تدخلت قوات الأمن يوم الخميس الماضي بعنف لمنع وقفة احتجاجية على الزيادات المهولة في فواتير الماء والكهرباء كان من المقرر تنظيمها على مستوى مدن الإقليم (تطوان، مرتيل، المضيق والفنيدق) تحت شعار : لنناضل من أجل فسخ العقدة مع شركة أمانديس، وقد أسفر التدخل عن إصابة بعض المواطنين وأعضاء من "اللجنة المحلية لمواجهة الزيادة في فواتير الماء والكهرباء" بجروح. وقد سبق لقوات الأمن أن تدخلت أيضا يوم الأربعاء الماضي لمنع وقفة تضامنية مع الشعب الفلسطيني كانت مقررة بمناسبة ذكرى النكبة بساحة مولاي المهدي بتطوان. ولم يعد سكان مدينة تطوان يحتاجون إلى اللجوء إلى القنوات الفضائية لمشاهدة مظاهر العسكرة في مدن الضفة الغربية، بل أصبحت هذه المشاهد مألوفة في مدينتهم منذ أسابيع، فشاحنات القوات المساعدة وسيارات فرق التدخل السريع أصبحت مرابضة بشكل شبه دائم قرب مقر بلديتي الأزهر والمنظري ووسط المدينة. وإذا كانت ذريعة هذه العسكرة في البداية هو التخوف من اندلاع مظاهرات عفوية لتلاميذ المدارس تضامنا مع الشعب الفلسطيني في محنته، فإن وظيفة هذه القوات المدججة بالواقيات والهراوات والخوذ قد أصبحت، ومنذ حوالي شهر، محاولة وأد أية حركة احتجاجية على ارتفاع فواتير الماء والكهرباء بعد تفويت هذين القطاعين لشركة "أمانديس". وإذا كان مجرد تواجد هذه القوات بلباس الميدان في نقط الالتقاء الرئيسة بالمدينة مستفزا لشعور المواطنين، فإن حالة التذمر تبلغ ذروتها عندما يقرر المسؤولون الأمنيون فرض حصار على وسط المدينة، الذي يشكل المركز الإداري والتجاري للإقليم بسبب تمركز معظم الإدارات والوكالات البنكية والمحلات التجارية بهذا الحي، مما يتسبب في شل الحركة الاقتصادية وتضرر المواطنين من تجار وأصحاب سيارات الأجرة ومرتادين على هذه المصالح العمومية أو الخاصة خصوصا مع تكرار هذا الحصار، الذي يشمل حركة السيارات والراجلين على السواء، لأكثر من أربع مرات على مدى الأسابيع الثلاثة الماضية لمدد تتجاوز أحيانا خمس ساعات. ولا تكتفي السلطات بفرض حالة الحصار هذه واستعراض عضلاتها الأمنية بمناسبة وغير مناسبة، بل إنها لا تتوانى عن التدخل الفعلي لتقمع بعنف كل شكل من أشكال الاحتجاج السلمي كما حدث يوم الخميس الماضي 16 ماي عندما تدخلت بشراسة لضرب مناضلين من "اللجنة المحلية لمواجهة الزيادة في فواتير الماء والكهرباء" وبعض المواطنين الذين تصادف وجودهم بشوارع وسط المدينة وقت الوقفة الاحتجاجية وأصابتهم بجروح مختلفة، كما أن قوات القمع لم تكتف بهذا التدخل العضلي بل تعدته إلى سب المواطنين ونعتهم بأسوأ النعوت ك "أبناء الشيخات"وبعض الألفاظ المخلة بالأخلاق. ويبدو أن هذه المقاربة الأمنية لمواجهة مشاكل المدينة ولمصادرة حق التعبير بالأساليب السلمية والحضارية هو اللغة الوحيدة التي يعرفها المسؤولون الجدد بالسلطة، غير مستفيدين من دروس الماضي عندما تسبب استفزاز المواطنين في يناير 1984، ردا على احتجاجهم السلمي على الزيادات في أسعار بعض المواد الأساسية، في تأجيج انتفاضة شعبية كلفت المدينة المئات من القتلى والجرحى والمعتقلين وملايين الدراهم من الخسائر المادية. كما ينسى المسؤولون أن الخطوة التي عجلت برحيل الوالي السابق خلال صيف 2001 كانت هي التدخل العنيف لقوات الأمن لقمع وقفة احتجاجية للباعة المتجولين بباب بلدية تطوان الأزهر وأن الهدف من تعيين مسؤول جديد على رأس السلطة المحلية بالإقليم قد كان هم إنعاش الاستثمار وحل المشاكل المستعصية ، وليس الرجوع بالمواطنين إلى العصور البائدة من القمع ومصادرة حق التعبير. ابن باب العقلة