بعد التعديل الدستوري، والتصويت ب«نعم» على الدستور الحالي في الاستفتاء بنسبة فاقت 98 في المائة، ينتظر المواطنون والفاعلون تنزيلا جيدا لمضامين الدستور وحسن تأويل بنوده، حتى يلبي طموحات مختلف شرائح المجتمع، وأجمع عدد من الخبراء، على أن الدستور الحالي يقدم تصورا جديدا يلائم التوجهات العصرية للدول الديمقراطية ويحتاج إلى تنزيل سليم. أكد محمد زين الدين أستاذ القانون الدستوري، أن الدستور الحالي جعل المجتمع المدني فاعلا أساسيا بخلاف الدستور القديم الذي لم يكن فيه حديث عن المجتمع المدني لا من قريب ولا من بعيد، وأضاف أن الدستور يترجم التوجه الجديد في الدساتير البرمجاتية التي تبنى على الديمقراطية التشاركية، أي إشراك المجتمع كفاعل رئيسي في علاقته مع الدولة. يتجلى ذلك، في الفصل 12 من الدستور الذي ينص «تساهم الجمعيات المهتمة بقضايا الشأن العام، والمنظمات غير الحكومية، في إطار الديمقراطية التشاركية، في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، وكذا في تفعيلها وتقييمها. وعلى هذه المؤسسات والسلطات تنظيم هذه المشاركة، طبق شروط وكيفيات يحددها القانون». كما أن نفس الفصل يؤكد على ضرورة أن يكون تسيير هذه جمعيات المجتمع المدني مطابقا لمبادئ الديمقراطية. واعتبر زين الدين في تصريح ل»التجديد»، أن الدساتير البرمجاتية ( الجيل الجديد من الدساتير ) تعرف حضورا متميزا للمجتمع المدني شريكا للدولة بالنسبة للمؤسسات الدستورية، وشريكا على مستوى وضع الاستراتيجية التنموية وعلى مستوى الصياغة، ثم على مستوى تفعيل السياسات العمومية. وكشف المتحدث، أن الدستور الحالي يقدم التدبير الإجرائية والمقتضيات القانونية، ويؤسس مؤسسات من أجل بلورة هذه المقتضيات، وقال إن الدستور يضع نصا يسايره إطار مؤسساتي كالمجلس الوطني للشباب والعمل الجمعوي. وأفاد زين الدين، أن الدستور الحالي كما هو الشأن بالنسبة للدساتير الديمقراطية، جعل المجتمع المدني فاعلا أساسيا على مستوى المشاركة في التشريع، من خلال إتاحته للمواطن إمكانية تقديم عرائض إلى المحكمة الدستورية –لأول مرة- من أجل النظر في إلغاء القوانين التي تتعارض مع مصالحه وتوجهاته. فالفصل (14) من الدستور ينص «للمواطنين والمواطنات، ضمن شروط وكيفيات يحددها قانون تنظيمي، الحق في تقديم اقتراحات في مجال التشريع»، كما ينص الفصل (15) على أن للمواطنين والمواطنات الحق في تقديم عرائض إلى السلطة العمومية، ويحدد قانون تنظيمي شروط وكيفيات ممارسة هذا الحق. وإلى جانب تقديم الدستور لمجموعة من المقتضيات القانونية التي تتيح إشراك المجتمع المدني، على مستوى التشريع وعلى مستوى التقدم بمقترحات إلى البرلمان وتقديم عرائض على بعض القوانين، كما ينص على ذلك الفصل (13) «تعمل السلطات العمومية على إحداث هيئات للتشاور قصد إشراك مختلف الفاعلين الاجتماعيين في إعداد السياسات العمومية وتفعيلها وتقييمها»، والفصل (139) الذي جاء فيه «تضع مجالس الجهات، والجماعات الترابية، آليات تشاركية للحوار والتشاور، لتسيير مساهمة المواطنات والمواطنين والجمعيات في إعداد برامج التنمية وتتبعها، ويمكن للمواطنات والمواطنين والجمعيات تقديم عرائض، الهدف منها مطالبة المجلس بإدراج نقطة تدخل في اختصاصه ضمن جدول أعماله». ينص الدستور أيضا، على مجموعة من الحريات الفردية والجماعية التي تدخل في اختصاصه كالحق في التنمية الذي أصبح حقا دستوريا، كما أكد زين الدين، أن الدستور الحالي يشدد في الفصل (36) على وضع مخطط للتنمية المحلية من طرف الجماعات المحلية يشرك المجتمع المدني بشكل إجباري كفاعل في إعداد المخططات. من جهة أخرى، يرى فاعلون وخبراء، أن التنزيل السليم لبنود الدستور المتعلقة بالمجتمع المدني، تنطلق أولا من تجاوز بعض المشاكل المتعلقة بعمل جمعيات المجتمع المدني حتى تستطيع مسايرة المقتضيات الدستورية، ودعوا إلى مأسسة الجمعيات التي تبلغ أكثر من 45 ألف جمعية وإعادة تحيينها، وإعادة النظر في ظهير الحريات العامة. ويطالب جمعويون، بأن يتم إشراك الجمعيات من طرف الجماعات كما ينص على ذلك الدستور في تنزيل المخطط، وذلك بناء على أسس واضحة تحترم مبدأ المساواة ومبدأ الشفافية والإسراع بخلق المجلس الوطني للشباب والعمل الجمعوي الذي سيتيح للشباب والمجتمع المدني مناقشة وإبداء الرأي في مختلف القضايا التي تهم البلاد. ويسود وعي بأن شريحة الشباب هي مركز الثقل السياسي زبدونها لا يمكن حصول أي تغيير مجتمعي في البلاد.