يقتلعون مئات أشجار ال «أركان» بشكل متدرج ومتخفي، يراكمون الأحجار والتراب في الحفر التي استؤصلت منها الأشجار تمهيدا لإنشاء مقلع للحجارة مكانها. قصة مأساة مثيرة تحل بغابات «أركان» بقبيلة « إداومنّو» بأشتوكة أيت باها تحت أنظار السلطات المحلية والجهات الوصية. تتعالى أصوات الأهالي مستنكرة زحف المقالع والتهامها لهذه الشجرة المباركة بشكل شبه منظم ، غير أن نداءات هؤلاء سرعان ما تقابل بالتجاهل وكأن هذا الأمر يتجاوز المسؤولين محليا وإقليميا. أصابع الاستغراب لدى الأهالي تشير إلى موقف صمت الجمعيات المختصة و التي صمت آذان الأهالي في العديد من المناسبات باهتمامها بشجرة أركان والحفاظ عليها لكنها اليوم تخلفت عن الدفاع عنها، حيث ظلت تستأصل وتدمر بشكل إجرامي يندى له الجبين. المقالع بدل «أركان»! أصابتنا الدهشة ونحن نصعد بعض مرتفعات غابات أركان بإقليم اشتوكة أيت باها بعد أن توقفنا رفقة العديد من أبناء البلدة على مساحات غابوية يتقلص عدد أشجار الأركان فيها يوما بعد آخر، وزادت دهشتنا بعد اكتشافنا أن العديد من الحفر المغطاة بالأحجار والتراب والتي يزيد قطر بعضها على مترين كانت قبل شهور فقط موقع قدم أشجار الأركان الضخمة وتمت تغطيتها من قبل الجناة بالأحجار لتفسح لهم مجال إنشاء مقلع للحجارة إلا أن بعض هذه الأشجار المقتلعة تفضح هؤلاء المعتدين إذ تنبت من جديد شتلات صغيرة تقاوم بين الصخور وقد ذكرني المشهد ببيت شعري لأحد الشعراء الأمازيغ مادحا مقاومة شجرة أركان يقول فيها «أركان إغياد إبي ذا تلوحن تاياوين» ومعناه «أركان ولو أجثت يبقي شتلات تحييه من جديد». ولم يستبعد أحد أبناء المنطقة أن يكون هؤلاء الجناة قد استعملوا مواد سامة على جذور الشجر درءا لأي نمو جديد للشجرة، وقد تبين لنا بعد ذلك - ونحن نواصل الصعود إلى إحدى المرتفعات- أن نسبة قليلة فقط من هذه الأشجار المستأصلة هي التي قاومت فنمت من جديد على شكل شتلات صغيرة تظهربين الصخور والتربة المتراكمة على بقايا جذورها. مصالح المياه والغابات على علم؟ تساءلت ساكنة هذه المناطق غير ما مرة عما إذا كانت مصالح المياه والغابات على علم بهذه الانتهاكات البيئية، فيما صرح أحد المسنين (حوالي 62 سنة) ل «التجديد» أن جل هذه الهكتارات الغابوية- وهو يشير إلى مساحات من حولنا- كانت قبل عهد قريب مكسوة بأشجار الأركان لكن يضيف المتحدث بحسرة- زحف المقالع اليوم قضت على مئات من هذه الأشجار، وهذا يقول فاعل جمعوي - ينذر بكارثة بيئية قد تصيب المنطقة مستقبلا، مع العلم أن بعض هذه المقالع المحيطة بالمنطقة تستعمل متفجرات ذويها قوي يساهم في هجرة العديد من الحيوانات كالثعالب والذئاب والأرانب والطيور أضحت معها غابات هذه المنطقة جسدا بلا روح، ناهيك عما تحدثه المقالع التي لا تبعد عن الساكنة إلا بمسافات قليلة من أضرار بيئية بسبب الغبار التي تلوح في أفق سماء المنطقة وتكون في بعض الأحيان سحابات بيضاء تحط من بعيد على الأشجار والبنايات وتلون كل ما يحيط بها بالأبيض الداكن. والزائر لقبيلة إداومنو تظهر له غيران المقالع من بعيد كحفر بيضاء لصيقة بجوانب الجبال الصخرية المحاطة بسياجات لا يلجها إلا الشاحنات والعمال. أبناء المنطقة ضد تدمير أركان... تعالت أصوات بعض الشباب وأدانوا ما آلت إليه غابة أركان ببلدتهم، و رأوا من هذه الانتهاكات ضربا من الهجوم على موارد المنطقة دون أن تستفيد الساكنة من هذه الموارد تنمويا واجتماعيا بل بالعكس يقول أحد الشبان بدأت خيرات البلدة تتضاءل منذ إنشاء هذه المقالع و تراجع منتوج أركان نتيجة الإفراط في تدميره، وبدأ عدد رؤوس الماشية من ماعز وأغنام يتضاءل بعد أن زوحمت بهذه المنشئات وتقلصت معه مساحات المراعي بالفضاء الغابوي مما سينتج عنه مستقبلا ما لم يتدارك المسؤولون المشكل هجرة الساكنة لتتحول المنطقة بكاملها إلى مقالع مدمرة للشجر والحجر والحيوان . سئمت إحدى الجمعيات من مراسلة المسؤولين محليا وإقليميا بشكايات وعرائض موقعة من قبل السكان تستنكر فيه ما تتعرض له غابات أركان من تدمير واجتثاث خصوصا بعد أن لاحظ هؤلاء السكان أن المعتدين على الغابة يسلكون طرقا عدة للإفلات من احتجاجات السكان ومن المتابعة القانونية، فيما تساءل بعض الغيورين على بلدتهم عما إذا كانت السلطات ستضع حدا لمثل هذه المقالع أم أن الساكنة سينفذ صبرها يوما وستخوض كل الأشكال النضالية التي يضمنها القانون لتحرير مصادر أرزاقها ممن وصفتهم بمخربي البيئة . وفي السياق ذاته قال أحد المنتخبين بالمنطقة ل «التجديد» إنه منكب على هذا الملف وقد يضطر عما قريب إلى رفعه إلى مسؤولين مختصين لإيفاد لجنة قانونية للبث في هذا المشكل قبل أن يستفحل وتنتج عنه أضرار صحية خطيرة في صفوف الأطفال والعجزة كضيق التنفس وأمراض جلدية . وقد سبق لساكنة المنطقة أن بعثت بشكاية لعامل إقليم اشتوكة أيت باها حصلت «التجديد» على نسخة منها طالبته فيها بوقف إجراءات إحداث مقلع قرب دواري «أيت اخشين» و»تكنيت» لكون المنطقة تقول الشكاية مشبعة بمثل هذه المشاريع مثل المشروع الضخم لإسمنت المغرب ومقالع كثيرة موزعة بالمجال الغابوي، وحذرت الشكاية من كون شجر «الأركان» إرث المغاربة هو المتضرر بالدرجة الأولى من هذه المشاريع التي تهدد نموه بكثرة التلوث ناهيك عما ينتج من أضرار بيئية بعد اقتلاعه لتوسيع مجال هذه المشاريع . من ينقد إرث المغاربة؟ عبر أحد المواطنين وبأسى عميق عما لحق شجرة أركان ببلدته من تدمير قائلا ل «التجديد»: «سنجوع ونقاسي المحن من أجل إعادة الاعتبار لهذه الشجرة التي نعتبرها جزءا من كياننا لا نستطيع أن نعيش بدونها، فهي التي أعالتنا وقت الشدة ومنها تقتات ماشيتنا ، مخطئ من ظن يوما أننا سنتراجع عن حقوقنا ...». وعلمت «التجديد» أن لجنة مكونة من العديد من المسؤولين منها ممثل مصالح المياه والغابات زارت أخيرا المنطقة المتضررة وعاينت عن قرب ما خلفته عملية اجتثاث شجرة «أركان» من الأضرار المهددة لاستقرار الساكنة بقبيلة إداومنو وتنذر بنفوق ماشيتهم على المدى البعيد، وأبعد من هذا يقول أحد السكان إن اقتلاع هذا الشجر هو طمس لهوية وتاريخ الأجداد المغاربة و استئصال لجذورهم التاريخية بعدما حافظوا على هذا الإرث طيلة قرون وأودعوه في أيادي خلفهم كأمانة ...