يشكل الفن مدخلا أساسيا،لفهم الذات الفردية و/أو الجماعية، فهم من الممكن أن يساعدنا في استخراج مجموعة من العناصر المميزة لطبيعة هذه الذات،من خلال طبيعة تفكيرها ورؤيتها لذاتها وللآخر. من هنا تأتي أهمية البحث في بعض الأشكال الفنية،الناهضة والفاسحة المجال أمام من يمتلك عدة منهجية قادرة على تفكيك هذه المتون الفنية،عوض» القراءات»الانطباعية،المهيمنة على العديد من المنابر، والتي وبكل صدق نؤكد على أهميتها الإخبارية في التعريف ببعض مكوناتها. البحث في السينما المغربية كمكون فني وثقافي وإنساني، شكل من أشكال البحث في طبيعة، وانشغالات وهموم وتمثلات هذه الذات التي سنحدد طبيعتها المفهومية لاحقا. نقول هذا الكلام ونحن نعي طبيعة التراكم الكمي الذي حققته السينما المغربية منذ بدايتها مع شيخ السينما المغربية المرحوم محمد عصفور، كبداية زمنية لتجربة السينما المغربية، وصولا إلى ما بدأت تحققه هذه السينما اليوم،من تطورات كمية وكيفية،ساهمت إلى حدود مهمة في خلق نقاش إعلامي وثقافي حول طبيعة المعالجة الفنية والمضمونية للقضايا المتناولة،في ضوء «التحولات» التي يعرفها المجتمع المغربي،سواء على مستوى الفعل السياسي أم الاجتماعي أم الثقافي أم الفني الخ. سنحاول ووفق الإطار المحدد سالفا،أن نبحث في طبيعة تعامل السينما المغربية،مع بعض المكونات الثقافية والحضارية للإنسان المغربي، باعتباره ذاتا لها كينونتها الخاصة والمتفاعلة مع بقية الكينونات الأخرى من أجل هذا نسلك المراحل التالية. تحديدات مفاهيمية يشكل العنوان المقترح،هنا،مدخلا أساسيا في اعتقادي للإجابة عن السؤال المطروح سالفا،مما يستوجب معه تحديد مكوناته،لأنها ستشكل في اعتقادنا عنصرا أساسيا في الكشف عن جزء مهم مما نسعى إليه في موضوعنا هذا. صورة.. أي الشكل الفني الأيقوني،لاكتمال المفهوم أو جزء منه،حينما نطرح مفهوم الصورة نطرحه من موقع الوعي به كشكل من أشكال الكتابة،الهادفة إلى تحديد رؤية ما،قابلة للفهم والتفسير والتأويل، الصورة لحظة زمنية ضوئية،تريد بشكل أو بآخر،الإمساك أو القبض على زمكان ما، يؤطر حدثا ما، وفق تشغيل فني، وجمالي يحقق لذة ما،للمتفرج، ومن تم،خلق كتابة ثانية على هامش الكتابة الضوئية الأولى. الأنا. والمقصود بها هنا تلك الذات المغربية،المتجلية في محليتها،والناهضة على مجموعة من المرجعيات الثقافية والفنية والتاريخية والاجتماعية والروحية والإنسانية، دون فصلها عن تفاعلها وتقاطعها مع بقية الكينونات الأخرى. السينما المغربية. مكون فني وثقافي من الممكن التعامل معه، كخطاب،كمتن،أصبحت له العديد من العناصر المشكلة، خصوصا وأن هذا الشق التعبيري الفني المغربي قد بدأ يحقق مجموعة من التراكمات، خصوصا في الفترة الأخيرة، ومع صندوق الدعم الذي ساهم في التمويل الرئيسي لمعظم الأفلام المغربية، إن لم نقل كلها.السينما المغربية، إذن،ومن الناحية الزمنية، قد تجاوزت الخمسين سنة،بأربع سنوات،فترة زمنية،من شأنها أن تعطي للباحث،كافة الإمكانات «البحثية» العلمية، في أفق الاشتغال على العديد من التيمات،والمكونات المتعددة. كل هذا من أجل الكشف عن طبيعة المفكر واللامفكر فيه في هذا الشكل التعبيري/الفني،الذي بدأ يستقطب العديد من المهتمين والباحثين والاعلاميين لتتبع جديده وقضاياه، بل أحيانا يتم تحويل العديد من أوجه «الصراع» السياسي/الديني/الثقافي،الى هذا الفن السابع الذي لا يخلو هو الآخر من تمريرات،لغوية أو أيقونية،تتموقع أحيانا ضمن هذه الخانة أو تلك. ما المقصود،إذن بهذا الموضوع/ السؤال التالي. كيف قدمت الأفلام المغربية، المغربي، هل استطاعت هذه الأفلام الاشتغال على هذه»الذات» في ضوء حاجياتها الاجتماعية والثقافية والفنية والجمالية،وفق خصوصية هذه الذات المغربية ذات البعد المميز لمحليته المنفتحة على ما يجري حولها؟،أم أنها أفلام، تسير وفق رؤى مستمدة من «معايير» مستمدة في معظمها من طبية ذات الآخر؟ أم الأمر هو جمع بينهما؟ أم ماذا؟؟ إن المتتبع لمسيرة ما قدم من أفلام مغربية من الممكن استخلاص الخلاصات التالية، كخلاصات في ضوئها نقدم بعض العناصر المفسرة والمحللة لما طرحناه في التحديدات السالفة الذكر. أ) أفلام راهنت على ما يميز الهوية المغربية، وفق مجموعة من الخصوصيات المميزة، لهذه الذات المغربية، أي أنها أفلام، نهلت مادتها السينمائية، إن على مستوى المادة الحدثية أو الفنية، إلى حد ما، من مجموعة من المكونات الثقافية والروحية والاجتماعية الخ، المفسرة لطبيعة الإنسان المغربي، ويمكن إدراج هذه الأفلام في خانة الأفلام المغربية، ذات النكهة المغربية،أفلام جعلت المتفرج المغربي،يتفاعل مع هذا الصنف الفيلمي،بل هي أفلام تمكنت، إلى حد ما، من أن تقدم للآخر،مجموعة من العناصر الفنية، مما جعلته يتلقى فعلا سينمائيا يجعله يوقف أحيانا الزمن الفيلمي،ليستحضر زمنه الشخصي،في أفق تحقيق «لذةما»،يمكن هنا أن نموقع بعض الأفلام المغربية، في هذا الصدد من :قبيل «عندما تنضج الثمار» لعبد العزيز الرمضاني والعربي بناني سنة 1968 وشمة لحميد بناني سنة 1970 و«ألف يد ويد» لسهيل بنبركة سنة 1972 و«غدا لن تتبدل الأرض» لعبد الله المصباحي سنة 1975 و«الشركي» لمومن السميحي سنة1975 و«عرس الدم» لسهيل بنبركة سنة 1977 و«أرماد الزريبة» للعربي بالعكاف وسعد الشرايبي ومصطفى الدرقاوي ونورالدين كونجار وعبد القادر لقطع سنة 1979 وفيلم «اليام اليام» لأحمد المعنوني سنة 1978 ثم «السراب» لأحمد البوعناني سنة 1979 و«تاغونجة» لعبدو عشوبة سنة 1980 والحال لأحمد المعنوني سنة 1981 و«ابن السبيل» لمحمد عبد الرحمان التازي سنة 1981 أو «أسطورة الليل» لمومن السميحي سنة 1981 و»خطوات في الضباب» لحميد بن الشريف سنة 1982 و«حلاق درب الفقراء» لمحمد الركاب سنة 1982 و«بامو» لإدريس المريني سنة 1983 و«نهيق الروح» لنبيل لحلو سنة 1984 و«باب السماء مفتوح» لفريدة بليزيد سنة 1987. هذه مجموعة من الأفلام منذ مرحلة الستينيات والى حدود مرحلة الثمانينيات،مادة فيلمية حضرت فيها بعض العناصر الممثلة لطبيعة أو صورة الأنا المغربية سواء على مستوى الألبسة أو الفضاءات الداخلية أو الخارجية أو الموسيقى أوطرق العيش الخ،لقد حاولنا جرد هذه الأفلام خلال هذه المرحلة،دون نفي لوجود أخرى من الممكن أن نجد فيها بعض العناصرالممثلة لصورة الأنا سواء في بعدها التاريخي مثل فيلم أرض التحدي لعبد الله المصباحي، والمقاوم المجهول للعربي بناني وأوشتام لمحمد اسماعيل وعطش لسعد الشرايبي وأركانة لحسن غنجة وعشاق موغادور لسهيل بنبركة وعود الورد للحسن زينون وفين ماشي يا موشي لحسن بنجلون وخربوشة لحميد الزوغي، بالإضافة الى إمكانية استخراج أفلام أخرى ذات طبيعة سياسية و/ أواجتماعية مثل فيلم البحث عن زوجة إمرأتي لعبد الرحمان التازي،ومبروك لادريس شويكة وضفائر لجيلالي فرحاتي والسر المطروز لعمر الشرايبي وطيف نزار لكمال كمال وألف شهر لفوزي بنسعيد وعبد الرحمان التازي في جارات أبي موسى وخيط الروح لحكيم بلعباس وجوهرة لسعد الشرايبي ويقظة لمحمد زين الدين ودرب مولاي الشريف لحسن بنجلون والراقد لياسمين كساري وتينجا للحسن لكزولي والعايل لمومن السميحي، الخ من الأفلام التي من الممكن أن نجد فيها بعض العناصر الممثلة بشكل أو بآخر لطبيعة هذه الذات المغربية،لكنها عناصر من الصعب أن نجدها جد متكاملة وفق رؤية مضمونية وشكلية، في كل هذه الأعمال المقدمة، إلا في الجزء القليل منها ونخص هنا بالذكر، أفلاما من قبيل الحال والراقد وخيط الروح والبحث عن زوج امراتي وفيلم حكيم بلعباس الوثائقي الأخير أشلاء الذي يمكن اعتباره،واحدا من أبرز هذه الأعمال،حيث حضور هذه الذات المغربية،من خلال العديد من التجليات الكاشفة لطبيعة المعيش اليومي العائلي المغربي،عبر كل امتداداته الاجتماعية والثقافية والفنية،تجليات مخلخلة للواقع، باحثة عن لحظة ألم/أمل،مما أعطى لهذه الأعمال نكهة محلية،ممتلكة لقدرة الانتقال إلى ما هو أبعد،أي البعد العالمي،في بعده الإنساني/الثقافي. ناقد سينمائي ومدير المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بخريبكة