تختلف أساليب الآباء تجاه تمكين أبنائهم من مصروف خاص بهم، فمن خائف على طيش وانحراف أبنائه بسبب توفرهم على أموال لا يدرون كيف توفرت ولا أين ستصرف الصرف الصحيح، ومن طالق للعنان يعتبر مصروف الجيب حقا من حقوق الأبناء يجب على الآباء أداؤها دون حسيب ولا رقيب، وبين هؤلاء وأولئك فئة ترى أن مصروف الأبناء يجب أن يعطى بحق ويصرف بحق، لكن كيف يمكنه تحقيق ذلك. وتأتي الدراسات النفسية والاجتماعية لتؤكد على أهمية مصروف الطفل في تكوين شخصيته وتحقيق توازنه النفسي، دون أن تنفي أن هناك سلبيات وإيجابيات لتمكين الطفل من مصروف خاص. الأم قائدة (س. ف) أم لثلاثة أبناء وزوجها مقاول، تعمل (س. ف) ما في جهدها كي تقود سفينة مصروف البيت إلى شاطئ النجاة، فزوجها لا يهمه ما سيصرف ولا أين سيصرف، المهم أنه يوفر المال لمن يعتبرها صاحبة البيت وصاحبة قراره، أليست هي ربة البيت؟ تقول (س. ف) في شهادة ل «التجديد» عن طريقة تدبيرها لمصروف الأبناء الثلاثة إنها تجد نفسها أمام مسؤولية عظيمة حين نالت ثقة زوجها ليضع في يدها تدبير أمور الصرف بالبيت، فهي في بداية الأمر تشرح لأبنائها الصغيرة والكبيرة حول مصاريف الشهر ومصاريف المناسبات، وكذا أخذها احتياطات التوقعات من مرض أو أفراح ومناسبات. ومن نتائج شفافية الوالدة أمام أبنائها أنهم تعلموا تحمل المسؤولية، فأصبحوا لا يطلبون مالا إلا بعد أن يعرفوا أين سيصرفونه. وقالت (س. ف) إن أبناءها الثلاثة يعتمدون على أمهم في بداية الأمر، لكنهم بمجرد ما يتوفرون على قسط من المال يستشيرون مع أمهم حول كيفية صرفه، بل وأصبحوا يقترحون على أمهم أفكارا تجعل تدبيرها المالي ناجحا، لأنها بذلك تحقق توازنا وطمأنينة داخل الأسرة، حتى وإن أعطتهم من مصروفها. أما عن الوالد، فإنه يسجل ارتياحه لطريقة تدبير (س. ف) نظرا لما يسمعه من شكاوى أصدقائه من أبنائهم الذين منهم من أصبح مدمنا على المخدرات بسبب إطلاق العنان لمصروفه، ومنهم من أصبح مضطربا نفسيا بسبب شح والديه بالرغم من توفرهم على أموال كافية لإرواء احتياجاته. المخيم مدرسة يشكل المخيم إحدى المحطات الهامة في تكوين شخصية الطفل، فهو من جهة بمثابة منظار يكشف عن أنواع الأطفال من حيث القدرات والميولات، ومن جهة أخرى يمثل أرضية خصبة لتعلم مهارات تفيد الطفل بعد انقضاء فترة التخييم. وحسب محمد الهبري، حارس عام بمركز تكوين أطر الشباب التابع للمعهد الملكي لتكوين الأطر بالرباط، فإن طريقة صرف مصروفات الأطفال المستفيدين من المخيم عادة ما تكون مراقبة ومؤطرة من قبل المدرب، ومع ذلك، يقول الهبري في اتصال هاتفي ل «التجديد» فإنه: من خلال معايشة الأطفال نكون فكرة عن أنواع الأطفال، فقد نجد بعض الأطفال يفرغون مكبوتاتهم، إذا كانوا ممن يعانون من شح آبائهم، ولذلك فهم أثناء المخيم تبدو عشوائيتهم في صرف مصروفهم، وهنا تظهر علاقة الأب بابنه، وفي الوقت ذاته نلاحظ أن بعض الأطفال لديهم طريقة واضحة في صرف مصروفهم مما يدل على أن هؤلاء تعلموا طريقة تدبير مصروفهم في أسرهم. وأضاف الهبري أن المدرب في المخيم يحاول توجيه الأطفال بخصوص صرف أموالهم من خلال توجيه بعض الميسورين إلى عدم التظاهر أمام الفقراء، وزرع روح التضامن بين الأطفال من خلال وضع ما يسمى بصندوق التضامن يسهم فيه المؤطرون والميسورون حتى لا يشعر الفقراء بالدونية أمام أقرانهم الميسورين، وهذه من إيجابيات المخيم، يقول الهبري.. وقد تتجاوز توجيهات المؤطرين للمستفيدين من المخيمات فترة المخيم بتعليمهم أوجه صرف المصروف في مختلف محطات حياتهم، وهذه من بين وظائف المدرب في المخيم الصيفي، يقول الهبري. ومن جهة أخرى، أشار الهبري إلى أن المخيم يشكل فرصة للتعرف على طبيعة بعض الأطفال من خلال مشترياتهم، ففي الوقت الذي نجد البعض يشمل كل أفراد الأسرة بشراء الهدايا، نجد في المقابل من يقتصر على مشترياته لنفسه. وخلص الهبري إلى أن طريقة صرف المصروف تبرز إلى حد ما علاقة الابن بوالديه ومدى انتباههم إلى علاقة المصروف بشخصية الطفل، ليؤكد المتحدث نفسه أن تمكين الطفل من مصروف خاص هو بمثابة استقلال نفسي، وينبغي أن يكون، من وجهة نظره، بعد تكوين فكرة عن الابن من خلال تجريبه. أمن ومخاطرة ينبه الدكتور محمد عباس نور الدين، في كتابه «التنشئة الأسرية: رؤية نفسية اجتماعية تربوية لعلاقة الأسرة بأبنائها والإشكاليات التي تطرحها» إلى أنه: يجب أن لا تغيب عن ذهن الآباء حقيقة نفسية هامة، وهي أن الطفل يشعر بحاجتين تبدوان متعارضتين، إلا أنهما في الواقع متكاملتان وهما: حاجته إلى الأمن وحاجته إلى المخاطرة. والتعبير عن حاجة الطفل إلى المخاطرة تسمح له باكتشاف العالم الخارجي والتعرف على ما فيه من أشياء ومواضعات، مما يتيح له أن يختبر بنفسه هذه الأشياء ويكون صورة حقيقية عنها. إلا أن الحاجة إلى المخاطرة لا يتم إشباعها بصورة إيجابية ما لم يكن الطفل يشعر بالأمن والاطمئنان. ففي حوالي الخامسة من عمره يميل الطفل إلى الخروج للعب مع رفاقه، إلا أنه لا يبتعد كثيرا عن منزل أسرته؛ مما يحقق لديه الحاجة إلى الأمن. وإعطاء المصروف للطفل يوفر له فرصة الاستقلال التدريجي عن أسرته التي تعتبر في السنوات الأولى للطفل هي المصدر الوحيد لإشباع جميع حاجياته. إذن، فإعطاء المصروف للطفل يتيح له الانتقال من المرحلة التي يعتمد فيها اعتمادا كليا على أسرته إلى مرحلة تالية تتميز ببدء استقلال الطفل عن الأسرة وتكوين خبرات جديدة نتيجة احتكاكه بأشخاص من غير أسرته وبالعالم الخارجي. سلبيات إعطاء المصروف للطفل يرى المختصون في قضايا التربية الأسرية أنه من السهل إعطاء الطفل مصروفا إذا توفرت إمكانيات ذلك للوالدين، لكن نادرا ما يراعي الأبوان بعض الشروط التربوية والنفسية لكي يؤدي إعطاء المصروف للطفل الغاية المنشودة منه، ومن بين الشروط عدم إغداق المصروف على الطفل بدون حساب، ففي هذه الحالة يفقد المصروف وظيفته. ويجب مراقبة عملية التصرف بالمصروف من قبل الوالدين، والمراقبة لا تعني التدخل في كيفية الاستعمال، بينما ينبغي التأكد من أن المصروف لم يستعمل لأغراض غير سليمة، وهنا قد يكون مؤشر على انحراف يهدد سلوك الطفل، خصوصا إذا علمنا أن مروجي المخدرات يتخذون من المؤسسات التعليمية أماكن رئيسية لهم، وهنا يخاف على الأطفال من أن ينساقوا وراء إغراءات مروجي المخدرات. قدوة الآباء مهمة في توجيه الأبناء، فإذا كان الأب أو الأم لا يحسن تدبير مصروف الأسرة، فكيف ينتظر من الابن أن يكون ناجحا في حسن تدبير مصروفه، لهذا فإن من سلبيات إعطاء المصروف للطفل في حالة عدم وضوح الرؤية للوالدين أنهما يخاطران بتدبير مصروف الابن لأنه لا يتوفر على تصور واضح لكيفية صرف مصروفه مما قد يجعله عرضة لفساد بعض أقرانه الذين يفتحون أمامه أبواب لم يكن ليلجها لو كان يتوفر على مناعة من أهله حول كيفية تدبير مصروفه. ايجابيات إعطاء المصروف للطفل من إيجابيات إعطاء المصروف للطفل من وجهة نظر المختصين في قضايا التربية الأسرية أنه يسمح له بأن يتعامل مع أشخاص خارج الأسرة. وهذه الخطوة هامة في النمو النفسي والاجتماعي يجب تشجيعها. والإيجابية الثانية لإعطاء الطفل مصروفه الخاص أنه يتعود من خلال التصرف بمصروفه على مفهوم الأخذ والعطاء، ومفهوم الحقوق والواجبات، ومفهوم الملكية الخاصة، فالطفل الذي يذهب إلى الدكان ليشتري من مصروفه الخاص قطعة حلوى أو لعبة، يدخل في علاقة اجتماعية هامة، إذ عليه أن يبتاع من الدكان ويدفع ثمن ما اشتراه، ويقوم بعملية حسابية هي الأولى من نوعها في حياته، إذ يقارن ثمن السلعة التي يريد شراءها بالمبلغ الذي لديه، ويصل إلى اتخاذ قرار بشراء السلعة أو عدم شرائها، وبحسب المبلغ الذي سيبقى له إذا ما اشترى السلعة أو المبلغ الذي يحتاجه زيادة على مصروفه لشرائها، إلى غير ذلك من العمليات الحسابية التي ما كان له أن يدركها لولا ممارسته الواقعية لهذا الموقف. والإيجابية الثالثة لإعطاء الطفل مصروفه الخاص، أن المصروف يتيح له أن تكون له أشياؤه الخاصة به، وعليه صيانتها، وبذلك يميز بين ما له وما للآخرين، إلا أن على الوالدين عدم المبالغة إلى درجة تدفع الطفل للأنانية وجشع التملك. وإنّ توفير حاجات الطفل، وتلبية طلباته المعقولة، والتي من ضمنها منحه مصروفا خاصا به، له حرية التصرف في إنفاقه، يساعد الوالدين في تنشئته على عزة النفس ومناعة الطبع والاستغناء عن الناس، وهذا الخلق لا يمكن أن يترسخ في نفس الطفل وهو يعانى الحرمان ويشعر بالنقص تجاه الآخرين. حقيقة نفسية يقول الدكتور محمد عباس نور الدين، أستاذ سابق بكلية علوم التربية بالرباط: إن هناك حقيقة نفسية اجتماعية يجب أن لا تغيب عن أذهان الآباء والأمهات، وهي أن نمو الطفل النفسي والاجتماعي والبيولوجي، هو سلسلة من المراحل التي يأخذ فيها الطفل في الظروف العادية، في الاستقلال التدريجي عن والديه. ويجب أن يأخذ الوالدان بيد الطفل لكي ينتقل من مرحلة إلى أخرى انتقالا طبيعيا إلى أن يصبح بإمكانه الاستقلال الكامل عنهما وممارسة حياته داخل المجتمع بوصفه عضوا مستقلا قادرا على توفير الظروف المناسبة لحياته. ورعاية الطفل لاتعني أن يوضع داخل قفص ذهبي، بحيث يمكنه الحصول على كل ما يريد، شريطة أن لا يغادر هذا القفص، ويستقل عن أمه في مرحلة أولى ليصبح عضوا في مجتمع الأسرة، ثم يستقل عن مجتمع الأسرة ليندمج في مجتمع الرفاق، ثم في مرحلة تالية يندمج في مجتمع المدرسة، وبعدها يندمج في المجتمع العام. وهذه المراحل يتصل بعضها بالبعض الآخر اتصالا عضويا، وتحقيق أي مرحلة تحقيقا مرضيا لا يمكن أن يتم إلا بتحقيق المرحلة السابقة.