تساءلت في مقال سابق منتصف شهر سبتمبر الماضي، لماذا لا نجرب الإسلاميين؟ اليوم وقد صاروا على رأس الحكومة في تونس والمغرب ومرشحين لذلك في ليبيا ومصر، وربما في بلدان عربية أخرى كاليمن والأردن في حال أجريت فيها الانتخابات بشكل ديمقراطي وشفاف، باتوا على محك الاختبار والامتحان. بالطبع لا يمكن إغفال حقيقة أن السياق السياسي والمعطيات التي أحاطت بوصول حزب العدالة والتنمية في المغرب مختلفة تماما عن تونس، وهي مختلفة بالتأكيد عما يجري بمصر وليبيا، ذلك لأن فوز إسلاميي العدالة والتنمية جاء كتعبير واضح وصريح عن رغبة المغاربة في التغيير والإصلاح ومحاربة الفساد في إطار الاستقرار، وفي ظل مَلكِية لها شرعية تاريخية ووطنية ودينية جعلت الملك محمد السادس يقدم بشجاعة على طرح إصلاحات دستورية في غمرة الربيع العربي، في حين جاء فوز حركة النهضة بتونس بعد ثورة أسقطت نظام بن علي، ويأتي الفوز المنتظر بالأغلبية للإسلاميين في الدورة الثالثة من الانتخابات التشريعية في مصر بعد سقوط حسني مبارك. لكن هذا الاختلاف المهم في سياق الصعود الانتخابي للإسلاميين في المنطقة العربية، لا ينفي أن التحدي المطروح عليهم يكاد يتشابه، وهو كيف سيحولون شعاراتهم والوعود إلى حقائق ملموسة على الأرض؟ وهل سيستطيعون الوفاء بها؟ أم أن ثمة عوائق ستحول دون ذلك وستضطرهم لتعديل خطابهم وخفض سقف الانتظارات أو الإنجازات التي يمكن تحقيقها؟ أم أن هناك عوائق ذاتية ستكون هي الأخرى مشكلة وعائقا في تفاعلهم مع طموحات مجتمعاتهم؟ فيما يخص المغرب لن يكون الأمر بتلك الحدة، لأن الملفات الكبيرة يكاد يكون عليها إجماع بين كل الفاعلين السياسيين بضرورة النجاح في معالجتها، وعلى رأسها محاربة الفساد وتحقيق التنمية الاقتصادية ومحاربة البطالة، وسيكون التنزيل الديمقراطي لفصول الدستور الجديد، خاصة فيما يتعلق بصلاحيات الحكومة ورئيسها وربط المسؤولية بالمحاسبة، وصلاحيات البرلمان والمعارضة، ودور الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني أحد العناوين الكبرى للنجاح في العملية الإصلاحية دون أن يعني هذا أن الطريق مفروشة بالورود لحزب العدالة والتنمية، لأن «خصومه» الأيديولوجيين يترصدون له في الصغيرة والكبيرة فيما يتعلق بالسياسة الثقافية والفنية وقضايا حقوق الإنسان، وهم الذين لا يربطون ذلك برأي عموم الشعب المغربي في تلك القضايا، بل ينطلقون من مرجعيتهم وفهمهم لتلك القضايا من قبيل ما يسمى بالحرية والحقوق الفردية ومفهوم الجرأة في الفن وحرية التعبير. وقد بدأت مناورات من يصفون أنفسهم ب«الحداثيين والديمقراطيين» منذ الآن في إثارة البلبة من خلال نفوذهم الإعلامي، بإثارة تخوفات من حزب العدالة والتنمية ينطلق أغلبها من أوهام لا علاقة لها بانتظارات المغاربة ولا طموحاتهم. ثم إن هناك عنادا منتظرا و «ومقاومة» من المستفيدين من الريع الاقتصادي والفساد الإداري، ممن تهدد الشفافية والنزاهة والوضوح مصالحهم ومكاسبهم. وفي تونس ستكون معركة الإسلاميين في شخص حركة النهضة العمود الفقري للحكومة التونسية مع أيتام بن علي من العلمانيين المتشددين وغيرهم، وبقايا نظامه في الإدارة وفي مجال الاقتصاد، فضلا عن المعركة مع البطالة والتنمية الاقتصادية. وأتصور أن للإسلاميين في المغرب كما في تونس مع ضرورة مراعاة الاختلاف في السياق السياسي وحجم وطبيعة التحديات في البلدين عاملا مهما سيساعدهم في امتحان تدبير الشأن العام وتحمل المسؤولية الحكومية وقيادتها، نظرا لطبيعة توجههم الفكري والسياسي الوسطي والمعتدل وإيمانهم بقواعد اللعبة الديمقراطية واحترام الاختلاف والمخالف، وهو الأمر الذي ترجم في تمكنهم من التحالف مع أحزاب علمانية معتدلة واشتراكية وليبرالية لتشكيل الحكومة. أما الوضع في مصر فيبدو معقدا وغامضا ويطرح على الإسلاميين تحديات أكبر، لأسباب خارجية فرضها موقع مصر الجغرافي المحاذي للكيان الصهيوني، بما يعني ذلك من تدخلات أجنبية غربية وضغوط في تحديد بعض الاختيارات السياسية، خاصة على مستوى العلاقات الخارجية والموقف من ما يعرف بعملية «السلام»، الأمر الذي جعل زعيم حزب «النور» السلفي يفاجئ منتسبي الحزب والمتعاطفين معه قبل غيرهم بتصريحه بقبول اتفاقية «كامب ديفيد» وعدم النية في المساس بها. أما الأسباب الداخلية فمتعددة تتجاوز القضايا الاقتصادية والاجتماعية والتنموية إلى أسباب تتعلق بقدرة الإسلاميين نفسهم في شخص حزب الإخوان المسلمين «الحرية والعدالة» وحزب السلفيين «النور» على التعاون والتحالف في ظل الخلافات الشاسعة بينهما من جهة، ومدى القدرة على الانفتاح على باقي المكونات السياسية للبرلمان المقبل من جهة أخرى، خاصة في ظل غياب تجربة سياسية لدى السلفيين ووجود اختلافات داخلهم، وتمسك الإخوان بشعارهم التاريخي «الإسلام هو الحل»، والحاصل فإن الواقع يفرض كما قال العالم المصري فاروق الباز أن يتحول شعارهم إلى «العمل هو الحل»، لأن أمامهم عملا كبيرا وتحديات ضخمة للانتقال من شعار مبدئي يتجاوز العمل السياسي والحزبي إلى الحياة العامة والخاصة للمسلمين إلى شعار سياسي يتفادى فيه ربط الناس الفشل في عدم حل مشاكلهم وتحقيق احتياجاتهم في العمل والسكن والصحة ونظافة البيئة وحرية التعبير بالإسلام، لأن مقولة «الإسلام هو الحل» تعني أن الإسلام منهج حياة ورؤية شاملة للحياة والكون وليس شعارا انتخابيا وسياسيا.