قبل أيام كشف وزير التجهيز والنقل عن لائحة مأذونيات النقل، ووعد بأن ينشر لوائح بقية المستفيدين من مقالع الرمال، ثم أعلن وزير الاتصال عقب ذلك عن عزمه نشر لائحة الدعم المقدم إلى الجرائد الوطنية منذ سنة 2005، وأول أمس أعلن نور الدين قربال، المستشار بديوان الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، في ندوة بالرباط، أن الوزارة ستقوم بنشر أسماء جمعيات تستفيد من مليار سنتيم وزيادة دون أن تقوم بأي شيء وأنها ستحيل ملفاتها على المجلس الأعلى للحسابات من أجل الافتحاص. وكان رئيس الحكومة السيد عبد الإله بنكيران قد أعلن أن فريقه لن يتوقف عند نشر لائحة المأذونيات، وأن هذه مجرد خطوة «ستتلوها خطوات أخرى لنعرف من يستفيد ومما يستفيد». التوجه العام الذي يمكن أن نلمسه من هذه القرارات، هو تعزيز الشفافية في المرفق العام على اعتبار أن تنزيل مقتضيات الدستور خاصة في الشق المرتبط بربط المسؤولية بالمحاسبة يقتضي ذلك. لا شك أن هذه القرارات تحدث حالة من الارتياح الكبير في أوساط المواطنين، لكنها في نفس الوقت تحدث حالة من الانزعاج في وسط المستفيدين، وتحرك جيوب مقاومة التغيير لتقوم بافتعال كل ما يمكن افتعاله لإيهام المواطنين بوجود تصدعات خطيرة في الفريق الحكومي وعدم قدرته على تحصين أغلبيته وصرف المواطنين عن القضايا الرئيسة إلى القضايا الثانوية تماما كما كان يفعل من قبل حين يتم إغراء المشهد الإعلامي بافتعال صراع هوياتي أو قيمي ثانوي في ظل هذه المرحلة. السؤال يتوجه في هذه المرحلة إلى دور المجتمع المدني في التفاعل مع هذه القرارات الشجاعة، وهل يكتفي بإبداء الارتياح، أم ينخرط في إحداث حالة يقظة وضغط شعبي من أجل المضي بهذه الشفافية إلى مداها الأوسع، والانتقال إلى الخطوات التالية المتعلقة بكيفية مواجهة ملف اقتصاد الريع. لا شك أن الحكومة، وبشكل خاص القطاعات المعنية، فكرت في مشاريع لمعالجة هذه الاختلالات، وهي على وعي تام بأن المجالات الإنتاجية لا يمكن أن تحرز أي تقدم ما لم تتحرر من منطق الريع وتخضع لمنطق المنافسة والمردودية، وهذا يقتضي مراجعة شاملة يصعب تحقيقها من غير إسناد شعبي ضاغط. بكلمة، إن التعبير عن الارتياح من مسار الشفافية التي تمضي فيه الحكومة، هو مجرد خطوة أولى تتطلب أن تتلوها خطوات أخرى، يضطلع فيها المجتمع السياسي والمجتمع المدني بدور وازن، وتتحمل فيه المعارضة السياسية مسؤوليتها وتعبر بذلك عن المكانة التي منحها الدستور الجديد، كما تتحمل فيه بقية مكونات المجتمع المدني دورها في فتح نقاش عمومي حول الخيارات المطروحة لمعالجة اقتصاد الريع والسيناريوهات التي يمكن أن تلتجئ إليها جيوب المقاومة والأدوار المطلوبة من المجتمع أداؤها للدفاع عن مسار الشفافية والحكامة في هذا الوطن.