في الحلقة الثانية من سلسلة حلقات حول المسرح المغربي بعد مائة سنة على استعمار المغرب، وكذا عن واقعه ومستقبله، يتحدث المؤلف والمخرج المسرحي عبد الكريم برشيدعن تجربة المسرح المغربي في الانفتاح عن المدرسة الفرنسية والمدرسة المشرقية وكيف استفاد المسرح المغربي من المدرسة الأولى باستثمار ما وفرته من قوالب وتقنيات وملئها بالمضمون الذي يعبر عن قيمه وتاريخه وثقافته. يتطرق برشيد إلى التضييق الفرنسي على المسرح المغربي ومحاولة غزوه والتأثير عليه. كما يتطرق برشيد إلى لحظة اعتبرها مهمة وخطيرة في تاريخ المسرح المغربي، وهي مرحلة نشأة دراما الإذاعة بزعامة عبد الله شقرون نهاية الأربيعينيات والذي كان مواكبا للأعياد الدينية وقدم مسرحا عن الأنبياء والرسل وعن الأحداث التاريخية كما كان يتفاعل مع الأحداث الاجتماعية لبلده. كما يتتبع برشيد تيمتي المقاومة والوطنية في السرح المغربي خلال مرحلة فرض الحماية على المغرب. ❒ تحدثتم عن انفتاح المسرح المغربي على مسرح المستعمر فهل الأمر كان بالفعل انفتاحا أم هو نوع من التكيف الاضطراري مع واقع أصبح مفروضا بقوة السلاح، ثم ألم يتأثر المسرح المغربي بالمدرسة الفرنسية وكذا بالتجربة المشرقية خاصة مصر في تلك الفترة؟ ❒❒ تماما، فالمغاربة انتبهوا بداية إلى أن المسرح هو أداة ومنبر يمكن أن يصعد عليه أي أحد، وأن الأساسي ليس هو الأداة في حد ذاتها، لكن الأساسي هو الخطاب الذي يمكن أن تحمله هذه الأداة، ولذلك فهو مسرح فرنسي نعم، ولكن من الممكن أن نحمله خطابات بمضامين أخرى وهذا ما انتبه إليه المغاربة فقدموا مسرحا مغربيا عربيا إسلاميا ملتزما، وكان هذا المسرح كان يشكل إزعاجا للسلطات الفرنسية والإسبانية ولا أدل من ذلك على الرقابة القبلية التي كانت تمارس على المسرحيات، وقد كان هناك الكثير من المسرحيات التي ألغتها الرقابة وهناك من أوقفتها الرقابة وهناك عروض عدة في مدينة طنجة وغيرها تم إيقافها أثناء عرضها. ويمكن أن نقول بأن المغاربة كانوا دائما يستعينون على تقديم هذه الخطابات من خلال الأشكال أحيانا والمضامين في أحين أخرى، فيقدمون عروضا مسرحية لكن في إطار هذه العروض كانت هناك فصول واستراحات تتخللها قصائد شعرية تحفيزية فيها حماس واعتزاز بمغربية هذا الإنسان، كما كانت تتخللها أناشيد وطنية والعديد من المسرحيات التي تتضمن أناشيد وطنية وبالتالي فهذه المسرحيات لم تكن فقط شكلا فنيا فارغا ولكن الشكل فيها كان حجة فقط لتمرير خطابات ذات بعد نضالي وذات بعد فكري وفلسفي وديني إلى غير ذلك. ❒ وماذا عن تأثر المسرح المغربي بالمدرسة المشرقية والمصرية منها على وجه الخصوص؟ ❒❒ بالنسبة للتأثر بالمشارقة، فقد كان ذلك أمرا طبيعيا لأن المغاربة التزموا بنفس الخط الذي قطعه المسرح المصري على سبيل المثال فكان الاعتماد على النص المسرحي الذي يرجع إلى التاريخ ويقرأ التاريخ لإعطاء الإنسان المغربي نوعا من الاعتزاز بنفسه والإحساس بتاريخيه وبثقافته، وذلك في الوقت الذي كانت فيه فرنسا وإسبانيا يروّجان أن هذا الوطن المغربي يحتاج إلى أن يقومون بإدخال الحضارة إليه فكان هذا المسرح يحاول أن يعكس البعد التاريخي لهذا الإنسان المغربي العربي المسلم، ولهذا كان ضروريا لهذا المسرح أن يكون متفاعلا مع محيطه العربي وأن يكون متفاعلا مع محيطه الفرنسي والإسباني وهذا ربما ما استشعرته السلطات الفرنسية وحاولت التدخل في المسرح المغربي في بداية الخمسينيات من القرن الماضي فقامت بتنظيم مجموعة من التداريب المسرحية بالمعمورة من خلال مسرح الشبيبة والرياضة، وباستدعاء مسرحيين فرنسيين وتحاول أن تؤثر على المسرح المغربي الذي كان فقيرا في تقنياته ولكنه كان غنيا في رسائله وفي خطاباته. ولذلك سنجد بأنه وانطلاقا من هذه التداريب سيقع الاهتمام أكثر بموليير وبالمسرح الفرنسي، كما سيتم إدخال العامية إلى المسرح المغربي تحت دعوى الواقعية وتقريب المسرح من الجمهور. ولكن أيضا في هذا المنحى لا يمكن أن ننسى تجربة كبيرة وخطيرة جدا عرفتها الدراما المغربية، وهي دراما الإذاعة والتي نشأة في نهاية الأربعينيات مع الرائد السيد عبد الله شقرون، الذي أسس التمثيلية الإذاعية وجعلها موعدا يوميا أو أسبوعيا وجعل هذا الموعد، مواكبا للأعياد الدينية ويقدم مسرحا عن الأنبياء وعن الرسل وعن الأحداث التاريخية، كما حرص أيضا أن يكون قريبا من الحياة الاجتماعية وأن يقدم صورا من المجتمع وعن تغيرات المجتمع وأمراضه، ولذلك سنجد أن هذا المسرح الإذاعي سيلعب دورا كبيرا وسيعطينا مجموعة كبيرة من الأسماء الكبيرة من قبيل عبد الرزاق حكم ومحمد العربي الدغمي ومحمد حسن الجندي ومحمد أحمد البصري ...إلى غير ذلك من الأسماء التي أثثت المسرح المغربي وتعودت عليها الأذن المغربية، وهكذا سنجد أن هذا المسرح المغربي كان متأثرا من جهة بالثقافة الفرنسية والإسبانية من الناحية التقنية ولكنه من حيث المضمون حاول دائما أن يكون قريبا من الناس ومن نبض الحياة اليومية وأن يعبر عن واقع هذا الإنسان المغربي. ❒ هل يمكن أن نتتبع مفهومي المقاومة والوطنية في المسرح المغربي خاصة مع ظهور الحركة الوطنية وما أحدثه خطابها من أثر على كافة مناحي الحياة العامة بالمغرب بما فيها المسرح؟ ❒❒ بداية وجب الإشارة إلى أن هذه المرحلة كان المسرح المغربي يعيش مرحلة ابتدائية حتى لا أقول بدائية، وكل ما كان يهم المغاربة أساسا لم يكن هو تطوير الفن المسرحي أو أن يصنعوا شكلا إبداعيا أو مدارس للمسرح لكن ما كان يهمهم بدرجة أولى هو هذا التجمع الذي هو تجمع خطابي وقد يكون هو نفس التجمع الذي تتيحه صلاة الجمعة كل أسبوع ولذلك ما كان يركز عليه هو أن نحقق تجمعا يحضره التجار والعمال والفلاحون والسباب والأطفال وأن نحاول أن نلقي خطابات وأفكار من خلال هذه التجمعات ويكون ذلك تحت عنوان الأمن بمبرر أنه إذا كانت فرنسا تقوم ثورتها على الإخاء والمساواة وعن الحرية فمن الحرية أن لا تقوم باضطهاد الإبداع الفني ولهذا سنجد أن كبار الذين اشتغلوا بالمسرح خلال الثلاثينيات والأربعينيات حتى حدود الخمسينيات كانوا زعماء لأحزاب سياسية وهكذا نجد بأن عبد الخالق الطريس كان كاتبا مسرحيا، وفريق "الرجاء البيضاوي" كفرقة رياضية تأسست في الأول كفرقة مسرحية وحتى الفرق المسرحية كانت تسمى أجواق من قبيل جوق الربط للتمثيل وجوق الرباط للرياضة وهكذا سنجد بأن هذا التداخل بين الرياضة والكشفية والغناء والمسرح كان كله يصب في بوثقة واحدة من أجل أن تؤدي هدفا واحد ولذلك سنجد أن الحديث عن التقنيات المسرحية وكيف سنمثل؟ وبأي طريقة؟ وبأي شكل؟ وعليه فإن تلك المحصلات في المسرح لم يكن هناك اهتمام بها بل كان كل الحرص على تقديم الرسالة المسرحية مؤثرة وبليغة تحفظ للغة العربية كرامتها ورونقها وعبقريتها وتخاطب في الإنسان المغربي حسه الجمالي وبالتالي فقد كان يستعان على تقديم هذا الخطاب بالغناء وبالأناشيد وبالحركة وبالأزياء وبالخطابة وكل هذه الأشكال التعبيرية هي تريد أن تؤدية إلى هدف واحد، ومن المعلوم أن الشيخ أو الفقيه محمد القري، قد كان كاتبا مسرحيا من خريجي القرويين وكان مناضلا أيضا نفته السلطات الفرنسية إلى جنوب الصحراء ومات هناك واعتبر شهيد المسرح وشهيد القضية الوطنية، وهذا كله يؤكد البعد الوطني المقاوم الذي لم يكن منفصلا عن الفعل المغربي المسرحي. في الحلقة القادمة: في الحلقة القادمة يتطرق المخرج والمسرحي عبد الكريم برشيد إلى أهم السمات والمراحل التي طبعت المسرح المغربي منذ استقلال المغرب حتى اليوم، وعن أهم التحولات التي عرفها المسرح المغربي خلال 55 سنة من الاستقلال. - من حياة برشيد نتعرف اليوم وفي هذا الحلقة الثانية من حياة برشيدوعن عبد الكريم الصحفي والكاتب الإبداعي المسرحي فهو العضو المؤسس لمجلة "الثقافة الجديدة" وعضو هيئة تحريرها بتداء من أواسط السبعينيات من القرن الماضي، كما شغل منصب رئيس تحرير نشرة "ربيع المسرح العربي" والتي كان ينشرها مهرجان ربيع المسرح العربي 1990 1993، كما اشتغل رئيس تحرير نشرة "الموسم" الصادرة عن موسم أصيلة الثقافي - صيف 1990، وهو أيضا رئيس تحرير مجلة "التأسيس - دفاتر مسرحية" والتي صدرت من مدينة مكناس سنة 1986، كما ترأس تحرير مجلة "مقامات" التربوية، والتابعة لنيابة وزارة التعليم بمدينة الخميسات في 1995، هو أيضا كاتب ركن صحفي باسم "سوق الكلام" في جريدة "الميثاق الوطني" وكذا كاتب ركن "مقامات اليوم" في جريدة "مغرب اليوم" طيلة سنتي 1995 1996. أما في الكتابة الإبداعية المسرحية فله أكثر من خمس وثلاثين نصا مسرحيا ، كتبت جلها باللغة العربية الفصحى ..و ترجمت بعض مسرحياته إلى الفرنسية والإنجليزية والإسبانية والكردية، كما تدرس نصوصه المسرحية في المدارس الثانوية المغربية وفي مدارس البعثة الفرنسية وفي كثير من الكليات وفي المعاهد المسرحية المغربية والعربية، كما قدمت هذه النصوص في كثير من الدول العربية والأجنبية، و صدرت في كتب وفي مجلات وفي بعض الملاحق الثقافية للجرائد.