من ذاكرة الشرطة، هي حكايا يرويها ضباط الشرطة تخص أكثر القضايا التي أثرت في مسيرتهم العملية، بسبب بشاعة وفظاعة الجريمة، أو بسبب صعوبة تتبع خيوط الجريمة بسبب حرص الجاني.. سنخصص عدد اليوم لجريمة بشعة بكل المقاييس، فلم يكتفي الجاني بقتل الضحية بل تجاوز الأمر إلى تقطيعه أطرافا متعددة لحم متناثر قضية اليوم هي من القضايا التي عالجها ضابط الشرطة الممتاز عبد الوالي شكر الله، رئيس المجموعة الثالثة للبحث بالمصلحة الولائية للشرطة القضائية بمراكش، تم نشرها بمجلة الشرطة «العدد 74 مارس 2011». يقول عبد الوالي، أنه في صباح يوم 30 أكتوبر 2008، تم إخباره من قبل قاعة المواصلات باكتشاف بقايا قطع لحم متناثرة في أرض شاسعة تقع على الطريق الرابطة بين حي آزلي وحي لمحاميد، حيث كان من الواضح أنها من أصل بشري. انتقل المعني رفقة مساعديه على الفور إلى عين المكان، فوقف على مشهد يقول إنه من أبشع المشاهد التي رآها، فعلى الجانب الأسفل للطريق بالقرب من نطاق حائط المطار، اكتشف القلب و الرئة لازالا طريين داخل كيس من البلاستيك. أجريت الأبحاث والتحريات على الطريق، حيث تمكنت من جمع 17 قطعة أخرى من اللحم، وتبين من الجلد بأنها ترجع لأصل بشري، كما يظهر وبشكل واضح أن رمي هذه القطع المكتشفة ليلا، يبرر بسبب عدم وجود الإنارة العمومية في هذا الجزء من الطريق. عمليات المسح للأماكن المجاورة لم تسفر على شيئ، وبعد الرجوع إلى المصلحة تم وضع قطع اللحم تحت الأختام وأرسل إلى مختبر الشرطة العلمية بالبيضاء، وفي اليوم التالي جاء تقرير الخبرة مؤكدا أن قع اللحم هي بقايا بشرية، مع التدقيق أن الأمر يتعلق بإنسان من جنس ذكر. بداية البحث استدعى ضابط الشرطة أحد الأسر التي سبق أن وضعت شكاية باختفاء ابنها -الذي يعمل بملهى ليلي بفندق فاخر-بطريقة غير مفهومة، وفي انتظار نتائج التحليلات، قام الضابط باستدعاء زوجة المختفي التي كانت تعمل راقصة بإحدى الملاهي، حيث صرحت أن لا علم لها عن مكان تواجد زوجها بعد خروجه من بيت الزوجية، مؤكدة أنها لم تره منذ ذلك الحين، مضيفة أنها بحثت عنه بدون جدوى في جميع المستشفيات ومراكز الشرطة ولدى والديه أيضا، قبل أن تقرر إبلاغ الشرطة بأمر اختفائه. وفي اليوم التالي، تأكد أن الحمض النووي للوالدين يتطابق مع حمض الهالك، فالضحية إذن هو المسمى قيد حياته «أحمد»، أول مشتبه به سيكون هو الزوجة -حسب الضابط- وبعد الانتقال إلى منزل الزوجية تمت معاينة بشكل واضح آثار الدماء على المقعد الخلفي للسيارة، وأخرى على السجادة، يظهر أنه لم تختف رغم التنظيف الشامل والعميق. كما أن التفتيش المنزلي كشف عن وجود بقايا آثار دم غير ممسوحة سوداء لا تزال تحت المغسل وأيضا بغرفة النوم التي تم صباغة جدرانها لإزالة ومحو الآثار. إلا أن هذا لا ينفع -يقول الضابط عبد الوالي- مع وجود منتج جديد يتم استخدامه من قبل تقنيي مسرح الجريمة يسمى «le bleu star»، حيث يظهر هذا المنتج وبشكل واضح ومرئي في الظلام بلون مائل للزرقة آثار وبقع الدم على الجدران والأرضية، مما يمكن من أخذ عينات غير مرئية للعين المجردة، ليتم إرسالها إلى المختبر ومرة أخرى جاءت الخبرة لتؤكد وجود تطابق وعلاقة بين هذه الآثار والحية. من حب إلى كراهية رغم مواجهتها بالدليل، لم تعترف أرملة «أحمد» بالجريمة، وظلت لساعات تؤكد وتكرر تصريحاتها الأولى، رغم تأكيد الضابط بأن الإنكار لا قيمة له أمام الأدلة العلمية، التي تحاصرها. وبعد استجواب أجري في إطار القواعد الفنية، انهارت المعنية واعترفت بتفاصيل الجريمة الفظيعة التي ارتكبتها هاته الزوجة في حق زوجها. بدأت القصة سنة 1998 ، سنة اللقاء بين الضحية وقاتلته، كانت حينها مطلقة بطفل، وبعد حين اشتغلت راقصة في الملهى الذي يعمل فيه الرجل، أبدعت في هذا المجال وبقيت على علاقة ب»أحمد» الذي كان بفضل اصدقائه المنتشرين في الحانات، كان يعلم كل تحركاتها وخرجاتها، وظلت تلك المواقف تتنامى في ذاكرته، تخللتها بعض الخصامات، حيث كانت الغيرة تنخر علاقتهما لتبلغ ذروتها في إحدى الأيام حيث اقتحم أحمد البيت وأخد جميع أثاثه، على إثرها تقدمت هي ووالدتها بشكاية ضده دخل بسبها إلى السجن لمدة أسبوعين، فأطلق سراحه بعد تنازلها عن الشكاية. وبعد الخروج من السجن، قرر أحمد الزواج بها شرعيا، وطلب منها التوقف عن الرقص في الملاهي بصفة نهائية، فوافقت شريطة التكفل بها وبإبنها وبأسرتها الصغير ماديا، فوافق»أحمد» على الشروط وتزوجا. لكن بعد ثلاثة أشهر، تغيرت تصرفات «أحمد» بدءا بعدم الوفاء بوعده التكفل بمصاريف بمصاريف البيت، كما صار عنيفا ومتعجرفا مما كان ينتج عنه صراعات وخلافات بينهما، فطردته والدتها من البيت وأجبر على كراء بيت آخر. تكررت نفس المشاهد والمواقف مع «أحمد»، بل خير زوجته ما بين الطلاق أو البقاء في بيت الزوجية والقبول بمصيرها. مما جعلها تشك في مشاعره تجاهها، خاصة بعد أن صار يبيت خارج البيت، وعليه بدأت تتغذى مشاعر الكراهية بداخلها، إلى درجة التفكير جديا في قتله، ذلك أنه لم يكتف فقط بمنعها من مزاولة عملها السابق بل هو لا ينفق عليها بالإضافة إلى معاملته المهينة لها. وكنوع من التنفيس، قامت بإحياء علاقة سابقة لها، هذا الأخير غمرها بالمال والهدايا، وظل «رشيد» يغدق عليها لدرجة الإسراف و التبذير، وكانت تحكي له كل معاناتها مع زوجها، لدرجة أنها أخبرته بنيتها في التخلص من الزوج، ولم يبذل «رشيد» جهدا في أن يقترح عليها عدة سيناريوهات من بينها دهسه بشاحنة، أو وضع الكوكايين في سيارته، أو رميه في البحر بعد تخديره. ليلة الجريمة التقت الزوجة برشيد، في مدينة مراكش، سلمها حينها حبوبا منومة، وطلب منها أن تخبئها إلى حين، وفي يوم من الأيام اتصل رشيد بالزوجة وطلب منها أن تذيب الحبوب المنومة في كأس به عصير، على إثره خلد «أحمد « إلى النوم العميق. وبعد بضع دقائق جاء «رشيد» للمنزل، وحوالي الساعة 11 ليلا طلب منها المكوث وراء باب الشقة لمراقبة الوضع، وقام بجر «أحمد» إلى غرفة النوم، تم بدأ يوجه إليه ضربات على مستوى الرأس، وعندما بدأ «أحمد» في الأنين من شدة الألم، طلب منها رشيد رفع صوت التلفاز لكي لا يسمع أي صوت. بعد ذلك قام رشيد بأخذ إسفنجتين من تحت جسم الضحية مبتلتين بالدماء، ووضعهما في كيس من البلاستيك واستأذن منها الخروج ليتخلص من الكس ويعود، لكنه ذهب بدون رجعة، واتصلت به هاتفيا لكنه لم يجبها. بعد ذلك انتقلت الزوجة إلى بيت والدتها لتطلب المساعدة، حيث اقترحت هذه الأخيرة على ابنتها تقطيع الجثة إلى أجزاء لتسهيل التخلص منها، فحملتا معهما سكينا كبيرا ورجعتا معا إلى المنزل، تم جرتاه إلى الحمام وشرعتا في تقطيع جثته، أمام هذا المنظر البشع والمقزز أصيبت الزوجة بدوار وهربت للاختباء في صالة المنزل. بعد الانتهاء من عملهما الشنيع، قامتا معا بوضع قطع الجثة في أكياس من البلاستيك، ولم يبق إلا الرأس والقدمين حيث اقترحت الأم رمي القطع على طريق آيت إيمور التي اعتادت سلكها لزيارة العائلة، سيما وأن هذا المكان يعج بالكلاب الضالة. وفي ظلمة الليل غادرتا إلى المنزل ووضعتا أكياس البلاستيك في المقعد الخلفي للسيارة حيث تجلس الأم، وبوصولهما على مستوى الطريق خلف المطار، وبدأت الأم في رمي الأكياس . في اليوم التالي قامتا بشراء طلاء الحائط وشرعتا في صباغة جدران الحائط سيما غرفة النوم والصالة، بعدها نقلتا قطع الجثة المتبقية «الرأس والقدمين» إلى بيت الوالدين وأضرمتا النار فيهما. بعد هذه الاعترافات ألقي القبض على المسمى رشيد في حين لاذت الأم بالفرار وحين شعرت بأن الشرطة تعرفت على مكانها اقتنت قنينة حمض الكلوردريك المشبع بماع «القاطع» وشربت منه لتفارق الحياة.