صاحبة السمو الملكي الأميرة للا مريم تترأس حفلا بمناسبة الذكرى ال25 لبرلمان الطفل        روسيا تحذر أميركا من "صب الزيت على النار" في أوكرانيا    الإعلام الإسباني يتغنى بتألق ابراهيم دياز رفقة المنتخب المغربي    دوري أبطال أفريقيا للسيدات.. الجيش الملكي يلاقي المسار المصري وعينه على العبور للنهائي    جماعة الزوادة في قلب التنمية الاجتماعية و الاقتصادية الحقيقية بالإقليم    حادث مأساوي على طريق القصر الكبير – العرائش ينهي حياة طالب جامعي    مساء هذا الثلاثاء في برنامج "مدارات" : لمحات من السيرة الأدبية للكاتب والشاعر محمد الأشعري    من حزب إداري إلى حزب متغول    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    أسعار اللحوم تتراجع في الأسواق مع وصول أولى الشحنات المستوردة    الركراكي: الصبر والمثابرة أعطيا ثمارهما وتسجيل 26 هدفا لم يكن بالأمر السهل    ولي العهد السعودي يهنئ الملك بمناسبة عيد الاستقلال    الصيادلة يدعون لتوحيد الجهود ومواجهة التحديات الراهنة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    يوعابد ل"برلمان.كوم": منخفض جوي متمركز بالمحيط الأطلسي غرب جزر الكناري وراء الأمطار التي تشهدها بلادنا    وزارة الداخلية تخصص 104 مليارات سنتيم لإحداث 130 مكتبًا لحفظ الصحة    جهة طنجة تشارك في منتدى للتعاون المتوسطي في مجال الطاقة والمناخ بمرسيليا        حاتم عمور يصدر كليب «بسيكولوغ»    أربع جهات مغربية تفوز بجائزة "سانوفي" للبحث الطبي 2024    اتهمتهم بمعاداة السامية.. عمدة أمستردام تعتذر عن تصريحات تمييزية بحق مسلمي هولندا    الشرطة توقف ناقل "حبوب مهلوسة"    نزاع حول أرض ينتهي بجريمة قتل    المقاو-مة الفلسطينية: تصحيح المعادلات وكسر المستحيلات    موسكو: كييف تفقد 900 ألف عسكري    اليونسكو تدرس ملف "تسجيل الحناء"    في تأبين السينوغرافيا    الشاعرة الروائية الكندية آن مايكلز تظفر بجائزة "جيلر"    تراجع أسعار النفط بعد استئناف العمل في حقل ضخم بالنرويج    ما هي الطريقة الصحيحة لاستعمال "بخاخ الأنف" بنجاعة؟    فريق بحث علمي يربط "اضطراب التوحد" بتلوث الهواء    مقتل 5 أشخاص في غارة إسرائيلية على بيروت وحزب الله ولبنان يقبلان اقتراحا أمريكيا لوقف إطلاق النار    شيتاشن يفوز بنصف ماراثون ازيلال للمرة الثانية تواليا    افتراءات ‬وزير سابق ‬على ‬المغرب ‬وفرنسا ‬وإسبانيا ‬وأمريكا ‬في ‬قضية ‬الصحراء    صحتك ناقشوها.. إضطراب النوم / الميلاتونين (فيديو)    مجموعة صناعية دنماركية كبرى تفتح مكتباً في الداخلة لتطوير مشاريع الطاقات المتجددة في الصحراء المغربية    توقيع اتفاقية شراكة بين جمعية جهات المغرب وICLEI Africa    مجموعة ال20 تعلن وقوفها خلف قرار وقف إطلاق النار في غزة    يحدث هذا في فرنسا … !    ارتفاع حصيلة ضحايا فيضانات فالنسيا بإسبانيا إلى 227 قتيلاً ومفقودين في عداد الغائبين    إندرايف تغير مشهد النقل الذكي في المغرب: 30% من سائقيها كانوا يعملون بسيارات الأجرة    ميناء الداخلة الأطلسي: مشروع استراتيجي يحقق تقدمًا بنسبة 27%    الصناعة الرياضية: من الملاعب إلى التنمية    جبهة مناهضة التطبيع تتضامن مع ناشط متابع على خلفية احتجاجات ضد سفينة إسرائيلية    عرض الفليم المغربي "راضية" لمخرجته خولة بنعمر في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي    شركة سوفيرين برو بارتنر جروب في قطر تعلن عن انضمام مدير عام جديد إلى فريقها، لقيادة مسيرة التوسع وتعزيز التعاون الاستراتيجي، في خطوة طموحة تنسجم مع رؤية قطر الوطنية 2030    جمعية الإمارات لطب وجراحة الصدر تضيء برج خليفة في حملة توعوية لمكافحة مرض الانسداد الرئوي المزمن    زنيبر: الاضطرابات الناجمة عن كوفيد-19 زادت من تفاقم الآثار "المدمرة بالفعل" للفساد    نشرة إنذارية: زخات رعدية ورياح عاصفية في عدد من أقاليم المملكة    العراقي محمد السالم يعود لجمهوره المغربي بحفل كبير في مراكش    هند السداسي تُعلن طلاقها بخطوة جريئة وغير مسبوقة!    خبراء يحذرون من "مسدس التدليك"    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا يجدد رمضان في حياتنا؟
نشر في التجديد يوم 16 - 08 - 2011

بين الدين في أصله المحفوظ الذي تشهد تجربته التاريخية وشرائعه وشعائره وقيمه أنه كان ولا يزال "ثورة تحريرية شاملة" (سيد قطب)، تلبي مطالب الجسد والروح والأسرة والمجتمع والإنسانية، تستوي في ذلك شعائره التعبدية وتشريعاته المجتمعية، فكلها تلتقي وتتضافر على تحقيق الرقي والسعادة في العاجل والآجل، على نحو أنه ما من فريضة دينية في الإسلام كالصوم والصلاة والحج إلا ولها آثارها الدنيوية الإيجابية الفاعلة.
والعكس صحيح، أنه ما من فريضة طابعها الأساسي أنها دنيوية كالزكاة والشورى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد.. إلا ولها آثارها وارتباطاتها الدينية، في وحدة لا تنفصم بين نظام العبادات ونظام المعاملات، اللهم إلا بتحطيم جوهر الإسلام التوحيدي الشمولي، والقضاء على فعاليته المجتمعية ودوره القيادي للتاريخ بعلمنته، من طريق الفصل التعسفي الظالم بين نظامه الديني ونظامه الدنيوي، ضدا عن طبيعته التوحيدية وكذا طبيعة الإنسان والكون والمجتمع.
♦1 - الصوم عبادة ومنافع، ولو أننا ألقينا نظرة على هذا الركن الرابع من أركان الإسلام الخمسة، وأمة الإسلام تنخرط في أيامه الأولى يحدوها فرح غامر به واستبشار بمقدمه وبركاته ومآثره وعظيم أجوره.. لوقفنا على ضروب شتى من المصالح والحكم والمآثر، لو دقّقنا النظر فيها لما استشعرنا أدنى ضيق بما يصاحب الصوم في مثل هذا الفصل من حر وجوع وعطش، ولردّدنا مع صاحب الدعوة عليه الصلاة والسلام "لو يعلم العباد ما رمضان، لتمنت أمتي أن تكون السنة كلها رمضان" (صحيح ابن خزيمة)، حتى لو جاء في عز حر الصيف، فإن عظم الأجر مع عظم المؤونة.
"الصوم تدريب على التحقق بجوهر الدين: الإخلاص لله عز وجل ولي النعمة، تدريب يضع من أتقنه طيلة الشهر الفضيل في نوع من الاستحمام الروحي الشامل تصفو نفسه وتشف وتنتعش قواه الروحية"
أ- الصوم فريضة دينية تنتمي إلى المجال التعبدي كالصلاة والحج، وهو مجال لا ينظر فيه إلى العلل مثل مجال المعاملات، وإنما الامتثال لإرادة الشارع الحكيم عن طاعة ورضى خالصين لوجه الرحمن.
يكفي للقيام به على الوجه الذي طلبه الشارع الحكيم العلم بصدوره عنه، من مثل ما ورد في الذكر الحكيم "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون" (البقرة:183) وتحذير النبي صلى الله عليه وسلم الشديد من مغبة انتهاك حرمته دون عذر شرعي، ولو بإفطار يوم واحد "من أفطر يوما من رمضان لم يقضه صوم الدهر كله وإن صامه" (رواه الترمذي)، وذلك بصرف النظر عن وقوف المكلف أو عدم وقوفه على طرف من حكمة الشارع في الأمر بالصوم شهرا هو شهر رمضان لا غيره.
ولم كان شهرا وليس أكثر أو أقل؟ ولم كان بهذه الكيفيات والتفاصيل وليس بغيرها؟
كدّ الذهن للوقوف على شيء من حكمة الشارع وهي موجودة، إذ لا يصدر عن الحكيم إلا ما هو حكمة وصلاح وأمر محمود، إلا أن الإتيان بالفريضة لا يتوقف على شيء من ذلك، فالامتثال لأمر الشارع الحكيم مقصد في ذاته، لا تستقيم للإنسان حياة ولا يتحقق في شخصيته وعقله ولا في المجتمع توازن دونه.
ب- الصوم عبادة روحية صامتة، فهي ألصق العبادات بمقصود الدين الأصلي: تحقّق العابد بقيمة الإخلاص الكامل للمعبود، وأبعدها عن أخطر محبطات الأعمال وهو الرياء، إذ لا يبدو فيها -مثل بقية العبادات كالصلاة والحج والزكاة- عمل أو حركة يمكن أن يتراءى بها العابد، لأن جوهرها امتناع أو إمساك في زمن محدد عن إتيان أعمال مادية أو معنوية، تشتهيها النفس من طعام وشراب وجنس، هي في الأصل غير ممنوعة، وتغليظ النكير على الإتيان بأعمال أخرى هي ممنوعة في الأصل مثل سائر المحرمات كالغيبة والنميمة وشهادة الزور والغش والسرقة والزنا ومقدماته..
فهي تدريب على التحقق بجوهر الدين، الإخلاص لله عز وجل ولي النعمة، تدريب يضع من أتقنه طيلة الشهر الفضيل في نوع من الاستحمام الروحي الشامل تصفو نفسه وتشف وتنتعش قواه الروحية، وقد تطهرت مما ران عليها من أكدار الذنوب طيلة السنة والانعتاق المؤقّت من مطالب الجسد، بما يشبه الحياة الملائكية.
ورد في الصحيح "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"، وفيه أيضا فيما رواه الرسول عليه الصلاة والسلام عن ربه عز وجل "قال الله تعالى: الصوم لي وأنا أجزي به" خلافا لبقية الطاعات التي تعلم الملائكة تسعيرتها، أجور الصائمين على رب جواد كريم لعظم المكانة.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر والإمام العادل ودعوة المظلوم" (رواه الترمذي).
وقد تبلغ مجاهدة المؤمن نفسه طيلة هذا الموسم العظيم للجهاد الروحي مقاما عليّا من القرب والتجلّي والإشراق، فيدرك الليلة التي هي خير من ألف شهر ليلة القدر، فينفتح عليه باب الدعاء المستجاب، ولذلك جاء تذييل آيات الصوم من سورة البقرة "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان، فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون" (البقرة: 185).
"الصوم مدرسة لتنمية المشاعر الإنسانية والقيم الاجتماعية من خلال مكابدة تجربة الجوع التي يتلظى بها مئات الملايين في العالم على امتداد السنة والدهر"
ج- الصوم مدرسة لتربية الإرادة الحرة القادرة على ضبط الشهوات والاندفاعات، فالذي تدرب على الوقوف في وجه شهواته الحلال، وبخاصة في مثل هذا الفصل من طول نهار الصيام وقيظه، حريّ به أن يقتدر على امتلاك زمام نفسه واستعادة أقدار من حريته المأسورة في ربقة الشهوات، فتنمو قدراته على مغالبة الصعاب ومقاومة الإغراءات والحد من الاندفاعات والتقليل من المخاوف.
د- الصوم مدرسة لتنمية المشاعر الإنسانية والقيم الاجتماعية سواء من خلال مكابدة تجربة الجوع التي يتلظى بها مئات الملايين في العالم على امتداد السنة والدهر. فكم يكون عادلا ومفيدا أن يتذوق مرّها الجميع ولو لوقت محدود، يستوي فيه الأمير مع الأجير والغني مع الفقير.
ولذلك لم يكن عجبا أن تحصّل الجمعيات الخيرية خلال هذا الشهر معظم ميزانيتها السنوية، وأن تمتد أواصر القربى وتتواصل الأرحام خلال هذا الشهر. ففي زمن سادته الفلسفات الفردية المادية ونزعات الأثرة والتكالب على الاستهلاك، ما أحوج البشرية إلى مدرسة الثلاثين يوما للإحساس بآلام ضحايا الحصار في غزة والحرب الأهلية في الصومال وملايين الغرقى في باكستان.
وفي جوار كل منا وأرحامه مساكين ينتظرون بركات هذا الشهر، وحبال أرحام ناشفة ممزقة تحتاج لمن يبلّها ويصلها في شهر البركة والخير.
ه- الصوم تجديد لروابط الوحدة الإسلامية التي خذلتها السياسات القطرية وريثة الاحتلال التي بنت بين كل قطر إسلامي وآخر ما يشبه الجدران، في تنكّب عن مقتضيات الدين وضرورات العصر التوحيدية. في مثل هذه الأوضاع الشاذة تأتي عبادات الإسلام من حج وصوم لتجدد ما وهى من أواصر الوحدة الإسلامية داخل كل قطر وبين أقطار المسلمين، بما ينهض به هذا الشهر الفضيل من تعبئة عامة للمشاعر الإنسانية والأخوية، رغم حضيض العجز الذي تردت فيه أوضاع "حكومات المسلمين" ومؤسساتها الرسمية العلمائية، العجز عن التعامل مع واضحات علوم العصر الفلكية التي جعلت بدهيا وميسورا توحيد مواقيت عبادات المسلمين بما ييسر تعاملهم مع عالم طبيعته الضبط.
♦2 - كيف يتهيأ المسلمون لرمضان؟
إن سعيهم لشتى، قليل منه يتجه إلى اهتبال ما يوفره الشهر الفضيل من فرص للارتقاء بالوعي الديني والعلمي، وهو أمر محمود، وجمعيات خيرية تتهيأ لمساعدة الناس على فعل الخير تقربا إلى ربها بما يغطي حاجات للمسلمين ملحّة وقاهرة، لا يعيق ذلك سوى أنظمة الجور، فلا ترحم المساكين ولا تذر من يفعل ذلك، وكثير منهم يتجهون إلى إغراق الأسواق بمختلف السلع الاستهلاكية الضرورية وغير الضرورية، والكل تقريبا يتنافسون في الاستهلاك، لا أحد يحافظ على معدّلاته السابقة بله أن يخفّضها، بما جعل رمضان -من هذه الزاوية- شبيها بالأعياد النصرانية التي تحولت من مناسبات دينية إلى فرص للاستهلاك التظاهري والانفلات الغرائزي. وكان يمكن الظفر بزوايا إيجابية لهذا المشهد التسوقي الرمضاني لو كان هذا الفيض من المعروضات السلعية يغلب عليه الإنتاج المحلي والعربي والإسلامي، وكان الاستهلاك في حدود طاقة المستهلك. أما ومعظمه ترويج لمنتجات الأسواق الرأسمالية الدولية، وقد تتسلل معها حتى السلع الصهيونية، فذلك مما يصادم روحانية الصوم ومقاصده في ضبط الشهوات والتقليل من المستهلكات.
♦3 - في رمضان ضجيج استهلاكي صاخب يرهق الجيوب ويضاعف من شغل النفوس بهموم الدنيا ويضني ربات البيوت، إذ لا يترك فرصا للتأمل والعبادة والتفكر.. هل من سبيل للتهدئة عن طريق برمجة أخرى تخفف من غلواء المادة في شهر من أهدافه كبح جماحها؟
هل من ذاكر أن الشارع الحكيم كتب علينا الصيام والقيام وليس الإمعان في الشراب والطعام، حتى لا نخرج نهاية الشهر بوزن زائد ودَيْن مضاف، بينما المطلوب الفوز بشهادة التقوى "لعلكم تتقون".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.