أكد بن يونس المرزوقي أن فوز حزب العدالة والتنمية بانتخابات ال25 نونبر يرجع إلى كونه أنتج تدريجيا خطابا يعبر عن طموحات فئات واسعة من الشعب المغربي نتيجة الأوضاع التي تعيشها، ثم إلى طريقة عمله المبنية على سياسة القرب والوقوف إلى جانب الفئات الشعبية في مشاكلها اليومية. وشدد في حوار مع "التجديد" أن ارتفاع نسبة المشاركة في الاقتراع تعود إلى كون رئيس الحكومة أصبح يعين من الحزب السياسي الذي يتصدر نتائج انتخاب أعضاء مجلس النواب. وأضاف أنه رغم دسترة عدد واسع من أجهزة الحكامة (المجلس الوطني لحقوق الإنسان، مجلس المنافسة، هيئة مكافحة الرشوة،...) فإنه لم يتم الإشارة إلى قطاعات تعمل حاليا دون أي وضوح في وضعيتها، كالمندوبيات السامية، التي اعتبرها تعقد العمل الحكومي نتيجة علاقتها الغير الواضحة مع الحكومة ومختلف القطاعات الوزارية. ❍ حقق حزب العدالة والتنمية فوزا لافتا في انتخابات ال25 نونبر لم يسبق أن حققه حزب سياسي في التاريخ المغربي الحديث، هل كان ذلك متوقعا؟ ● أعتقد أن فوز حزب العدالة والتنمية، يرجع أولا إلى عوامل متعددة. فمن ناحية أولى يُمكن الحديث عن موجة تمر أمامنا دون أن ندركها، فالأمر يتعلق في البداية بالحراك العربي الذي سُمي ربيعا عربيا رغم أنه في جوهره ربيعا إسلاميا بامتياز. فقد لاحظنا أن النهضة الإسلامية أخذت أبعادا متزايدة لعب فيها المواقف التركية دورا مهما. لنتذكر كيف كان التأييد الشعبي لمواقف تركيا في محطات عديدة، حتى أن الشباب المغربي كان يرفع في تظاهراته شعارات مؤيدة لمواقف تركيا خاصة في مجال القضية الفلسطينية. ومن ناحية ثانية، فإن حزب العدالة والتنمية أنتج تدريجيا خطابا يُعبر عن طموحات فئات واسعة من الشعب المغربي نتيجة الأوضاع التي تعيشها، والتي اعتبرت أن الأحزاب الأخرى غير قادرة على تحقيقها. ومن ناحية أخرى، فإن طريقة عمل الحزب، المبنية على سياسة القرب، والوقوف إلى جانب الفئات الشعبية في مشاكلها اليومية، والدفاع عن ذلك بأسلوب واضح يدل على انحياز الحزب إلى قضاياها، جعل الهيئة الناخبة تعبر عن تعاطفها من خلال التصويت لصالحها. كما أنه في مثل هذه الحالات، يلعب التصويت العقابي ضد الأحزاب الأخرى دورا مهما في تضخيم حصة الحزب الفائز. لكل ذلك، أعتبر أن فوز العدالة والتنمية، كان متوقعا، خاصة وأن إدارته لاختيار المرشحين كانت موفقة، وأن الجديد كان في حجم هذا الفوز. وأكاد أقارنه بما وقع في تشريعيات 1997 اتجاه الاتحاد الاشتراكي الذي كانت رسالة الناخب واضحة وهي إحداث تغيير عميق في تسيير شؤون الدولة بما يستجيب لمطالب الهيئة الناخبة. يحدث الآن نفس الشيء أمام أعيننا، لكن بعمق أكبر وتعبئة أفضل. ❍ كيف تفسرون حصول حزب العدالة والتنمية على أكثر من مليون ونصف في اللائحة المحلية وحوالي مليون ونصف في اللائحة الوطنية؟ ● مسألة الحصول على هذا العدد الكبير من الأصوات، يدل على النضج الذي وصلت إليه الهيئة الناخبة. وهذه الأرقام، تدل أن التصويت لم يكن عشوائيا، وإنما تصويت واع، الهدف منه التصويت لصالح العدالة والتنمية كحزب، سواء على صعيد اللوائح المحلية أو على صعيد اللوائح الوطنية الخاصة بالنساء والشباب، وبالتالي هو رغبة في منح هذا الحزب الفرصة لتسيير الشأن العام. والملاحظ هنا أن تأثيرات الانتخابات الجماعية لسنة 2009، لا زالت مستمرة، خصوصا في جماعات حضرية كثيرة، ثم حرمان الحزب من تسييرها بتحالفات مصطنعة ضدا على رغبات السكان الذين صوتوا لصالح العدالة والتنمية لتسيير شؤون جماعتهم. ففي مدن كثيرة، لا زالت تحالفات 2009 لتشكيل هذه المكاتب المصطنعة تلقي بظلالها، وظهرت نتائجها في تقهقر رؤسائها إلى مراتب متأخرة. ❍ ماهي الأسباب وراء إقبال الناخبين على صناديق الاقتراع وارتفاع نسبة المشاركة إلى 45 في المائة مقارنة مع انتخابات 2007؟ ● ارتفاع نسبة المشاركة، يرجع لعوامل عديدة، أهمها التغيرات التي عرفها المغرب، والحراك الاجتماعي الذي أدى إلى تزايد الاهتمام بالشأن العام. فالتظاهرات الاحتجاجية للمعطلين من جهة، ثم لحركة 20 فبراير، فتحت المجال أمام فئات جديدة للاهتمام بأمور البلاد. كما أن الدينامية التي أطلقها الإصلاح الدستوري، والنقاش الواسع حوله كان له دور إضافي في استقطاب فئات جديدة لصندوق الاقتراع. وفي هذا الصدد، أعتبر أن مسألة كون رئيس الحكومة سيتم تعيينه من الحزب السياسي الذي يتصدر نتائج انتخاب أعضاء مجلس النواب، لعبت دورا مهما، لأنه لأول مرة، يُحس الناخب أنه سيكون هناك معنى لتصويته. فالإحباط من كون التصويت سابقا كانت لا تترتب عنه أي نتائج عملية، جعل الهيئة الناخبة هذه المرة، تُدرك أن الإصلاح الدستوري منحها فرصة ملائمة أكبر من تلك التي تتيحها الانتخابات الجماعية، حيث أن تعيين رئيس الحكومة يكون من قبل الملك، وبالتالي هناك ضمانات لعدم التلاعب بالنتائج. كما أن هذا المقتضى الجديد، جعل الأحزاب المتنافسة هذه المرة، تقوم بمجهودات أكبر على مستوى جلب الناخبين، وإحداث بداية تصالح بين الناخب وصندوق الاقتراع. ❍ ما هي سيناريوهات التحالف المطروحة أمام حزب العدالة والتنمية؟ ● مسألة السيناريوهات يجب أن تكون مبنية على تصور الحزب الفائز لتسيير الشأن العام، ويُمكن استنباط ذلك من خلال مختلف تدخلاته وانتقاداته لطريقة سير العمل الحكومي. وبناء على ذلك، فالعدالة والتنمية، الذي كان دائما يعتبر أن التحالف الحكومي القائم الآن هش ولا يسمح ببلورة سياسة حكومية واضحة، مدعو إلى إعطاء إشارات جديدة في هذا المجال، مبنية على التحالف مع أقل عدد ممكن من الأحزاب السياسية الأقرب إلى برامجه. وفي هذا الصدد، أعتقد أن العدالة والتنمية سيجد ضالته في الكتلة أساسا، سواء من ذلك الكتلة كهيئة بكل مكوناتها (الاستقلال، الاتحاد الاشتراكي، التقدم والاشتراكية)، أو حتى جزءا منها فقط (كاستبعاد التقدم والاشتراكية). إلا أن هذا السيناريو سيؤدي إلى نتائج سلبية على مستوى التوازنات المجتمعية، لأن الأمر سيتحول إلى تحالف للقوى الرئيسية القادرة على لعب دور المعارضة الحقيقية من جهة، وترك الشارع فارغا لقوى أخرى خارج الأحزاب المتبقية. وأقصد بذلك أساسا، حركة 20 فبراير التي لم تعد معالمها كحركة شبيبية واضحة نتيجة تحريكها من قبل حركات أخرى يمينية ويسارية. ولذلك، فرغم أن سيناريو تحالف العدالة والتنمية مع الكتلة هو الأكثر احتمالا، فإنه ليس بالضرورة هو الوحيد. فالعدالة والتنمية يتوفر على إمكانيات أخرى عديدة، أهمها الانتقاء داخل المشهد الحزبي. مثلا حزب من الكتلة وآخر من خارجه، أو حتى من خارج الكتلة. إن إدارة التحالفات، يجب أن تأخذ بعين الاعتبار ما ينتظره الشارع المغربي من تجديد، ولا أعتقد أن العدالة والتنمية قادر على إعطاء إشارات جديدة فقط بالأحزاب التي تسير الشأن العام الحالي. ❍ قياديي العدالة والتنمية يتحدثون عن تقليص في عدد الحقائب الوزارية، كيف تنظر إلى الأمر؟ ● الحديث عن تقليص عدد الحقائب، يجب فقط أن يكون مبنيا على تصور شمولي للعمل الحكومي. فقد جرت العادة في المغرب، نتيجة تراكمات وقعت منذ بداية الاستقلال، على أن الوزير يُسير قطاعا وزاريا معينا. وبالتالي فإنه في الواقع العملي، ينغمس الوزير في التسيير اليومي الذي لا يُمكن الإحاطة به وحسن تدبيره إلا من خلال جعل القطاع الوزاري مقلصا بشكل يؤدي إلى الرفع من عدد الوزارات. وإضافة لذلك، فإن كون التحالفات كانت دائما قائمة على عدد واسع من الأحزاب، فإن مسألة ترضيتها كانت تؤدي إلى اعتماد تنظيم حكومي قائم على الرفع من عدد الوزارات. لكن الآن الوضع مختلف، والعدالة والتنمية قادر على تشكيل حكومة من ثلاثة أحزاب، فالأمر غير مطروح بالشكل الذي كانت تتم به الأمور سابقا، وتجميع القطاعات الوزارية أصبح ممكنا جدا. كما أن الدستور الجديد، أقام فرقا هذه المرة بين الوزير (الذي يتداول في المجلس الحكومي والمجلس الوزاري) وكاتب الدولة الذي لا يحضر إلا للمجالس الحكومية، وبالتالي فهذه وسيلة أخرى تسهل تقليص عدد الوزارات. ❍ ما هي أهم القضايا المرتبطة بالعمل الحكومي التي أغفلها الدستور الجديد؟ ● الدستور الجديد، ككل النصوص القانونية، لا يُمكن أن يحيط بكل المجالات التي يحاول تنظيمها، والعديد من الثغرات ستظهر بالتأكيد خلال الممارسة. فمثلا نحن الآن أمام مجلس نواب جديد، يتضمن أغلبية مطلقة من الوجوه الجديدة التواقة إلى العمل الجاد، فكيف سنتصور افتتاح الدورة لهذا المجلس الجديد؟ وأقول المجلس الجديد، وليس البرلمان الجديد، لأن المجلس الآخر هو من بقايا دستور 1996. كما أن دسترة عدد واسع من أجهزة الحكامة (المجلس الوطني لحقوق الإنسان، مجلس المنافسة، هيئة مكافحة الرشوة،...) رغم إيجابياته، فإنه لم تتم أي إشارة إلى قطاعات تعمل حاليا دون أي وضوح في وضعيتها، كالمندوبيات السامية التي تعقد العمل الحكومي نتيجة علاقتها الغير الواضحة مع الحكومة ومختلف القطاعات الوزارية. وإذا كان المجال هنا لا يسمح بتفاصيل أكبر، فإنه ينبغي على مختلف الفاعلين السياسيين العمل على ترجيح التأويل الديمقراطي لأي نص من أجل فتح آفاق جديدة، وترسيخ أعراف دستورية إيجابية. وسيكون للحكومة القادمة دور مركزي في هذا المجال، لأنها هي التي ستفتح المجال للحكومات الأخرى. ومن جهة ثانية، ينبغي الإشارة إلى أن الإحالة إلى القانون التنظيمي في عدد مهم من المواضيع، وبطء مسطرة صدوره، وعدم صدور النص إلا بعد أن تصرح المحكمة الدستورية بمطابقته للدستور، غير متلائمة مع الوضع الحالي. فنحن على أبواب شهر دجنبر، والمغرب لا زال دون قانون مالي، ولن يتمكن من إصداره إلا بعد مسطرة تتداخل فيها المشاورات حول الهياكل الجديدة لمجلس النواب، مع المشاورات حول الحكومة، مع وضع النظام الداخلي وإحالته للمحكمة الدستورية. وقد كان من الممكن هنا إدخال مقتضيات انتقالية تحسبا لهذه الحالات. ❍ ما هي أهم القضايا الدستورية المرتبطة بالحكومة؟ ● أفرد الدستور للحكومة مكانة مهمة هذه المرة. فهو أولا، وضعها تحت عنوان "السلطة التنفيذية"، وفي هذا إشارة قوية إلى أن الحكومة أصبحت فعلا جهازا تنفيذيا وليس مجرد إدارة، بل إنه أشار في الفصل 88 إلى أن الحكومة "تمارس السلطة التنفيذية". ثم أن الدستور وضح تركيبتها من خلال الفصل 87 الذي ميز أولا بين الوزراء وكتاب الدولة، كما أنه أحال لأول مرة إلى قانون تنظيمي مسألة تحديد القواعد المتعلقة بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها، وحالات التنافي، وقواعد الحد من الجمع بين المناصب، والقواعد الخاصة بتصريف الحكومة المنتهية مهامه للأمور الجارية. وهذه مسألة مهمة جدا، لأنه لأول مرة سيتم إشراك ممثلي الأمة في وضع قواعد تحسم في الجدال الواسع المتعلق بهذه المواضيع المشار إليها، وهي فرصة أمام العدالة والتنمية لتقديم مشروع قانون تنظيمي لتوضيح وضعية عضو الحكومة، وخاصة للحد من ظاهرة تعدد المناصب. كما أن الفصل 89 جعل الحكومة لأول مرة تمارس الإشراف والوصاية على المؤسسات والمقاولات العمومية التي كانت تفلت سابقا من المراقبة، وكانت بمثابة قوى مؤثرة على العمل الحكومي وأداؤه دون أن تكون خاضعة لأية محاسبة. ويبقى أهم وسيلة منحها الدستور للحكومة، هو دورها في عملية التعيين في الوظائف العليا. لقد أصبح المجلس الحكومي يتداول (وهذا أسلوب يُبعدنا عما كان يقع سابقا) في التعيينات التي تهم الوظائف العليا من قبيل الكتاب العامين للوزارات، والمديرين المركزيين... وهذه الوسيلة أهم ما ينبغي أن تعمل الحكومة على تطبيقها حتى تصبح الإدارة فعلا تحت تصرف الحكومة. وستكون الإشارات هنا قوية جدا. ودون الاسترسال في الموضوع، أقول بأنه لأول مرة سيكون للحكومة القدرة على وضع السياسة العامة وتنفيذها بالوسائل المتعارف عليها دوليا. ❍ الأمانة العامة للحكومة منفصلة عن الوزارة المكلفة بالعلاقة مع البرلمان، هل جاء الوقت لإدماجهم؟ ● أعتقد أن هذا الموضوع، ذو أهمية خاصة جدا. فهو أولا مرتبط بما يُعرف بوزارات السيادة، التي ظلت لفترة طويلة خارج العمل الحكومي، لا من حيث الإشراف عليها، ولا من حيث وضعية المكلفين بها، والذين كانوا يحجبون الوزير الأول إلى المرتبة الثانية. وهذا حال كل من الأمانة العامة للحكومة ووزارة الداخلية والخارجية أساسا. فالأمانة العامة للحكومة، والتي هي "الدينامو" الفعلي للعمل الحكومي إلى جانب رئيس الحكومة، خارجة عن سيطرة الحكومة فعليا. فلم يسبق أن تولاها رجل سياسة، ورغم أن الأمين العام للحكومة عضو فيها، فإنه غير خاضع للمحاسبة، ولا يُجيب مباشرة عن الأسئلة الموجهة إليه أمام البرلمان...، والأكثر من كل هذا، هو أن هذه الوضعية تؤثر سلبا على الإنتاج التشريعي للحكومة. فالرأي العام الوطني، يتحدث كثيرا عن "ثلاجة القوانين"، وشخصية المشرفين عليها كانت تجعلهم فعلا في وضعية أقوى من رئيس الحكومة. ونتيجة لذلك، أصبحت الحكومة تعيش في وضعية لا يطبعها أي انسجام: الأمانة العامة (الغير حزبية) تشرف على وضع النصوص، والوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان (الوزير الحزبي) يتولى الدفاع عنها من خلال العمل على تماسك الأغلبية وتوفيرها للوزراء المعنيين بالنص. فلو تعلق الأمر بوزيرين سياسيين لكانت الأمور عادية، ولكن أمام الوضعية الحالية، ينبغي العمل على خلق الانسجام إما من خلال الاستمرار في فصلهما، وهذا يضر بسياسة أي حكومة في تقليص عدد الوزارات، وإما بدمجهما لتصبح الجهة المكلفة بوضع النص هي التي تدافع عليه. وأعتقد أن هذا التوجه هو الأصلح في هذه الفترة. ❍ ما هي الأولويات التي ينبغي على حكومة عبد الإله بن كيران التركيز عليها؟ ● الحكومة القادمة، مدعوة إلى المحافظة على تأييد الكتلة الناخبة التي صوتت لصالحها. وبذلك، فإن الإشارات الأولى هي التي سيحكم الرأي العام من خلالها. وهنا من المهم جدا، الشروع في تطبيق البرنامج الانتخابي ومقررات الحزب حتى عند تشكيل الحكومة: تقليص الوزارات، التحكم فيما كان يُسمى وزارات السيادة، التحكم في عملية تحضير مشاريع القوانين، تسريع العمليات التي تسرع استفادة المواطن من تدخل مختلف القطاعات الاجتماعية، وخاصة اعتماد سياسة واضحة في مجال محاربة الفساد بجميع أشكاله. فالظرفية مواتية، للتجاوب مع مطالب الشارع المغربي، والتي هي متطابقة مع تصورات الحزب، من أجل فتح هذا الورش القادر على إحداث تغيير جذري في جلب اهتمام المواطن إلى الشأن العام.