-سمى الله نفسه العفو على سبيل الإطلاق في قوله تعالى: " إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً " (النساء) وقوله: " فَأُولَئِكَ عَسَي اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللهُ عَفُوّاً غَفُوراً " (النساء) وقوله: " ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ " (الحج) . وعند الترمذي وصححه الألباني من حديث عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: ( يَا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مَا أَدْعُو؟ قَالَ: تَقُولِينَ: اللهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي ) . العَفوُّ في اللغة على وزن فعُول من العَفوِ، وهو من صيغ المبالغةِ، يقال: عَفا يَعْفو عَفوا فهو عاف وعَفوٌّ، والعفو هو التجاوُزُ عن الذنب وتَرْك العِقاب عليه، وأَصله المَحْوُ والطمْس، مأْخوذ من قولهم عَفَت الرياحُ الآثارَ إِذا دَرَسَتْها ومَحَتْها، وكل من اسْتَحقَّ عندك عُقوبة فتَرَكتَها فقد عَفَوْتَ عنه. والعفوُّ سبحانه وتعالى هو الذي يحب العفو والستر، يصفح عن الذنوب ويستر العيوب يعفو عن المسيء كَرَمًا وإحسانًا، ويفتح واسع رحمته فضلا وإنعاما، حتى يزول اليأس من القلوب وتتعلق في رجائها بمقلب القلوب. والعفو محو الذنب كما تقدم والمقصود بمحو الذنب محو الوزر الموضوع على فعل الذنب، ومنه قول الله تعالى: " إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً " (الفرقان) ومن ثم تمحى السيئات عفوا وتستبدل بالحسنات. أما الأفعال فهي في كتاب العبد حتى يلقي ربه، فيدنيه منه ويعرفه بذنبه وسوء فعله، ثم يسترها عليه. روى البخاري من حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إِنَّ اللهَ يُدْنِى الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ فَيَقُولُ: أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ فَيَقُولُ نَعَمْ أَيْ رَبِّ، حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ، وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ قَالَ: سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ، فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيَقُولُ الأَشْهَادُ: هَؤُلاَءِ الذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ، أَلاَ لَعْنَةُ الله عَلَى الظَّالِمِينَ). والعفو يشمل أمرين: التخلية : أي التصفية من الذنوب والتطهير منها. والتحلية: أي بالرضى. من آثاره على العبد: المؤمن يدور بين افتقاره إلى عفو الله تعالى وبين عفوه عن الناس حتى لا يركن إلى التصاقات الطين الأرضية. - أنت بحاجة إلى عفو الله مع اجتهادك في الطاعة فكيف بك إذا كنت مقصِّراً.( الإنسان حمل الأمانة وأعطاه الله مقومات حمل هذه الأمانة: عقل حرية وقت قوة اختيار فطرة...وهو بين دوافع سفلية وأخرى علوية فإما أن يكون من خير البرية وإما أن يكون في أسفل سافلين ولذلك كلما تردى وغلبته شهوته ... يتذكر العفوَّ الذي يمحو أثر السفلية فيحتفظ المؤمن بالعلوية). الجأ إلى العفُوّ حفاظا على خيريتك وكرامتك وعلويتك. - العفو عند المقدرة: أن تعفوا عمن ظلمك وتعرض عمن جهل عليك، وتيسير علي المعسرين طلبا لعفو الله عند لقائه، وكن كأبي بكر رضي الله عنه الذي كان يتصدق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه، فلما شارك مسطح المنافقين في اتهام أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها بالإفك وبرأها الله، قال أبو بكر: (وَاللهِ لاَ أُنْفِقُ عَلى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ مَا قَال لعَائِشَةَ، فَأَنْزَل اللهُ I: " وَلا يَأْتَل أُولو الفَضْل مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولي القُرْبَي وَالمَسَاكِينَ وَالمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيل اللهِ وَليَعْفُوا وَليَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ " (النور:22)، فَقَال أَبُو بَكْرٍ: بَلى، وَاللهِ إِنِّي لأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لي، فَرَجَعَ إِلى مِسْطَحٍ الذِي كَانَ يُجْرِي عَليْهِ ). ومن فروع هذا العفو: العفو عمن جعلهم الله تعالى تحت يدك من الخدم، فعند أبي داود وصححه الألباني من حديث عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو قال: ( جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ كَمْ نَعْفُو عَنِ الْخَادِمِ؟ فَصَمَتَ، ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ الْكَلاَمَ، فَصَمَتَ، فَلَمَّا كَانَ فِي الثَّالِثَةِ قَالَ: اعْفُوا عَنْهُ فِي كُل يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّة ).