نقل التعيين الملكي للأمين العام لحزب العدالة والتنمية رئيسا للحكومة متبوعا بأدائه القسم، الوضع السياسي في البلاد إلى مرحلة جديدة من التفاعلات الإيجابية تختلف عن سابقتها التي ارتبطت بالمرحلة الانتخابية وما تلاها من إعلان النتائج، وهي تفاعلات ظهرت في أربع مستويات، بدءا أولا، من تأكيدها على وجود إرادة ملكية لدعم مسلسل التحول الديموقراطي التصاعدي رغم ما تعترضه من تحديات ومقاومات خارجية، وانتهاءا، رابعا، بحالة الاستعداد الإيجابية المعبر عنها من لدن قطاع معتبر من المؤسسات الحزبية في دعم تجربة التحول، ومرورا، ثانيا، بمواقف الفعاليات الاقتصادية والاجتماعية والتي يغلب عليها الاطمئنان والتعاطي البناء عوض ما كان يروج له من تخوفات وهواجس، هذه الأخيرة التي ظهر أنها هامشية ولم تستطع النفاذ إلى عموم المجتمع والتأثير في مواقفه، وثالثا، توالي صدور مواقف دولية مساندة بشكل تجاوز حجم المواقف التي صدرت إزاء التحول التونسي، مما دل على متانة البناء السياسي المغربي المحتضن لهذا التحول وما يوفره من عناصر مساعدة وضمانات حقيقية. مجموع العناصر الأربعة، يمثل أرضية تعزز فرص كسب الاختبار الأول للتيار الإسلامي المشارك في الحياة السياسية، والمتمثل في بناء حكومة قوية تستثمر المناخ السياسي الإيجابي، وتضع آليات احتواء العقبات الموجودة والموروثة من مرحلة التحكم السلطوي، وتدمج كل ذلك في سيرورة التحول الديموقراطي، وخاصة في هذه المرحلة الحرجة والانتقالية. لقد كسب رهان الإصلاح في إطار الاستقرار دفعة جديدة لا تقل أهمية عن دفعة لجم نزوعات التحكم، ومنح البلد فرصة تجسيد مشروع تناوب سياسي حقيقي يمثل، كما قالت يومية الاتحاد الاشتراكي ، مشروع تناوب ثاني، رغم الاختلاف المسجل في سياق كل منهما، سواء من حيث الإطار الدستوري الجديد أو من حيث استمرار تحديات الربيع العربي الديموقراطي في ظل وجود حراك سياسي في الشارع، أو من حيث التباين في الفاعلين وتنوع استراتيجياتهم وتجددها، إلا أن الاستفادة من دروس التناوب الأول تبقى أساسية، خاصة في ظل التوجسات المتنامية من أن يكون مآل تجربة اليوم هو نفس مآل الأولى، والتي لا ينبغي تجاهل إنجازاتها ومكاسبها في الوقت الذي ننظر إلى تحدياتها وعناصر إخفاقها والأسباب التي أدت إلى ذلك. إن قوة المغرب اليوم تكمن في قدرته على تقديم نموذج مختلف عن نماذج باقي دول الربيع الديموقراطي، وصيانة هذا النموذج تمثل أحد الاستحقاقات الكبرى، والتي سيتحقق ربحها بتحمل مختلف الفاعلين لمسؤولياتهم في ذلك، مع التشديد على مسؤولية الحزب في جعل البوصلة متجهة إلى خدمة انتظارات المجتمع والابتعاد عن المعارك الهامشية أو الاستدراج للقضايا الجانبية.