حجم المساعدات التي تتلقاها البوليساريو والتي تتجاوز في حقيقة الأمر عدد الأشخاص الموجودين في هذه المخيمات وهو ما يطرح مآل هذه المساعدات خاصة أن البوليساريو تستحوذ على جزء كبير من هذه المساعدات وتوظفها في تلبية الحاجيات الشخصية لزعمائها وقيادتها، كما تتخوف الجزائر من أن تكون عملية الإحصاء هي الخطوة الأولى في مسار يتجه إلى تطبيق بعض المقتضيات التي تهم القانون الدولي والتي تهم مستقبل أولئك اللاجئين والذين من حقهم وفقا للقانون الدولي أن يختاروا البقاء في المخيمات أو أن تكون لهم كذلك حرية التنقل والحركة داخل الدولة التي تستقبلهم وهو ما لا يتمتع به هؤلاء اليوم أو أن تكون لهم حرية الإنتقال إلى دولة ثالثة أو الرجوع إلى الوطن الأم الذي هو المغرب. ● إذا الحديث هنا هو عن محتجزين وليس عن لاجئين؟ ●● صحيح، فأنا أستخدم المصطلح الذي تستخدمه الأممالمتحدة، ولكن في الحقيقة ومادام هؤلاء لا يتوفرون على حرية الحركة والانتقال فلا يمكن إلا أن يكونوا محتجزين، وبالتالي فعملية الإحصاء سيكون لها ما بعدها، وما بعدها هو تمكين هؤلاء المحتجزين من ممارسة حقوقهم كلاجئين بما فيها حقهم في العودة، والحال أن هناك مشكل كبير على هذا المستوى اليوم، وحتى الزيارات التي تتم تبقى ذات صبغة ارتهانية من خلال حصة العملية في بعض العائلات ومتابعتهم وأهاليهم بعد ذلك في حالة قرروا البقاء، وبالتالي هناك مسلكيات مختلفة للبوليساريو والمخابرات الجزائري حتى لا تعود ساكنة المخيمات إلى وطنها الأم الذي هو المغرب. ● ألا تمتلك الأممالمتحدة الآليات الكافية من أجل فرض هذا المطلب على الجزائر أم أن لغة المصالح بالنسبة للدول العظمى بالأممالمتحدة ومجلس الأمن تحضر مرة أخرى هنا وبقوة؟ ●● الأممالمتحدة تعتبر أن الموضوع يدخل في إطار مقتضيات الفصل السادس من الميثاق الذي لا يفرض على الدول الأعضاء تدابير معينة في ما يتعلق بالتعامل مع الموضوع، كما أن المندوبية السامية للاجئين لا تتوفر على أية وسائل تنفيذية، وإذا كان من الضروري أن تتوفر على هذه الوسائل فإن ذلك لا يمكن أن يحصل إلا عن طريق قرارات صادرة عن مجلس الأمن في إطار مقتضيات الفصل السابع وهذا ما لا يطمح أي من الأطراف بما فيهم المغرب الوصول إليه لأنه قد ينعكس سلبيا على مواقف كل الأطراف، وبالتالي فالأممالمتحدة تقدم توصيات بهذا الخصوص وتبحث عن وسائل تنفيذها دون أن تسعى إلى عرض الموضوع مباشرة على مجلس الأمن لاتخاذ قرارات نافذة بخصوصه، ونحن نعلم جيدا أن مجلس الأمن لا يتخذ قرارات قانونية بل ذات طبيعة سياسية وهو الآخر مرتهن لحق «الفيتوا»الذي تتوفر عليه الدول الخمس الدائمة العضوية وأنا أظن أنه لا يمكن تمرير أي قرار ضد الجزائر خاصة وأن لها صدقات معروفة بالنسبة لكل من الصين وروسيا التي سوف تعترض على اتخاذ أي قرار بهذا الخصوص. ● ما هي طبيعة القرارات التي تتوقعون أن يصدها مجلس الأمن بناءا على التقرير الخاص بالصحراء المرفوع له من طرف الأمين العام للأمم المتحدة؟ ●● ما أتوقعه هو أن مجلس الأمن سيصادق على تقرير الأمين العام، وربما هناك تحفظات سيقدمها المغرب بالنظر إلى كونه الآن عضو غير دائم داخل المجلس وهذا يخول له أن يتقدم بتحفظات حول بعض الفقرات التي وردت ضمن هذا التقرير وخاصة تلك التي تشير إلى التجسس و عدم قدرة «المينورسو» على ممارسة مهامهما، وهذا قد يدفع دول صديقة للمغرب بمجلس الأمن وخاصة فرنسا أو ربما حتى الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى المطالبة بتعديل بعض فقرات التقرير قبل المصادقة النهائية عليه، لكن الجوهر وهذا هو المهم في نظري بحيث ستتم المصادقة عليه بالتأكيد، حيث يتخذ القرار بتجديد ولاية المينرسو لمدة إثنى عشر شهرا، كما ربما سيتقرر إضافة 15 عسكري إلى 228 الذين تتضمنهم «المينورسو» بطلب من الأمين العام لأنه يرى في إضافة هذا العدد وسيلة لتعزيز قدرات «المينورسو»، كما سيتم تجديد الدعوة إلى تجاوز المفاوضات غير الرسمية والدخول إلى مفاوضات جوهرية قصد التوصل إلى حل سياسي كما سيؤكد على دعم مبادرات دعم الثقة بين الأطراف وكذلك البث في مسألة الموارد الطبيعية والمغرب مستعد للإدلاء بكل المعلومات بهذا الخصوص، خاصة وأنه يصرف على الصحراء أكثر مما يجنيه منها بفضل فوسفاط بوكراع، وكذلك حتى على مستوى الصيد في سواحل الإقليم، وأظن أن المغرب في هذه المرحلة الفاصلة بين 17 و24 أبريل قد أعد العدة من أجل تحركات دبلوماسية واسعة، فوزير الخارجية سيقوم خلال الأيام القليلة المقبلة بزيارة لروسيا للتحدث مع المسؤولين الروسيين حول هذا الموضوع، وربما ستجري اتصالات مباشرة حتى داخل مجلس الأمن مع الأعضاء الدائمي وغير الدائمي العضوية وأعتقد أن هذا النوع من الإتصالات هو ضروري في المرحلة المقبلة لتفادي أي تراجعات في مواقف الأممالمتحدة، لأن الجزائر والبوليساريو الآن سوف تحاولان بالتأكيد التجديد على مسألة توسيع صلاحيات «المينورسو» لتشمل مراقبة حقوق الإنسان، والحال أن ما أشير إليه بخصوص هذه النقطة على مستوى التقرير بالرغم من الإشارة لبعض التجاوزات على مستوى الإعتقالات إلى غير ذلك، إلا أنه لا يعطي أي إشارة لرغبة الأممالمتحدة في مراقبة حقوق الإنسان بالمنطقة. ● بماذا تفسر الجمود الحاصل على مستوى قضية الصحراء ككل، في لحظة تشير كل المؤشرات الإقليمية إلى ضرورة تحرك هذا الملف، وهل المسألة مسألة وقت أما ماذا في نظركم؟ ●● المسألة مسألة وقت بالتأكيد، ولكن قضية الصحراء هي قضية شائكة ومعقدة في آن واحد لأن الأطراف التي من شأنها أن تتخذ قرارات حاسمة في الموضوع وهي الدول الكبرى، لها علاقات متوازنة مع كل من المغرب والجزائر، فعلى سبيل المثال الولاياتالمتحدةالأمريكية وعلى الرغم من كونها صديق تقليدي للمغرب وتجمعها معه علاقات ودية واقتصادية من خلال منطقة التبادل الحر وعلاقات إستراتيجية من خلال المناورات المشتركة. وعلى الرغم من كل هذا، فإن لأمريكا مصالح اقتصادية مهمة أيضا مع الجزائر خاصة ما يرتبط بالصادرات التي تهم البترول والغاز الطبيعي التي تتوصل بها أمريكا والتي تقدر ب: 9 بالمائة من صادرات الجزائر، واستثمار الشركات الأمريكية الكبرى والعملاقة في الغاز الطبيعي والبترول، والجزائر أصبحت في السنوات الأخيرة من حكم بوتفليقة تحاول الدخول في معترك التحالف مع أمريكا حتى على مستوى مناورات الحلف الأطلسي بالبحر المتوسط، وأيضا في ما يتعلق بحفظ السلام الإقليمي في منطقة غرب إفريقيا والصحراء، وبالتالي فأمريكا تجاوزت اليوم مرحلة الحرب الباردة التي كان فيها المغرب هو حليفها الاستراتيجي، واعتبرت أن من حقها التحالف مع الطرفين معا، وفي هذه الحالة فهي تحاول دائما إحداث التوازن في العلاقة بينهما، ويبدوا أنه ليس من الإعتباطي كون المبعوثين الشخصيين للأمين العام في ملف الصحراء جلهم أمريكيين من «جيمس بيكر» إلى «كريستوفر روس». ● هل سيستمر هذا الواقع إلى أمد بعيد؟ ●● شخصيا لدي تصور يقول بأن الظروف التي تعيشها المنطقة الآن أصبحت تفرض أن تغير، ليس فقط أمريكا أو روسيا موقفها، بل حتى الجزائر، واعتقد أن إعطاء سنة من الأمد ل:»المينورسو» في مراقبة وقف إطلاق النار، هو في الحقيقة إعطاء فرصة للزمن في مسألة تطبيع العلاقات المغربية الجزائرية، لأنه لا يمكن أن تفهم حقيقة التطبيع دون أن تنصب فيما بعد حتى على قضية الصحراء، وإلا فإن هذا التطبيع سيكون نوعا من النفاق السياسي، لأن بداية التطبيع الحقيقة ليست في الزيارات المتبادلة ورفع الشعارات، بل إن التطبيع الحقيقي ينطلق أساسا من فتح الحدود البرية بين المغرب والجزائر، وأن تكون بداية للتعاون بين الأطراف، والدخول في شركات بين شركة «سوناطراك» مع المكتب الشريف للفوسفاط أو في ما يتعلق بالنقل البحري وتشجيع السياحة الجزائرية داخل المغرب، فمع انطلاق مثل هذه المبادرات ستنطلق معها آليات الإندماج المغاربي، وهكذا أظن أن قضية الصحراء ستجد موقعها للتسوية في هذا الإطار، واعتبر أن 2012 ضرورية لهذا التطور الإيجابي في العلاقات المغربية الجزائرية. لكن علينا أن نفهم ومنذ البداية أن قضية الصحراء هي جد شائكة بالنسبة لتوازن القوى سواء على المستوى الإقليمي أو الشمولي. ● ألا ترون أن الحل أيضا يكمن في ارتفاع قيمة وحجم تداول عملة الديمقراطية بالمنطقة المغاربية، خاصة وأن الجزائر ما تزال مستثنية اليوم من الربيع الديمقراطي؟ ●● هذا أمر أساسي، وتطبيع العلاقة بين المغرب والجزائر سوف تدين في كثير منها ليس فقط على الرغبات الخيرة للأطراف لتجاوز القطيعة وبداية علاقات جديدة، بل تبقى مدينة لرياح التغيير التي دفع بها الربيع العربي، ولا أخفيكم أن انهيار نظامين مركزيين بالمنطقة، النظام الليبي وإن كان لا يستحق عبارة نظام لأن كل ما هنالك هو عملية هيكلة للفوضى من خلال اللجان الثورية والمؤتمرات الشعبية وسياسة التهريج والميزاجية التي كان يعتمدها امعمر القدافي، ولكن حتى النظام التونسي الذي كان نظاما بوليسيا بالأساس كان يلعب على الحبلين، فهو يظهر للمغرب نوع من التضامن ونوعا من التوافق في الرؤيا حول الحلول المتعلقة بقضية الصحراء، لكنه في الكواليس كان يعقد لقاءات وتحالفات مع الجزائر بشكل يمس بكثير من المخاطر المصالح العليا للمغرب، واليوم ومع التغيير الذي عرفته المنطقة أصبح واضحا أن أصوات الشعوب هي التي تؤخذ بعين الإعتبار في آليات اتخاذ القرار من طرف الحاكمين، سواء في تونس أو في ليبيا بالإضافة إلى التغيير الذي عرفه المغرب وما تعرفه موريتانيا اليوم، وبالتالي فالجزائر لا يمكن أن تخرج عن هذا السياق، فالجزائر مقبلة خلال شهر ماي على انتخابات تشريعية وأمامنا في لائحة الأحزاب المتبارية أكثر من 10 أحزاب إسلامية وبالتأكيد سيكون لها النصيب الأوفر في الحصول على أغلبية في المقاعد، فالنظام بالجزائر سيكون ذكيا إذا بادر لفتح الحدود مع المغرب قبل شهر ماي حتى لا يعطي هذه الفرصة للأحزاب الإسلامية لكي تستهلكها بطريقتها الخاصة، وربما قد يخطئ الرؤيا ويؤجل ذلك إلى نهاية هذه السنة كما اعترف بذلك مسؤولون جزائريون لوزير الخارجية الفرنسية «ألان جوبي» ولكن في نهاية هذه المرحلة من القطيعة بين المغرب والجزائر أصبحت تفرض نفسها بحكم تداعيات الربيع العربي. ● سعد الدين العثماني تحدث وغيره كثير، عن إستراتيجية التوجه الدبلوماسي المغربي اتجاه إفريقيا وأنه المدخل لقوة المغرب التفاوضية مع الإتحاد الأوروبي وغيره؟ ●● هذا شيء أساسي، والمغرب لا يمكن أن يتنكر لأصوله الإفريقية، والمغرب دائما هو شجرة تمتد جذورها في قلب إفريقيا، ونلاحظ كيف أن الدبلوماسية المغربية قديما كانت ذات طبيعة دينية قبل أن تكون ذات طبيعة سياسية، ويكفي أن نشير إلى حركة التيجانيين في السنغال والزوايا في عدة دول إفريقية، كذلك المغرب وعلى الرغم من كونه انسحب من منظمة الوحدة الإفريقية ولم يتمكن حتى الآن من أن يجد مكانه بوجود ما يسمى بالجمهورية الصحراوية المزعومة، فالمغرب يبقى في العمق إفريقيا، وهو ما تؤكده ما أنشئ من تنظيمات في غرب إفريقيا والدول الساحلية وكذا بالنسبة للتعاون الثنائي وبالنسبة لشطب الديون المترتبة على الدول الإفريقية وكذلك العلاقات الممتازة في اللجن العليا المشتركة التي تربط المغرب بإفريقيا، وأظن أنه أصبح من واجب المغرب اليوم أن يمد طريقا سيارا عبر موريتانيا نحو غرب إفريقيا وباقي البلدان الأخرى، حتى يكون هناك انفتاح أكبر على القارة السمراء، إذ لا يعقل أن تكون البلدان العظمى بما فيها الصين الشعبية والولاياتالمتحدةالأمريكية تتسابق لاتخاذ مواقع قدم قوية في قلب إفريقيا، ولا يكون المغرب قادرا على اكتساح هذا الفضاء من أجل القيام بدوره المنشود بهذه القارة. ● تعليقك على انسحاب الوفد المغربي من مراسيم تشييع أحمد بن بلة جنازة أول رئيس جزائري بعد الاستقلال سنة62. ●● هذا شيء كان منتظرا وبكل تأكيد، فقد يقول قائل إن المغرب انسحب وهو يحاور ويفاوض البوليساريو رسميا، ولكن هناك فرق شاسع بين المفاوضات في إطار الوصول إلى تسوية أو إلى حل سياسي وفقا للمعايير التي وضعتها الأممالمتحدة وقرار مجلس الأمن، والتعامل لبروتكولي أو السياسي مع البوليساريو أو (لاراسد)، لأن المغرب في الحقيقة يفاوض جبهة البوليساريو ولا يفاوض رئيس ما يسمى «بالجمهورية الصحراوية»، وعبد العزيز عندما حضر للجزائر لم يحضر ممثلا للبوليساريو بل بصفته رئيسا لما يسمى ب: «الجمهورية الصحراوية» المزعومة، والمغرب لا يمكن أن يتنكر لمبادئه ومواقفه. ولذلك لا يمكن للمغرب الذي انسحب من منظمة الوحدة الإفريقية بسبب اعترافها بالجمهورية الوهمية أن يقوم بغير الإنسحاب من هذا الموقف، إذن فالمغرب يتخذ هذه المواقف بشكل منهجي.