بعض أفلام حاولت أن تنشغل بقضايا"مؤمنة"،بكون البعد العالمي "يحتم"الاشتغال على تيمات مستمدة من "حرية" الجسد والدين الخ ،ونقدم هنا بعض النماذج،مثل فيلم ماروك لليلى المراكشي وملائكة الشيطان لأحمد بولان،وجناح الهوى للعراقي واكس شمكار لفريطس وحجاب الحب للسالمي الخ. إذا كانت بعض العينات المستخرجة،قداعطتنا فرصة مشاهدة الذات على الأقل في نقلها لبعض المكونات المميزة لهذه الذات، كالفضاء المعماري، والموسيقى، والألبسة، ونمط العيش الخ،المميزة لهذه الذات،ولو بشكل يوحي أن هذه العناصر لم تصل في الكثير من الأعمال المقدمة إلى عناصر/شخصيات،ذات وظيفة جوهرية في الصورة المقدمة،لكنهاعلى الأقل توحي بكونها نهلت من هذه المادة المحلية المغربية،في أفق"تسويقها"،للمشاهدة المولدة،إلى حد ما،نوعا من تلذذ متع الذات عبر تجلياتها الفضائية والموسيقية والروحية والفنية بشكل عام. إن البحث في صورة أي ذات،بشقيها المادي والمعنوي،يحيل فورا على سؤال"الهوية"ككل،سؤال من الصعب أن نجد له بعض التحديدات المفاهيمية المبسطة والسهلة،نظرا لارتباط ثقافة المفاهيم بحقول معرفية وعلمية إنسانية متداخلة ومتشابكة،لكن هذا لاينفي إمكانية استخراج بعض العناصر التي تحضر بشكل أو بآخر في بعض التعريفات والمرجعيات الفكرية والفلسفية والعلمية التي شغلت مفهوم الهوية.عناصر أشرنا الى كونها وفي معظمها شغلت كمكونات/وسائل، لخدمة تيمات أو قضايا أخرى،مع وجود بعض الحالات القليلة والتي أومأنا اليها سالفا،مما يبين لنا وبالملموس ما ينتظر السينما المغربية من جهود ينبغي بذلها من أجل الاشتغال على هذه المحلية المغربية التي تشكل مادة خصبة وذات بعد تخييلي،محلية من الممكن أن نلج بها هذه العالمية المنشودة،في ظل عولمة لا يمكن الإمساك ببعض عناصرها،والتحكم فيها،بل والبحث عن مكانة داخلها،إلا من خلال المرور إليها عبر هذه المحلية التي عادة ماتقدم بشكل "مفلكلر"،ربما بغية البحث عن قبول الآخر لهذه الأعمال ودعمها،وفق رؤية لا تخلو من كونها لا زالت محافظة على كون الجنوب ككل،هو عالم "غرائبي" بالمفهوم القدحي وليس بالمفهوم السردي/الجمالي.انجراف وقعت تحته بعض الأفلام المغربية والتي ساهمت في "تجريح"،هذه الذات،وتقديمها كأنها ذات خارج التاريخ،بل وكأنها جغرافية بدائية متخلفة ومحاصرة لشروط التقدم والازدهار. إذا كانت السينما ككل،ترتبط في نظر العديد من المنظرين والنقاد والمتخصصين،هي ثلاثة مستويات فنية في المعالجة ذات بعد تراتبي،على مستوى القدرة في التحكم الفني،وهي (الوصف والحكي والحلم)،فإن العديد من الأفلام المغربية لا زالت في حدود الوصف،أي محاولة تصوير ما هو موجود،والقليل هو من استطاع الانتقال الى الاشتغال على هذا الواقع كحكاية،والقليل القليل من استطاع الوصول إلى لغة الحلم.إن قول الواقع كما ننظر اليه،لايعني أبدا أننا أمام لغة سينمائية قادرة على جرنا للمشاهدة والمتابعة والتذوق الفني المساهم في إعادة صياغة تصوراتنا ورؤانا لذواتنا وللعالم ككل،بل لو كان هذا هو المقصود ليس من السينما،بل الفنون ككل،لكانت المحاكم وأمكنة أخرى،الفضاءات الأكثر تمثيلية لهذا الواقع الذي نشاهده،أقصد لو كان المقصود من السينما مثلا نقل ما يقع في المجتمع من عنف مادي أو ظلم في حق النساء الخ، لكانت الوجهة المفضلة لنا كمشاهدين، هي الذهاب الى بعض المحاكم المحتضنة لهذه الملفات الاجتماعية لانها أكثر"واقعية"و"طراوة"، مما نشاهده في بعض أفلامنا،والتي يبرر أصحابها موضوعاتهم، بكونها موجودة في الواقع.وربما هذا ما ساهم،في اعتقادي،في دفع العديد من المخرجين الى البقاء في رقعة نقل هذا الواقع،ومن تم، راحوا يبحثون عن أعنف القضايا التي تهز المجتمع بين الفينة والأخرى،إيمانا منهم،بأنها القضايا الوحيدة التي ستجر المشاهد إلى الشباك،ونسينا بهذا، مجموعة من الوظائف/المهام التي على الفن ككل،والسينما على وجه الخصوص،أن تلعبه، والمحدد في ضرورة السمو بذوق المشاهد،ومساعدته على تطوير قدراته الثقافية والفنية والجمالية،مما يجعلنا "نربح"،مواطنا متبصرا/حالما بما هو أجمل. صحيح،أن هذا النقاش سيجرنا إلى ما هو أعمق، خصوصا وأن مقولة(الجمهور عايز كذا)،مقولة لا تخلومن حمولات معيارية تبسيطية للفن.هنا نقولها بصريح العبارة دون الاختباء وراء لغة الاستعارة،إن دور الدولة هنا ينبغي أن يكون حاضرا في دعم الأعمال السينمائية،ذات الحمولة الثقافية والفنية والتاريخية والاجتماعية التي تساهم في حق المشاهد في أن يطور رؤاه وتصوراته وأحلامه وأذواقه الخ،دون ممارسة أي محكمة تفتيش في حق من يريد غير هذا" شريطة "،أن لا يساهم في تدمير كل تلك القيم الفنية والجمالية والانسانية والروحية والثقافية التي تشكل قاسما مشتركا بين الناس وفق رؤية تحترم الانسان كإنسان في كينونته الإنسانية.دليلي في هذا الانجراف وراء البحث عن تدمير هذه الكينونة لدى البعض طبعا،هو"ركوب المقولة" السابقة بل أصبح البعض 'يتصيد' الفرصة لموضوع ما،من أجل خلق نقاش إعلامي مغشوش حول عمله، ومن تم وضع عمله في "كفة" الحرية ولمن يرفض عمله في "كفة" اللاحرية. إن الاختباء وراء هذه "اللعبة" غير الفنية والثقافية، خندقت البعض في خانة البحث عن تيمات لا فنية ولا ثقافية ولا تشكل حتى وإن وقعت في المجتمع هواجس الناس ككل،مما جعل بعض أفلامنا ملتصقة بجزئيات مجتمعية،لا تشكل في الغالب الأعم إلا ذلك الاجترار لما قد وقع،بل هو في أحسن الحالات وصف/ تصوير "ناجح" لما حدث،والانغماس في( وهم نجاح الفيلم من نجاح الموضوع المطروح). على سبيل التركيب لقد كانت الغاية من هذا القول،أن ننخرط في نقاش يرتبط بمكون من مكوناتنا الثقافية والفنية والانسانية ،ويتعلق الأمر هنا، بالسينما، وماقدم من خلالها،من تصورات/قيم تخص هذه الذات المغربية التي اعتبرناها لا تخلو من محلية ثقافية وفنية واجتماعية وروحية وانسانية،دون نسيان أنها ذات تتقاطع وتتداخل مع ما يجري من حولها من تحولات وثقافات بشرية متعددة.لقد حاولنا قدر المستطاع النبش في مسار ما قدم من أفلام مغربية، منذ البداية في أفق استخراج بعض العناصر الممثلة لهذه الذات، وتبين لنا أن العيد منها شغل بعض العناصر المرتبطة بالفضاء أو الموسيقى أو اللباس الخ، ضمن رؤية/إخراجية معينة،جعلت من هذه العناصر مجرد وسائل لخدمة قضايا أخرى ترتبط بالفيلم،وليس كتيمات تم إحضارها للتفكير فيها ولتحويلها الى شخصيات/وظائف فنية وجمالية. وقد استخلصنا ذلك وفق جرد عام للعديد من الأفلام المغربية منذ مرحلة نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات،لنستنتج،أن بعضها يستحضر بين الفينة والأخرى بعض العناصر المحددة لطبيعة هذه الأنا المغربية،والبعض الآخر اصطلحنا عليه بتجريح الذات المغربية،كذات يتم" فلكلرتها"،بشكل أو بآخر،في ظل تصورات وغايات مادية بينا بعض مكوناتها سالفا. إن الغاية من حديثنا هذا،هو مجرد رغبة في خلق نقاش، على هامش ما ما يقدم من أفلام مغربية،من موقع المحب لثقافة الصورة ككل.فإلى أي حد يمكن ان نبني نقاشا معرفيا علميا،من الممكن أن يساهم في تلمس سينمانا المغربية لرؤى ثقافية وفنية وجمالية حالمة ومولدة لمعان جديدة؟. مراجع للتوسع في الموضوع : 1/ السينما المغربية فيلموغرافية عامة /الافلام الطويلة، منشورات المركز السينمائي المغربي 2/ المهدي المنجرة : قيمة القيم ، ط 2007 3/ سالم يفوت : مجلة فكر ونقد ، ع 11 ، شتنبر 1998 4/ د.الحبيب ناصري : جماليات الحكي ، مطبعة عين أسردون بني ملال ط 1 ، 2004 5/ مجلة عوارف : جماليات الروح ع 3 6/ وليد شميط : السينما العربية والتراث : مجلة الوحدة ع 24 ، 1996 7/ جعفر علي : فهم السينما ، الدراما ، منشورات عيون، ط 2 دار قرطبة البيضاء 1990 8/ محمد مصطفى القباج : مقاربات في الحوار والمواطنة ومجتمع المعرفة، منشورات دار ما بعد الحداثة ط 1 ، 2006 9/ د. مذكور ثابت : ألعاب الدراما السينمائية ، مكتبة الأسرة 2001.