وضع بيان وزارة الداخلية الصادر أول أمس الثلاثاء - النقط على الحروف حين أكد أنه لا وجود لأي لجن شعبية أو مجموعات شبابية في بعض مدن المملكة أوكلت لنفسها مسؤولية محاربة الفساد والممارسات المخلة بالأخلاق العامة? عكس ما نشرته بعض وسائل الإعلام مؤخرا- مؤكدة أن الأمر يتعلق بمبادرات شخصية معزولة تم تضخيمها وإخراجها عن سياقها. وقالت الوزارة - في بلاغ لها- إن ذات المنابر الإعلامية أشارت إلى أن هذه المجموعات التي وصفتها باللجان الشعبية شرعت في تنفيذ حملات ضد بعض المحلات التي ادعت أنها تستخدم أوكارا للفساد. وأهابت وزارة الداخلية بالمنابر الإعلامية التي تروج لمثل هذه الأخبار غير المؤكدة بأن «تتحرى في مصدرها وتتأكد من مصداقيتها قبل نشرها حتى لا تساهم في بث الإشاعات والأخبار الزائفة التي من شأنها المس بالمسار الديمقراطي الذي تسعى بلادنا بكل مكوناتها لترسيخه تطبيقا لمقتضيات الدستور الجديد بلاغ وزارة الداخلية يطرح على المراقب تساؤلات حول أسلوب التهويل والتضخيم الذي تلجأ إليه بعض الجهات في استغلال بعض التصرفات المعزولة لمحاولة استعداء الدولة ضد بعض الاحتجاجات السلمية، وأسلوب الخلط المتعمد أو غير المتعمد بين تلك المحاولات المعزولة وبين بعض التعبيرات الاحتجاجية التي تعرفها بعض المدن بطريقة سلمية حضارية ضد بعض المظاهر التي تمس بسكينة وطمأنينة المواطنين من أجل إثارة انتباه السلطات لها مثل إعطاء مزيد من الرخص للحانات والخمارات وتقريب الخمر من المواطنين، مع ما يشكله ذلك في الأحياء الشعبية من مخاطر على أمن المواطنين وسكينتهم وعلى أطفالهم وشبابهم، ناهيك عن مخالفة تلك الترخيصات لعدد من الضوابط القانونية ذات الصلة . فقد دأبت بعض الجهات على ممارسة هذا الأسلوب القائم على التهويل والخلط والتحريض في فترة سابقة خاصة بعد الأحداث الإرهابية ل 16 ماي 2003 حين اختلقت مفهوم المسؤولية المعنوية، من أجل ممارسة الإرهاب الفكري ضد أي موقف نقدي أو احتجاجي سلمي ضد بعض السياسات الثقافية الشاردة عن التوجهات القيمية والحاجات الحقيقية للمجتمع المغربي في التثقيف والترفيه، وما ارتبط بها من مظاهر تمس بالأخلاق العامة وطمأنينة المواطنين وراحتهم أو بعض القرارات التي لها صلة بطمأنينة السكان وأمنهم وراحتهم مثل التوسع في الترخيص للحانات والخمارات في الأحياء الشعبية والأسواق التجارية التي لا يغشاها إلا المواطنون المغاربة المسلمون . نحن إذ نرفض أسلوب التحريض والتهويل وأي شكل من أشكال الترهيب وتكميم الأفواه، والسعي لخلق حالة من الخوف من فقدان مزعوم لهيبة الدولة من أجل استدراجها واستدعائها ضد ممارسات مدنية احتجاجية مسؤولة في نطاق القانون، نؤكد على الحق في التنظيم والاحتجاج المدني السلمي من أجل الدفاع عن قيم المجتمع وأخلاقه وأمنه وراحته مسألة لا غبار عليها، وتوجد في جميع دول العالم المتحضر . وفي نفس الوقت نؤكد أنه لا مجال لأي أن ينصب نفسه بديلا عن سلطة الدولة التي هي لها الاختصاص وحدها في تطبيق القانون، وهي التي لها الحق وحدها في احتكار اللجوء إلى القوة المشروعة كما يقول علماء السياسة، وهو ما يصطلح عليه فقها ب: « تغيير المنكر باليد»، وهو موقف مؤصل منذ القديم في الفقه الإسلامي الذي أقر عددا من الأحكام التي تبين ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهات التي لها الاختصاص بكل مرتبة من مراتبه ومجال من مجالاته، وأن الفقهاء أبدعوا مصطلحا دقيقا هو الافتئات أو الافتيات الذي يعني لغة التعدي، واصطلاحا هو التعدي على ولي الأمر في أمر من الأمور الراجعة إليه من قبيل تنفيذ حكم شرعي، وبلغة العصر محاولة الحلول محل الدولة أو محل سلطة من السلطات المكونة لها من قبيل السلطة التنفيذية أو القضائية أو التشريعية . نقول إنه بالقدر الذي نرفض أن تكون هناك « شرطة للأخلاق «، أي مجموعات أو أفراد يحلون محل الدولة، يمنعون ويعاقبون أو يأذنون ويسمحون، لأن ذلك مرفوض بمنطق الشرع والعقل، من حيث هو اعتداء على حق للدولة بمختلف مستوياتها وسلطها المختلفة، نرفض أن تكون هناك « شرطة فكرية «، تسعى إلى الحجر على التفكير المخالف، والتعبير المخالف، وتستعدي السلطة عليه، فالشرطة الفكرية والشرطة الأخلاقية وجهان لعملة واحدة ترتويان من معين واحد.