كان الباعث الأساس على تأليف كتاب «القرض الحسن» لعبد العزيز دوشي (الطبعة الأولى 1430 2009) بيان طرق الخير لأهل الدثور وأصحاب الأموال، وترشيد عمال البر وصناع المعروف، والتذكير بضوابط العمل الخيري وطرائقه في الإسلام، وهي ضوابط متكاملة ومترابطة، الغاية منها صيانة العمل من الحبوط، وضمان استمرارية ثمراته، وتحقيق مقاصده وأهدافه فالعمل الخيري ليس عملا متسيبا أو متهورا، بل هو عمل منضبط ومقعّد في بواعثه ومقاصده ووسائله، وإلا كان جهدا في غير طائل، والمسلم مطالب بالبحث عن هذه الضوابط، والتفقه فيها قدر المستطاع حتى لا يكون عمله سدى، ويذهب جهده هباء، وقد يتأكد هذا المطلب في حق الجمعيات الخيرية، والهيئات الإحسانية، والحركات الإسلامية أكثر من غيرها، لأن إشعاعها أكبر، ونشاطها أوسع، وهي أحق وأجدر بالانضباط لضوابط الشرع من غيرها، وهذا الكتاب مساهمة في هذا الباب. دواعي الاختيار يقول المؤلف عن دواعي اختيار هذا البحث: «لقد استوقفني هذا اللفظ في قوله تعالى: «مَن ذا الذي يُقرضُ الله قَرضا حسناً فيُضاعفَه له وله أجرٌ كريم» (الحديد: 11) . ثم وجدت أن هذا اللفظ قد تكرر في كثير من آيات القرآن الكريم كان أولها ما ذكر في سورة البقرة، قال تعالى: «من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيُضاعفه له أضعافاً كثيرة والله يقبض ويبصط وإليه تُرجعون« (البقرة: 245)، وقد بلغ عددها اثني عشر آية، لم تخل فيها آية واحدة من، هذا الوصف الرباني للقرض ب «الحسن»، فقلت في نفسي لماذا قيد الله عز وجل لفظ القرض في هذه الآيات بوصف الحُسن، وتذكرت قوله تعالى: »كتابٌ أُحكمت آياتُه ، ثم فُصلت من لدن حكيم خبير» (هود: 1) ، فعلمت أن لهذا الوصف دلالة تحتاج إلى بيان وإيضاح، وأنه لم ينزل عبثا بل قصد منه التقييد والفصل بين جنس وجنس، وهذا ما يحتاج إلى بيان، ولاسيما في عصرنا هذا حيث ازدادت حاجة المسلمين إلى بعضهم، كما اتسعت دائرة الإنفاق والعطاء في شكل جمعيات وهيئات خيرية، هنا وهناك، ولا يخفى على ذي عينيْن أنَّ مدلول القرض في الخطاب القرآني يختلف عما هو عليه في الخطاب النبوي، وكلاهما يلتقي في المقصد الإحساني ابتغاء مرضات الله تعالى، لكن القرض في المدلول النبوي يقصد به السلف من غير عوض، وهذا المفهوم هو المعهود في كتب الفقه، حيث يدرج القرض دائما في جنس العقود التبرّعية إلى جانب الوصية والعارية والهبة والوقف، وقد عرفه الفقهاء بأنه تبرّع محض من شخص جائز التصرف بمنفعة و عينها على وجه مؤقت على سبيل الاسترداد، وهذا النوع من القرض داخل في مدلول القرض الحسن المشار إليه في كتاب الله عز وجل، بكونه عملا خيريا وإحسانيا يقصد به تنفيس الكرب ورفع الحرج، إلاّ أنه يختلف عنه في شرط الاسترداد، فالقرض القرآني عطاء مطلق وعام، والقرض الفقهي عطاء مسترد من غير عوض، وهكذا نرى أنّ بينهما عموما وخصوصا، فكل قرض فقهي يعد قرضا حسنا، وليس كل قرض حسن قرضا فقهيا، والقرض الفقهي عمل خيري عظيم رغّبت فيه السنّة المطهَّرة في كثير من الرّوايات، منها ما رواه ابن ماجة وابن حبان عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مسلم يقرض مسلما قرضا مرتين إلا كان كصدقتها مرّة» ورواه الطبراني مختصرا بلفظ «كل قرض صدقة». وخرج ابن ماجة والبيهقي بإسنادهما عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيْت ليلة أسري بي على باب الجنة مكتوب: الصدقة بعشر أمثالها والقرض بثمانية عشر»، والقرض بهذا المعنى يناقض القرض الربوي المشروط بالفائدة، ولذلك ذكر في خاتمة آية الربا في سورة البقرة كبديل عنه قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذَروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحربٍ من الله ورسوله وإن تبتُم فلكم رؤوسُ أموالكم لا تظلمون ولا تُظلمون، وإن كان ذو عُسرة فنظرة إلى ميسرة، وأن تصدقوا خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون، يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه) (البقرة: 278 - 281). والمراد بالمداينة في الآية السلف إلى أجل معلوم من غير عوض، وهذا هو القرض المعروف فقهيا» (ص 11). القرض الحسن في القرآن الكريم: ذكر لفظ «القرض الحسن» في القرآن الكريم اثني عشرة مرة، رغم هذا التعدد في الذكر لم يختلف المعنى المراد في آية من الآيات، بل كان المقصود دائما هو الترغيب في الانفاق العام في وجوه الخير والبر، كالجهاد في سبيل الله وإطعام الجائعين وكسوة العارين وتعليم الجاهلين وتطبيب المصابين، قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى : (من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة)، قال رحمه الله: يحث الله عباده على الإنفاق في سبيل الله وقد كرر تعالى هذه الآية في كتابه العزيز في غير موضع، وهذا ما فهمه الصحابة رضي الله عنهم من لفظ القرض الحسن في القرآن الكريم، قال عمر بن الخطاب: هو الإنفاق في سبيل الله، وقبل هو النفقة على العيال، قال ابن كثير: والصحيح أنه أعم من ذلك فكل من أنفق في سبيل الله بنية خالصة وعزيمة صادقة دخل في عموم هذه الآية. وسمي الإنفاق قرضا لأنه أخرج لاسترداد البدل، أي من ذا الذي ينفق في سبيل الله حتى يبد له الله بالأضعاف الكثيرة، والله تعالى يقول: (وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله وما تنفقوا من خير يوفَّ إليكم وأنتم لا تظلمون) (البقرة: 272). وتحدث القرآن عن هذا الوفاء الموعود فقال: (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم )(البقرة: 271). ويشير المؤلف إلى إشكال آخر في إسناد الفعل للإنسان ونسبة المفعول لله عز وجل، ووجه الإشكال هو أن الله عز وجل صور الإنسان في كثير من الآيات أنه مستخلف في الدنيا لا يملك فيها شيئا بالأصالة، وأن المالك الحقيقي هو الله عز وجل، فكيف يصير الإنسان مالكا مقرضاً ويصير المالك الحقيقي مقترضا؟ قال تعالى: (آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير) (الحديد: 7)، وهذا الكلام خرج مخرج التحضيض والترغيب في الإنفاق فالمنفق لا يملك ما ينفق بالأصالة، ولكنه يؤول في النهاية إلى مالك حقيقي لأجر الإنفاق وثوابه، وينتفع بذلك حق الانتفاع، وفي الصحيحين عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما منكم من أحد إلا وسيكلمه الله ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدّم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا النار، تلقاء وجهه فاتقوا النار ولو بشق تمرة» وفي رواية: «من استطاع منكم أن يستتر من النار ولو بشق تمرة فليفعل»، وهنا يظهر الفيض الإلهي في أبهى صوره، فهو صاحب المال الحقيقي، وصير نفسه مقترضا فقال: (من ذا الذي يقرض الله)، وصير الإنسان الضعيف مقرضا، يستحق كل هذا الأجر والثواب على إنفاق ما لا يملكه أصلا، والله عز وجل في كل هذا هو المعطي أولا وأخيرا، وذلك فضل الله عز وجل الواسع، والله ذو فضل عظيم. ثواب القرض الحسن: إن للقرض الحسن - بالمفهوم الذي ذكر المؤلف - ثواباً جزيلا وعطاء فضيلا، وقد أكد القرآن الكريم هذا الثواب في غير موضع، قال تعالى: ( والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيما ) (الأحزاب 35). ويتعاظم هذا الثواب أكثر فأكثر إذا كانت فائدة القرض تتعلق بمنفعة عامة أو مصلحة جماعية، كإعزاز الدّين وتحصين بلاد المسلمين. قال تعالى: «لكن الرسول والذين آمنوا معه، جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون» (التوبة: 88) ولذلك نقرأ في كتاب الله أن المجاهد مأجور على كل شيء، فهو مأجور على جوعه وعطشه ونصبه ونفقته.. قال تعالى: «ذلك بأنهم لا يُصيبهم ظمأ ولا نَصَبٌ ولا مخمصةٌ في سبيل الله ولا يطأون موطئا يغيظ الكُفّار ولا ينالون من عدوّ نيلا إلا كُتب لهم به عملٌ صالح. إن الله لا يضيع أجر المحسنين . ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا إلا كُتِب لهم ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون» (التوبة: 121/120). وهكذا الأمر كلما كان العمل الخيري متعلقا بمنفعة عامة للمسلمين كان أجره وثوابه عظيما، ومن ذلك ما يتعلق بشؤون الدعوة ونشر العلم ولهذا لما نقل المحقق ابن القيم حديث عائشة رضي الله عنها: «فضل العلم خير من نفل العمل». قال: «وهذا الكلام هو فصل الخطاب في المسألة، فإنه إذا كان كل من العلم والعمل فرضا فلابد منهما كالصوم والصلاة، فإذا كانا فضلين ففضل العلم ونفله خير من فضل العبادة ونفلها، لأن العلم يعم نفعه صاحبه والناس معه، والعبادة يختص نفعها لصاحبها ولأن العلم تبقى فائدته» (مفتاح دار السعادة، 119/1)، ومن ذلك ما جاء في فضل بناء المساجد وما يلحق بها كالمدارس العلمية والمستشفيات والخيريات والقناطر والسدود وكل ما يتعلق بالصالح العام، وفي الحديث الذي رواه ابن ماجه وابن خزيمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته: علما علمه ونشره وولدا صالحا تركه أو مصحفا ورثه أو مسجدا بناه أو بيتا لابن السبيل بناه أو نهرا أجراه أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته. وأما السنة المطهرة فقد حفلت بعشرات الأحاديث التي تشيد بالمنفقين وتبين حسن عاقبتهم عند الله، ومن هذه الأحاديث ما هو عام في فضل الإنفاق، ومنها ما هو خاص بفضل عمل خيري معين، ومن ذلك ما جاء في فضل النفقات المفروضة، وهي أفضل أنواع القرض الحسن وأزكاها عند الله، وقد جاء في الحديث القدسي الذي رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله عز وجل: «ما تقرّب إلي عبدي بشيء أحبّ إليّ مما افترضته عليه» ومن هنا عظم فضل الزكاة على الصدقة، روى أحمد بإسناد جيد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «أتى رجل من بني تميم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يارسول الله إني ذو مال كثير وذو أهل فأخبرني كيف أصنع؟ وكيف أنفق؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تخرج الزكاة من مالك فإنها طهرة تطهرك وتصل أقرباءك وتعرف حق المسكين والجار والسائل». وأما الصدقات غير المفروضة فلا تقل شأنا عن المفروضة، روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل البخيل والمتصدق كمثل رجليْن عليهما جُنتان من حديد، قد اضطرت أيديهما إلى ثدييهما وتراقيهما، فجعل المتصدق كلما تصدق بصدقة انبسطت عنه حتى تغشى أنامله وتعفو أثره وجعل البخيل كلما هم بصدقة قلصت وأخذت كل حلقة بمكانها». قال أبو هريرة: فأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بإصبعه هكذا في جيبه يوسعها ولا تتسع. وخرج الطبراني بإسناده عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الصدقة لتطفئ عن أهلها حرّ القبور، وإنما يستظل المؤمن في ظل صدقته» وخرج أيضا بإسناده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل ليدخل اللقمة من الخبز وقبصة التمر ومثله مما ينتفع به المسكين ثلاثة الجنة: رب البيت الآمر به، والزوجة تصلحه والخادم الذي يناوله المسكين»، ومن الأحاديث الخاصة في فضل بعض الأعمال ما جاء في فضل كسوة العارين وإطعام الجائعين وإرواء العطشى، روى أبو داود والترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أيما مسلم كسا مسلما ثوبا على عري كساه الله من خضر الجنة، وأيما مسلم أطعم مسلما على جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، وأيما مسلم سقى مسلما على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم». روى مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، «ما من مسلم يغرس غرسا إلا كان ما أكل منه له صدقة، وما سرق منه له صدقة ولا يرزؤه أحد إلا كان له صدقة إلى يوم القيامة»، وفي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، وأحسبه قال: وكالقائم لايفتر وكالصائم لايفطر». وروى أحمد بسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من ضم يتيما من المسلمين في طعامه وشرابه حتى يستغني وجبت له الجنة». ومن أنواع القرض الحسن الذي يثاب صاحبه أحسن الثواب: إنظار المعسر أو إقالته عند الشدة أو إعفاؤه من الدين إذا عجز عن سداده، قال تعالى: (وإن كان ذو عُسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدّقوا خير لكم إن كنتم تعلمون) البقرة: 280)، وروى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أنظر معسرا أو وضع له أظله الله يوم القيامة تحت ظل عرشه يوم لاظل إلا ظله». وكلمة «وضع له» تعني إقالته من الدين مطلقا» أو إسقاط جزء منه حسب الاستطاعة. ومن أفضل أنواع القرض الحسن ما ينفقه الرجل على أهله وعياله، وما يصل به أقاربه وجيرانه وخدمه وأصحابه، وفي الحديث الذي رواه ابن خزيمة والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم، عن أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح» وروى الطبراني بإسناد حسن عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أنفق على نفسه نفقة يستغن بها فهي صدقة، ومن أنفق على امرأته وولده وأهل بيته فهي صدقة». ضوابط القرض الحسن: إن للقرض الحسن شروطا لايتحقق إلا بها، يدور معها وجودا وعدما، وآثاره ومقاصده الأخروية والاستخلافية معلقة بها، فالإنفاق والعطاء في نظر الإسلام لايكون قرضا حسنا إلا إذا استجمع شروطا باطنية في المعطي وشروطا ظاهرة في الآخذ، وفي طريقة الأخذ والعطاء معاً، وكل ذلك يرجع في الأصل إلى الإرادة والقصد، فمن كانت إرادته معلقة بالله عز وجل، وكان مراده أداء حقوق غيره من المسلمين والمسلمات، والمساهمة في بناء أمة قوية ومتماسكة، فلابد أن يسلك مسالك آمنة ومضمونة في سبيل ذلك، ومن كان قصده لايروم هذا فهو في حل تام من ذلك، وعبارة (القرض الحسن) تدل بمفهوم اللقب أن هناك قرضا غير حسن، وهو العطاء الذي اختلت شروطه، وانخرمت ضوابطه، فليس لصاحبه إلا مانواه من عطيته قال تعالى: (مثلُ ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صرّ أصابتْ حرث قومِ ظلموا أنفسهم فأهلكته وما ظلمهم الله ولكنْ أنفسهم يظلمون) (آل عمران: 117). قال القرطبي رحمه الله نقلا عن بعض السلف في تفسير قوله تعالى من سورة الحديد: (من ذا الذي يُقرضُ الله قرضاً حسنا فيُضاعفه له وله أجرٌ كريم) (الحديد: 11) قال الكلبي (قرضا) أي صدقة (حسنا) أي محتسبا من قلبه بلا منّ ولا أذى، وقال زيد بن أسلم: هو النفقة على الأهل، وقال الحسن: التطوّع بالعبادات، وقيل: إنه عمل الخير، وأوسع هذه الأقوال وأعمها ما قاله القشيري رحمه الله: القرض الحسن: أن يكون المتصدّق صادق النية طيب النفس، يبتغي به وجه الله دون الرياء والسمعة، وأن يكون من الحلال. ومن القرض الحسن ألاّ يقصد إلى الرّديء فيخرجه لقوله تعالى: (ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون) (البقرة)، وأن يتصدق في حال يأمل الحياة فإن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أفضل صدقة فقال: «أن تعطيه وأنت صحيح جشع تأمل العيش ولا تمهل حتى إذا بلغت التراقي قلت لفلان كذا ولفلان كذا» رواه الشيخان. وأن يخفي وصدقته، لقوله تعالى (وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفّرُ عنكم من سيّئاتكم والله بما تعملون خبير) (البقرة : 271).