أجمع متدخلون في ندوة فكرية بفاس يوم السبت 25 فبراير 2012، على أن الربيع العربي يشكل محطة مفصلية في تاريخ الشعوب العربية، وأن الحركات الإسلامية تفوقت إيديولوجيا وثقافيا على القوى الأخرى التي ناضلت سياسيا واجتماعيا دون أن تتمكن من تمليك أفكارها للمجتمع. وأكد مثقفون في ندوة "المثقف والحداثة" التي نظمتها مؤسسة نادي الكتاب في المغرب، على ضرورة انخراط المثقف ومشاركته في صناعة القرار السياسي وتمثيل فئات الشعب في وضع متقدم. وجاء في الورقة التقديمية للجنة الإعداد الأدبي للندوة، التي قدمها إدريس كثير أستاذ الفلسفة بجامعة فاس، أنه "مع توالي الأحداث والهزات وتسارعها في الفضاء العربي بشكل يختلف من منطقة إلى أخرى تطرح مجددا وبإلحاح فكري أو سياسي أسئلة جديدة تحيل على إشكالية التحديث بالمعنى الشمولي والعام كما تحيل على مسألة في غاية الأهمية وهي دور وموقع ووظيفة المثقف ضمن السيرورات المجتمعية الجارحة والصارخة"، أوضحت الورقة، أن الاختلال المحتمل وقوعه في حالة التقاطع بين الحركية المجتمعية والنخبة الزائدة. وتوقف لحبيب طالب في مداخلة بعنوان "الكتلة التاريخية والربيع العربي"، عند استعمال مصطلح "الربيع العربي"، وقال إنه تعبير مجازي من شأنه أن يساهم في تعطيل الطاقة الفكرية ويتيح الرضى عن النفس في الوقت الذي يحتاج العالم العربي إلى اليقظة لمواجهة المؤامرات الدولية ومحاولات إجهاض الثورة، وأضاف المتحدث، أنه لا يمكن التعبير عن ثورات الشعوب ب"الربيع" لأن الأمر لم يستقر ولم ينتهي بعد. وميز طالب بين الكتلة التاريخية التي سعت إلى التحالفات الحكومية وحتى الاستراتيجية وبين الكتلة التي وضعت الهيمنة الإيديولوجية والثقافية غايتها، وقال أمام الحضور في مركب الحرية الثقافي بفاس، إن التحالفات الحزبية السياسية على المطالب الاقتصادية والاجتماعية لا تعبر عن اهتمام للإديولوجيا والثقافة. من جهة أخرى، أكد أحد المدافعين عن أطروحة اليسار المغربي، أن الإسلاميين كسبوا معركة الإديولوجيا والثقافة بخلاف اليسار الذي ناضل سياسي واجتماعيا دون أن يمكن لفلسفته، واعتبر أن الحاجة ماسة إلى مهمتين مترابطتين للكتلة التاريخية في ظل الربيع العربي، أولا استنهاض القواعد الاجتماعية للقوى الحداثية وإعادة هيكلتها في كتلة اجتماعية ثقافية جديدة، ثانيا، وضع تصور شامل للإصلاح الثقافي والديني، من أجل استئناف المسيرة التي بدأتها الحركة الوطنية السلفية الإصلاحية. من جهته، أكد عبد الحي أزرقان الأستاذ الجامعي، أن نجاح التيار الإسلامي يفرض عليها أن تمثل كل أطياف الشعب وليس من صوت عليه فقط، وقال إن ما يميز الربيع العربي هو أن الثورة ليست من أجل السلطة وإنما من أجل تحقيق الحرية والكرامة، مشددا على أن الشباب الذي صنع التغيير يبحث فقط على التمثيل، وهو اعتبرها مسألة مهمة جدا في الفكر الحديث، وأشار المتحدث، أن نشأة الربيع العربي كانت بسبب أسباب وظروف اجتماعية بعيدة عن التنظير والعقل، وخلص إلى دور المثقف هو الدفع بأفضل تمثيلية والانخراط في الفعل السياسي حتى تعطى للتمثيلية معنى. يذكر، أن الندوة التي احتفت بالسوسيولوجي والباحث المغربي الراحل عبد السلام حيمر السفياني، عرفت إلقاء مداخلات تمحورت حول "الانزياح السياسي عن الثقافي عناصر أزمة مركبة"، و"رهانات تحديث المدرسة المغربية" و"حقوق الإنسان والمبادئ الأساسية"، فضلا عن قراءة في رواية المحتفى "خطاطيف باب منصور والحداثة" وتقديم شهادة في حق الراحل.