أمر الله سبحانه المومنين بالإنفاق، وانقسم الإنفاق إلى واجب ومندوب، فمن الإنفاق الواجب إخراج الزكاة وقد جرى التذكير بها مع بداية العام الهجري الجديد، إلا أن الإنفاق لا يقتصر على الواجب منه كما هو معلوم، وإذا كان المعتاد عند أهل المغرب أن يخرجوا زكاة أموالهم في أول العام الهجري فإن إنفاق التطوع ليس مقدرا بمقدار ولا مؤقتا بتوقيت فهو مفتوح طيلة السنة ليلا ونهارا سرا وعلانية، كما قال تعالى: «الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون» لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم عند تعليم الناس فرائض الإسلام وسننه يبدأ بالفرائض أولا فيعظم أمرها ويحذر من تركها ثم يحث بعدها على النوافل، وقد ودعنا شهر المحرم ونحن الآن في شهر صفر فمن لم يخرج زكاة ماله فليبادر إلى إخراجها من غير تأخير، ومن أخرجها فأمامه باب واسع للإنفاق المستحب، وفي الحديث «من كان له فضل مال فليَعُد به على من لا مال له ومن كان له فضل زاد فليعد به على من لا زاد له ومن كان له فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له فما زال يذكر لهم أنواع المال حتى ظنوا أنه لا حق لأحدهم في فضل والفضل هو ما زاد عن الحاجة. أيها المسلم أيتها المسلمة إن المرء يكون يوم القيامة في ظل صدقته حتى يُفصل بين الناس كما جاء في الحديث، ومجموع صدقات العبد تجعل هذا الظل قصيرا أو طويلا، ومن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه. إن الإنفاق في وجوه الخير يطبع المسلم بطابع السخاء والكرم، ويزينه بخلق الجود والعطاء وينمي في شخصيته صفات العطف والحنان والشفقة و الرحمة، وكلها صفات تقربه من الله ومن الجنة. إن فعل الخير وإسداء المعروف و الإنفاق على الأرملة واليتيم والمسكين و التنافس مع المحسنين كلها أبواب موصلة إلى الجنة وفي الحديث: يا ابن آدم أن تبذل الفضل خير لك وأن تمسكه شر لك ولا تلام على كفاف وابدأ بمن تعول واليد العليا خير من اليد السفلى. أيها المسلم أيتها المسلمة وللإنفاق صور كثيرة، أولها بذل المال الذي استخلفك الله تعالى فيه، فمن لم يجد مالا ينفق منه أنفق من علمه وخبرته وصنعته، فمن لم يجد شجع غيره على الإنفاق أو كان واسطة بين المعطي والآخذ فإنه يكون بذلك أحد المتصدقين، ويدخل في الإنفاق كفالة اليتيم وإكرام الضيف والإحسان إلى الجار وإعطاء الفقراء عند جني المحاصيل أو عند قسمة المواريث وبهذه الصور المتنوعة لا يبقى الإنفاق حكرا على الأغنياء والموسرين بل يكون لكل واحد إنفاقه غنيا أو فقيرا. أما مناسبات الإنفاق فكثيرة أيضا، فأحيانا تأتي الحسنة حتى تطرق عليك الباب فلا تردها فإنك إذا رددتها ذهبت إلى غيرك وأحيانا أخرى تكون أنت الذي تبحث عنها وتبادر إليها، ومن مناسبات الإنفاق الأعياد و المناسبات والصدقات الجارية المعروضة على الناس مثل بناء المساجد والمدارس وإعانة الطلاب وعلاج المرضى وقضاء ديون المعسرين وإيواء المشردين، ودعم المجاهدين وغير ذلك... وأما أسباب الإنفاق فكثيرة أيضا ومنها شكر النعمة ودفع النقمة، فالمسلم إذا حصلت له أو لأمته نعمة وأراد أن يبالغ في شكر الله تعالى تصدق وإذا نزلت به شدة أو بأمته وأراد أن يدفعها تصدق وفي الحديث «الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار»وفي الحديث أيضا أن كل مسلم يصبح معافى في بدنه يكون عليه أداء شكر يومه بثلاثمائة وستين صدقة. ومن لم يقدر على إنفاق الكثير أنفق ما يقدر عليه لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها، وفي الحديث لا تحقر من للمعروف شيئا وفيه «كل معروف صدقة» وفيه أيضا «اتقوا النار ولو بشق تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة»، وفيه كذلك «سبق درهم مئة ألف دراهم». والخلاصة أن إنفاق التطوع باب واسع وأنواعه لا تحصى ومبدأه العام إن ما زاد عن حاجتك في الدنيا فاجعله زادك في الآخرة، طعاما أو لباسا أو فراشا أو أثاثا أو درهم أو منافع وتصدق وأنت صحيح شحيح تأمل الغنى وتخشى الفقر. }يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء آجلها و الله خبير بما تعملون{. حرر في الرباط بتاريخ 20 صفر 1433 ه / 14 يناير 2012 م إمضاء محمد عز الدين توفيق مسؤول التوجيه التربوي