دعت»مجموعة الديمقراطية والحداثة» إلى إحداث لوبي حداثي ضاغط بتجييش 50 ألف جمعية مدنية من أجل إقرار ما يسمى ب»حرية المعتقد» في الدستور، ودعت إلى النزول إلى الشارع وتوظيف جمعيات القروض الصغرى و زبنائها لاسيما النساء لإقرار هذا الحق في النص الدستوري وتنزيله ضمن القوانين الوطنية. ومع أن النضال في الحقل المدني حق مشروع لكل الفاعلين، إلا أن توقيت هذه الدعوة، واللقاء الدولي الذي صدرت فيه، والذي كان مرعيا من قبل السفارة البريطانية، يطرح أكثر من سؤال، لاسيما وأن القوى العلمانية التي تتبى هذه الدعوات لم تصدر هذه التوصيات زمن التدافع المدني والسياسي حول النص الدستوري، وهو التوقيت الحقيقي الذي يفترض أن تبرز فيه المبادرات ويكون سلاح الاستقواء بالشارع حاسما. سنترك خلفيات هذه التوصيات وتوقيتها وعلاقة ذلك بالجهة الراعية لذكاء القارئ، ونركز في نقاش هذه الدعوة على الحيثيات وذلك ضمن ملاحظات ثلاث: - لقد ثبت بدليل الاستقراء أن سلاح الشارع الذي أعلنت توصيات مجموعة الديمقراطية والحداثة أنها ستستثمره هو أضعف سلاح يمكن أن تلجأ إليه لاسيما في هذه اللحظة التاريخية التي تراجعت فيه هذه القوى سياسيا وانتخابيا، وأثبتت هامشيتها ومحدودية تأثيرها على المجتمع. - إن الدعوة إلى توظيف جمعيات القروض الصغرى وزبنائها لاسيما من النساء للضغط لإقرار حرية المعتقد التي تستهدف بالأساس الهوية الدينية للشعب المغربي، تطرح إشكالا أخلاقيا عميقا يتعلق باستغلال الحاجة الاجتماعية للزبناء من أجل التغرير بهم في معارك لا يقتنعون بأجندتها وقد لا يكونوا معنيين بها أصلا. - هناك مفارقة تحكم نظرة بعض القوى العلمانية لطريقة تعاطي القوى المدنية المخالفة لها مع النص الدستوري أو القانوني، ففي الوقت الذي تستكثر على بعض الهيئات المدنية النزول السلمي إلى الشارع للمطالبة بمنع بيع الخمور في الأحياء الشعبية- وهو مطلب قانوني-، أو محاربة الدعارة– وهو مطلب قانوني وحقوقي دولي- وتتهمها بتشكيل «ميليشيات» للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتمارس إرهابا فكريا ضد العلماء والدعاة لمنعهم من الدخول على الخط، في الوقت الذي تصنع كل ذلك، تبرر لنفسها إحداث «ميليشيات» علمانية، تتشكل من آلاف الجمعيات المدنية، وتدعو للنزول إلى الشارع، واستغلال الحاجة الاجتماعية للنساء الوافدات على مؤسسات القروض الصغرى، بل وتجد نفسها في كامل الارتياح وهي تصدر هذه الدعوات في لقاء دولي ترعاه سفارة أجنبية ! المحصلة، ليس المفيد أن يقرأ البعد السياسي في هذه التوصيات، وقلق بعض القوى العلمانية، بل وبعض الدوائر الغربية، من التنصيص الدستوري عل ركائز الهوية الدينية للمغاربة، وليس المفيد إعطاء هذه الدعوات أكثر من حجمها، وإنما الأهم في ذلك كله، أن تدرك الحركات الإسلامية والعلماء والدعاة وجميع مكونات الحقل الديني والمدني، أن التدافع على مستوى الهوية والمرجعية لم ينته في المغرب، وأن جبهاته يمكن أن تأخذ أبعادا أخرى، وأن الأرضية الصلبة التي يقفون عليها لا تسمح لهم بالانكماش والانتظارية وإعطاء الفرص للقوى العلمانية لتمارس الإرهاب الفكري خاصة على الدعاة والعلماء في قضايا تعتبر من صميم اختصاصهم.