رغم الحمولة التاريخية و الأهمية التي يكتسيها الاندماج الإفريقي بالنسبة للمغرب، لم يكن لهذا الأخير إلا أن ينسحب من منظمة الوحدة الإفريقية في فبراير 1982 بعد قبول عضوية ما يسمى بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، غير أن الإنسحاب الفعلي للمغرب لم يتم إلا في سنة 1984 بعد مشاركة «البعثة الصحراوية» في المؤتمر العشرين لمنظمة الوحدة الأفريقية الذي عقدت أشغاله بأديس أبابا في إثيوبيا. تجدر الإشارة إلى أن المملكة المغربية كانت من الأعضاء المؤسسين للمنظمة التي أصبحت تدعى منذ سنة 2002 الإتحاد الأفريقي. إن المغرب على اقتناع تام بأهمية المشاركة في تنمية القارة الإفريقية التي يعتبرها جزءا لا يتجزأ من كيانه ومن هويته. مما لا شك فيه، لم يمنع غياب المغرب عن المنظمة الأفريقية حضوره المتميز على الساحة الإفريقية. و لعل المشاريع العديدة التي أقامها في مختلف البلدان الإفريقية و التي من شأنها تنمية القارة و جعلها في مصاف المناطق الأكثر ازدهارا، لخير مثال على ذلك. و في هذا الصدد، يجدر بنا ذكر مشروع «الشراكة الجديدة من أجل تنمية أفريقيا» و الذي تبنته منظمة الوحدة الأفريقية سنة 2001. هذه الشراكة تهدف إلى «(...) دعم الاستثمارات و تنمية أفريقيا و العمل على خلق مناخ ملائم لدعم النمو الاقتصادي». فضلا عن هذه الشراكة، فالمغرب عقد عدة اتفاقيات تهم مجموعة من الميادين مع عديد الدول الإفريقية كالسنغال، مالي و التوغو. تهدف المشاريع المغربية في القارة السوداء إلى دعم و تقوية الشراكة بين المؤسسات المغربية و الشركات الأجنبية في مختلف ربوع القارة. في هذا الصدد يمكننا ذكر الزيارات الملكية العديدة لبعض الدول كالتوغو التي عرفت تدشين عدة مشاريع و إبرام عدة اتفاقيات في مجالات عديدة كالتجارة البحرية، الماء، التكوين، السكن و المعادن. يمكننا أن نذكر أيضا بالمبادرة المغربية الشجاعة التي قدمتها المملكة عقب اختتام مؤتمر «الاتحاد الأوربي- أفريقيا» المنعقد في القاهرة سنة 2000 و التي من خلالها ألغى المغرب ديون 25 بلد أفريقي، كما قام بإلغاء الحواجز الجمركية أمام سلع تلك الدول عند دخولها السوق المغربي. كل هذه المبادرات تهدف إلى وضع حد للتهميش الذي تعرفه المنطقة على مستوى الاقتصاد العالمي عبر وضع أسس تنمية مستدامة من أجل القضاء على الفقر و الهشاشة. من خلال هذه المعطيات، يمكننا الجزم أن انسحاب المغرب من المنظومة الإفريقية لم يشكل عائقا أمام الدينامية التي تشهدها العلاقات المغربية الأفريقية. بالإضافة إلى أن المملكة حاضرة فعليا على الساحة الأفريقية عبر المشاريع العديدة و المتنوعة المقامة في المنطقة و أيضا عبر التنمية التي تشهدها المبادلات التجارية و تعدد الزيارات الرسمية. و تندرج زيارة السيد سعد الدين العثماني، وزير الخارجية و التعاون المغربي، للعاصمة الأثيوبية أديس أبابا، في إطار الدينامية السالفة الذكر، فقد تم استقباله من طرف رؤساء بعض الدول الأفريقية كالبنين، الغابون و ساحل العاج. هذه الزيارة، التي تصادف انعقاد الدورة 18 لمؤتمر رؤساء دول و حكومات الإتحاد الأفريقي، تأتي لتذكر بموقع المغرب داخل الساحة الإفريقية و لتأكد الخلل الناجم عن غيابه عن هذه المنظمة. بيد أنه رغم المجهودات المبذولة من طرف عدة دول إفريقية في سبيل رجوع المغرب إلى المنظمة، والأصوات العديدة المنادية بتصحيح هذا الخطأ التاريخي، فإن السبب الرئيسي الذي دفع المغرب للانسحاب من المنظومة الإفريقية لا زال قائما. يعد اندماج المغرب في المنظومة الإفريقية إحدى قناعات الدول الأعضاء. و في هذا الإطار، أكد الرئيس التونسي منصف المرزوقي، أثناء إلقاء كلمة أمام المؤتمر الأخير لرؤساء دول و حكومات الإتحاد الإفريقي المنعقد في أديس أبابا من 23 إلى 30 يناير 2012، على أهمية إعادة إدماج المغرب في الإتحاد الإفريقي. من جهة أخرى، فقد شدد وزير الخارجية السنغالي على أن أعضاء الإتحاد الأفريقي سيواصلون جهودهم من أجل إعادة إدماج المغرب داخل الإتحاد.كما أكد السيد العثماني على تشبت المغرب بالإتحاد الإفريقي، و ذلك مشياً على درب وزراء خارجية المغرب السابقين. لطالما جعلت المملكة الشريفة من الاستقرار و تنمية إفريقيا أولى ِاهتماماتها في مجال السياسة الخارجية، التي تركز على التعاون و التآزر من أجل رفع التحديات السوسيو اقتصادية و الأمنية التي تعرقل التنمية الشاملة للقارة الإفريقية. مما سبق، يمكننا الجزم على أن المغرب، بفضل سياسته الخارجية و دوره المحوري في التعاون جنوب جنوب، قد أقنع عدة دول إفريقية على أحقية مطالبه الشرعية. يتبين مما ذكر أعلاه أن عودة المغرب للمنظومة الإفريقية، رغم ما تشكله من رهانات لسياسته الخارجية، لا يمكن أن تتحقق في إطار الوضع الحالي. إذ مع ِاستمرار وجود الجمهورية المزعومة، سيكون المغرب مجبراً على التواجد خارج المنظمة، و ذلك حتى تصحح هذه الأخيرة مسارها. مركز الدراسات الدولية