تؤكد المطيات الجديدة حول مقتل زعيم القاعدة أسامة بن لادن، أن جوانب متعددة حول مقتله تطرح فرضية توظيف سياسي وإعلامي من طرف إدارة أوباما. وأن مقتل أكثر المطلوبين في العالم لم يكن عملا أمنيا محضا. وتكشف المعلومات الرسمية التي كشفت عنها الإدارة الأمريكية أن توقيت العملية كان مقصودا وأن الهدف منها لم يكن اعتقال بن لادن وتقديمه للعدالة بقدر ما كان هو ''التخلص الاستأصالي'' منه وبأسرع وقت ممكن. وفيما يتعلق بالتوقيت كشف نائب الرئيس الأميركي ''جو بايدن'' الثلاثاء في خطاب ألقاه في واشنطن بمناسبة الذكرى الخمسين لتأسيس معهد ''اتلانتك كوانسل'' أن مكان اختباء أسامة بن لادن كان معلوما من مدة وانه تم إبلاغ 16 عضوا في الكونغرس به قبل أشهر من تنفيذ الهجوم عليه. هذه المعطيات تفيد أن الإدارة الأمريكية لم ترد فقط التخلص من بن لادن بل أرادت أن يتم ذلك في وقت مناسب ولو بعد شهور رغم الرهان الأمريكي على القبض على بن لادن مهما كان الثمن. ومن المعلوم أن التوقيت في التدبير السياسي لا يكون بريئا، والسياق العربي المتميز بالحراك الشعبي وموجة التغييرات السياسية التي تطاله تجعل توقيت قتل بن لادن ورقة قد يراد لها أن تلعب دورا ما في هذا السياق. وفيما يتعلق بهدف الهجوم على بن لادن، يتبين من المعطيات التي سربتها الإدارة الأمريكية أن قتله كان هو الهدف وليس اعتقاله. وهذا ما أكده المتحدث باسم البيت الأبيض،'' جاي كارني''، الثلاثاء حين أعلن أن أسامة بن لادن لم يكن مسلحا وقت إطلاق النار عليه وقتله من قبل أفراد القوة الخاصة الأميركية، ونقلت وكالات الأنباء عن نفس المتحدث قوله أن ان زوجة بن لادن كانت في الغرفة معه عندما اقتحم رجال القوات الخاصة المجمع ليل الأحد الاثنين، وأنها تقدمت نحو المهاجم الأميركي وأصيبت في ساقها ولكنها لم تمت''. وقبل ذلك يوم الاثنين قال مسؤولون أميركيون إن زوجة بن لادن جعلت من نفسها درعا بشرية لحماية زوجها وقتلت في الاشتباك. وهذه المعطيات تقدم لنا صورة قتل بن لادن في غرفته وهو غير مسلح بل صورة لمشهد القتل مع وجود زوجته التي حاولت،دون جدوى، حماية زوجها والدود ببدنها الأنثوي ضد مهاجم متمرس في فنون الحرب المباشرة وغير المباشرة. وكان بإمكان المهاجم، إذا فرضنا أنه واحد، بعد أن أصيبت الزوجة في رجلها أن يعتقل بن لادن الذي لم يكن مسلحا! فلماذا قتله إذن؟ هذه الرواية الرسمية تبين أن القرار الذي اتخذته إدارة أوباما هو قتل بن لادن وليس اعتقاله. مما يعني أن العدالة التي تحدث عنها أوباما في خطابه هي العدالة على طريقة رعاة البقر في الأفلام الأمريكية وليس العدالة كما يعرفها البشر. وهذا جانب خطير في الملف. وفيما يتعلق باستأصال بن لادن، نجد أن الأمر لا يتوقف فقط عند قتله بذل اعتقاله الذي كان متاحا وميسرا في مكان تؤكد الرواية الرسمية الأمريكية أن الطابق الذي كان فيه أوبا والذي قبله كان يضم عالته فقط. إن السرعة التي تم التخلص بها من جثة بن لادن والكيفية التي تمت به تكشف عن طبيعة القرار الأمريكي في الموضوع، فرمي جثة بن لادن في البحر ساعات بعد قتله، تؤكد أن القرار يريد أن يتخلص بشكل جدري من أي وجود لبن لادن، وهو ما يكشف جانبا خطيرا من عدم استعداد الإدارة الأمريكية تحمل مسؤوليات ما تطلبه العدالة الانسانية من حماية لو اعتقل حيا، ومن تدبير ما سوف يستتبعه وجود قبر لبن لادن في أي مكان في العالم، لذلك فضلت تلك الإدارة أسهل الطرق، هو رمي الجثة في البحر. وهذا الأمر من الناحية الحقوقية يطرح إشكالات كثيرة أبسطتها حق أهله في أن يكون لبن لادن قبر، فهل استشارت الإدارة الأمريكية أسرة بن لادن في كيفية التعامل مع جثته وهي التي تقيم الأرض ولا تقعدها لاسترجاع جثة مواطن أمريكي في أي مكان من العالم لدفنها في مراسيم تحترم التقاليد الأمريكية؟ إن محاولات الإدارة الأمريكية تبرير ''طريقتها'' المثيرة في التخلص من بن لادن ميتا، بعد قرار التخلص منه حيا بالقتل وليس بالعدالة، يكشف عن اختلالات كثيرة تطال حقوقه كإنسان مهما اختلفنا معه وحقوق عائلته وحقوق الدولة التي هو مواطن فيها وحقوق احترام الدين الذي يدين به ويدين به أزيد من مليار مسلم. ونكتفي في هذه العجالة بعرض صورة جنازة بن لادن على الطريقة الأمريكية كما أوردتها الرواية الرسمية. نقلت وكالات أنباء أجنبية الاثنين عن مسؤول دفاعي أمريكي أن أسامة بن لادن دفن في البحر من على ظهر حاملة طائرات أمريكية، وأضاف المسؤول ''تم غسل المتوفى ثم وضع في كفن أبيض. ووضع الجثمان في كيس ثم تلا ضابط كلمات دينية ترجمها إلى العربية متحدث بها. وبعد الانتهاء من التلاوة وضع الجثمان على لوح مسطح ثم انزل جثمان المتوفى إلى البحر''! هذه هي صلاة الجنازة في ''الإسلام الأمريكي''، والتي لا تتوافق مع أي مذهب من المذاهب الإسلامية على كثرتها واختلافها. فمن الواضح أن الأمر يتعلق بطقوس على الطريقة المسيحية، وما الحديث عن ترجمة ''كلمات دينية'' إلى العربية إلا محاولة ساذجة وبليدة للتغطية عن الفظاعة التي ارتكبتها الإدارة الأمريكية في حق الدين الإسلامي. إنه مهما بلغ التناقض والاختلاف بل وحتى العداء مع بن لادن فلا شيء يبرر السياسة الاستئصالية التي اتبعت معه حيا وميتا، والتي انتهت بمسرحية نالت من الإسلام. من خلال الملاحظات السابقة يتبن أن مقتل بن لادن وطريقة تنفيذها تحمل رسائل تدين الادارة الأمريكية وتطرح فرضية توظيف الحدث لبعث الحيوية في مشروع الحرب على الاهاب بعد أن تأكد أن الشعوب العربية العربية والاسلامية انخرطت في خيار آخر هو التغيير السلمي على أساس القاعدة الجماهرية والشبابية.