هل تتهيأ الدولة للإجهاز على ''حركة 20 فبراير''؟ سؤال مشروع أملته تطورات سلوك السلطات مع المسيرات الاحتجاجية للحركة خاصة في الأسبوعين الأخيرين. وهذا السلوك اتخذ بعدين أساسيين :بعد قانوني يقضي بالرفض الممنهج للترخيص لأية مسيرة أو تظاهرة للحركة وفي كل المدن المغربية، بعد أن كانت السلطات ''متسامحة'' في هذا الجانب لأزيد من ثلاثة أشهر. و بعد أمني يقضي ليس بالتدخل على إثر مسيرة أو تظاهرة بل بسحق بوادر أية محاولة للتجمع لأجل التظاهر. ويتخذ التدخل شكلا شاملا لا يستثني أحيانا مواطنين لا علاقة لهم بالتظاهر. تظاهرات ''حركة 20 فبراير'' من جهة وسلوك السلطة في عمومه في الأشهر الثلاثة الماضية من جهة ثانية ونوع من الإجماع في الأوساط السياسية والحقوقية والإعلامية من جهة ثالثة حول التعامل الحضاري بين الطرفين، جلب للمغرب إمدادات غير مسبوقة من ''العملة الصعبة'' في مجال الحريات العامة وحقوق الإنسان، في سياق دولي يطبعه القمع الدموي للأنظمة السياسية في الوطن العربي، وتحدث الجميع عن الاستثناء المغربي. ما الذي تغير وجعل الأمور تتجه نحو إنهاء الاستثناء المغربي؟ هل انتهت ''صلاحية'' حركة 20 فبراير بالنسبة للدولة بعد أن ''امتلأ'' رصيدها من ''العملة الصعبة الحقوقية'' بشكل يكفي لسداد فاتورة تصفية الحركة؟ مما يعني محاولة استعادة المجال العمومي والعودة به لما قبل 20 فبراير. هل الاستحقاقات السياسية القادمة لا تتسع لحركة احتجاجية من مثل حركة 20 فبراير المعارضة، خاصة وأن تلك الاستحقاقات تتضمن قضية كبيرة تتعلق بطرح مشروع الدستور للتداول العمومي في أفق عرضه للاستفتاء؟ ومبررات هذا الاعتبار نجدها في موقف الحركة الرافض للجنة المنوني ودستورها الذي تصفه الحركة بالممنوح مما يعني احتمال تنظيمها حملة المقاطعة أو التصويت بلا. ومعلوم أن الأعراف المغربية تقضي بأن يعتمد الدستور بما يشبه الإجماع، وهو ما لا يمكن ضمانه في ظل مسيرات تعبئ الآلاف من الشباب. هل تغير شيء في أهداف ''حركة 20 فبراير'' ووسائلها بشكل يبرر وأدها؟ وهذا ما أعلن رسميا بالإضافة إلى أمور أخرى. وهو شيئ متوقع لكونه الطريق الوحيد لتحقيق الأهداف المركزية المتعلقة باستعادة الفضاء العمومي وخلق أجواء تمرير الاستحقاقات السياسية بالشكل المناسب والمطلوب. الخطاب الرسمي، سواء من خلال تصريحات وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة أو من خلال الإعلام الرسمي والإعلام الدائر في فلك السلطة والمال، نجده يلخص الأمور التي تجعل رأس ''حركة 20 فبراير'' مطلوبا، في خمسة قضايا كبرى وهي: الأولى تتعلق ب''ابتلاع'' حركة 20 فبراير من طرف ثلاثة تنظيمات، حسب وزير الاتصال، وهي جماعة العدل والإحسان وحزب النهج الديمقراطي اليساري وجماعة السلفية الجهادية. وهذا التركيب يسوغ، حسب الوزير، تدخل السلطة لمنع استغلال الحركة لخدمة مخططاتهم. الثاني يتعلق بكون تظاهرات حركة 20 فبراير غير مرخص لها. وهو الأمر الذي كان يلوح به الوزير مند ثلاثة أشهر ليتحول فجأة إلى حجة عملية في ظل رفض الترخيص بشكل ممنهج لاحتجاجات الحركة. رغم أن ''حركة 20 فبراير'' التي اعترفت بها الدولة لم تنظم مسيراتها على أساس ترخيص مسبق، وهي المسيرات التي سوقها الإعلام الرسمي وأشاد بها! الثالث يتعلق بما دأب وزير الاتصال على إثارته والذي أسماه ب''الاستفزاز'' حيث أن القوات العمومية لم تتدخل سوى لوجود استفزازات ضدها من طرف المتظاهرين، حسب الوزير. وهو أمر يتطلب معاقبة تلك القوات وليس الدفاع عنها، حيث أن الواجب أن لا تقع في الاستفزاز! الرابع يتعلق ب ''الاحتجاج في الأحياء الشعبية''. وهذه النقطة هي أكثر ما جلب نوعا من ''الالتحاق'' و بنسب مختلفة بالموقف الرسمي من طرف كثير من الأطراف. وهذه ''الحجة'' تثير احتمال وقوع انفلاتات أمنية لا تستطيع ''حركة 20 فبراير'' ضبطها أو التحكم فيها. الخامسة تتعلق بطبيعة الشعارات التي بدأت ترفع في مسيرات الحركة والتي تتجاوز السقف السياسي المعلن عنه في السابق. إن هذه ''الحجج'' التي لا يصمد أغلبها أمام النقد والتمحيص، هي التي يرتكز عليها ''مشروع استأصال'' حركة 20 فبراير الذي ترجحه التطورات والمؤشرات المتلاحقة. ويكشف الخطاب ''الاستأصالي'' الجديد عن أهداف يمكن إجمالها في أربعة عناصر أساسية. الأول يتعلق بخلق أجواء من الخوف في محيط الحركة يفقدها زخمها الجماهيري وتموت من تلقاء نفسها أمام واقع قمعي متصلب غير متكافئ. الثاني دفع الحركة إلى ردود فعل تسقطها في التطرف مما يعطي المبررات لتصفيتها تحت غطاء إعلامي وسياسي متواطئ. الثالث استغلال التناقضات الداخلية للحركة وتأجيج الصراعات داخلها في أفق تقسيمها ودفع أطرافها إلى الصراع، وهو ما نشطت فيه ''الجوقة الإعلامية''. الرابع يتعلق باستمداد ''المشروعية الاستأصالية'' من تجاوز ''أضرار'' الحركة لما هو أمني إلى ما هو اقتصادي واجتماعي، وهو ما جسدته تظاهرات من سموا بتجار وحرفيين يزعمون تعرض أنشطتهم التجارية للكساد جراء التظاهر السلمي مرة في الأسبوع! وهذا التوجه أخد منحى الاحتكاك مع متظاهري ''حركة 20 فبراير'' في بعض المدن مثل الدارالبيضاء. مما يؤشر على احتمال الدخول في اضطرابات قد تعط المبرر الأمني لفرض منع التجمعات أيا كان نوعها وحجمها. في مقابل هذا ''المشروع الأمني'' المحتمل لم تقدم الدولة مؤشرات دالة على إمكانية التوسع في إجراءات التجاوب مع تطلعات الشارع المغربي. و''جمدت'' تقريبا إجراءات الثقة التي هي العنصر الحيوي في مشروع الإصلاح الديمقراطي المطلوب، كما لم تباشر إجراءات تعطي إشارات على وجود إرادة لمحاربة الفساد باستثناء الإعلان عن بعض المؤسسات. في حين تم تقديم ما لا يحتاج إلى تأويل على الانتصار للنزعة السلطوية خاصة في التعنت الذي صاحب تنظيم مهرجان موازين الذي كان من شأن تأجيله أو حتى إلغائه هذه السنة أن يقدم رسائل رمزية على النية في الفصل بين السلطة والمال وبينهما وبين مجالات القيم ذات الحساسية الكبيرة. أمام نوع من الجمود في الأجندة الرسمية التي لم تستطع بلورة خيار ثالث يتمحور حول شعار ''ثورة الملك والشعب'' ويعبئ الجماهير في مشروع نهضوي يمكن الدولة من قوة استثنائية لمحاربة الفساد وإقامة دولة الحق والقانون على أرضية صلبة، أمام هذا الجمود تشرع الأبواب على كل الاحتمالات، وهذا مؤسف. إن هناك مخاوف كبيرة من يتم الالتفاف على مشروع الإصلاح الذي دشنه الملك محمد السادس بخطاب التاسع من مارس بدعاوي ملتبسة تحاول تقديم اللاستقرار أمني كفزاعة ضد الحراك الشعبي. مما يجعلنا أمام انحصار المنجزات فيما قد يسفر عنه التعديل الدستوري وما تم من تسريح جزء من المعتقلين ومن إحداث مؤسسات محدودة.