لم يكن في بال أهالي ، التي كان يعيش سكانها في هدوء واستقرار، بأن محتلين سيأتون من أقاصي الدنيا ليسلبوا أرضهم عنوة وقهرًا.. ليس ذلك فحسب بل ليمعنوا في اعتداءاتهم على أصحاب الأرض الأصليين، يقتلون ويخربون ويعيثون فسادًا في الأرض؛ يقطعون الأشجار ويحرقونها، يصادرون الأرض ويشردوا أهلها.. هكذا كانت مستوطنة "ايتمار" الصهيونية وليدة غير شرعية على أراضي المواطنين بقرية "عورتا". نبذه عن القرية قرية "عورتا" تقع على عدد من التلال جنوب شرق نابلس -وعلى بعد 8 كم منها -، يبلغ عدد سكانها خمسة آلاف نسمة، يوجد بها أربع مدارس وثلاث عيادات طبية وثلاث روضات، فيها مقام –العزيز- الذي يعتقد بأنه قبر لأحد الأولياء الصالحين، كما يوجد فيها الكثير من المواقع والمقامات التاريخية مثل "المفضل" و"العزيرات" و"السبعون شيخًا"، حيث يتذرع اليهود الصهيانية بالصلاة في هذه المقامات لاقتحام القرية بشكل دائم. يحيط ببلدة "عورتا" معسكران للجيش الصهيوني أقيما على أراضيها -التي صادر الاحتلال جزءًا كبيرًا منها- بعد احتلال عام 1967 للضفة الغربية، الأول في الجهة الشرقية، والثاني في جهتها الشمالية الغربية على المدخل الرئيس لها، وهو معسكر "حوارة"، ويشكل المعسكران خطرًا حقيقيًا على سكان البلدة. مستوطنة "ايتمار" في عام 1984 أقيمت النواة الجديدة لمغتصبة "ايتمار" على أيدي طلبة معهد "مئير" الصهيوني بالقدس، وأطلق عليها في البداية اسم "تل حاييم" كإشارة لاستئناف ما يسمى بالحياة اليهودية في الموقع، الذي يعتبرونه رمزًا دينيًا وعقائديًا له ارتباطات مزعومة "بالعيزر ايتمار بنحاس"، و"السبعون شيخًا" حسب ما يدعون في التاريخ اليهودي، وبدأت تتوسع المستوطنة - التي حول اسمها من "تل حاييم" إلى "ايتمار" - ببطء شديد حتى تمددت وتضاعفت تدريجيًا. ويستخدم المستوطنون الصهاينة مغتصبة "ايتمار" للقيام بالأعمال الزراعية، حيث تنتشر فيها البيوت البلاستيكية الزراعية، وحظائر تربية العجول والخراف والخيول، كما يوجد بها مراكز للتعليم الديني. وفي مشهد مؤلم متناقض يعكف مستوطنو "ايتمار" على تخريب محاصيل المزارعين الفلسطينين في قرية عورتا بشكل متواصل. وتتصل مغتصبة "ايتمار" مع معسكر "حوارة" للجيش الصهيوني بطريق التفافي، نظرًا لقربها الشديد منه، وكذلك تتصل بنفس الطريق من الشمال بمستوطنة "الون موريه"، إضافة لاتصالها مع الآلاف من الدونمات بأراضي الأغوار المغلقة لأغراض عسكرية بقرار من سلطات الاحتلال، ويشكل هذا الاتصال كتلة مستوطنات مرتبطة ببعضها تشملها خرائط التسوية الدائمة، التي ستبقيها تحت سيطرة الاحتلال الصهيوني. معاناة مستمرة مغتصبة "ايتمار" تعتبر المأساة الحقيقية بالنسبة لأهالي "عورتا" والقرى المحيطة؛ حيث تعتبر حاجزًا سياسيًا وجغرافيًا تمنع التواصل الفلسطيني بين نابلس والأغوار، كما يرتبط اسم المستوطنة المقامة على أراضٍ مصادرة من قرى "عورتا" و"روجيب" و"بيت فوريك" و"خربة يانون" بأعمال قتل واعتداءات متواصلة على سكان القرى المذكورة، فعشرات المستوطنين المتطرفين "يحجون" - وبالمعنى العملي يخرجون كخفافيش الليل يخربون - مع ساعات الليل المتأخرة تحت حراسة الجنود الصهاينة إلى ما يسمونه مقامات دينية يهودية هي في حقيقتها مقامات إسلامية خالصة. وفور دخولهم القرية يمنعون التجول والحركة فيها تحت أي ظرف. وينتمي هؤلاء الصهاينة لجماعة يطلق عليها اسم "التائبون"، وهم أشخاص قرروا العودة للدين بعد أن سلكوا طريقًا ضالاً طويلاً كما يقولون، ويتصفون بالعدوانية والتطرف لكونهم يعتقدون أن ذلك يقربهم أكثر من الرب واليهودية، حسب معتقداتهم. مبررات واهية كانت قرية "عورتا" مع حلقة جيدة من حلقات الاستهداف والمعاناة مع جيش الاحتلال ومستوطنيه، وبدأت هذه المعاناة فجر يوم السبت 12/3/2011 عندما اقتحم شخص مجهول مستوطنة "ايتمار" وقام بقتل خمسة من المستوطنين طعنًا بالسكين بعد أن دخل منزلهم. وعلى الرغم من أن العملية لم يتبناها أي فصيل فلسطيني، بل وضعت الفصائل علامات استفهام حول من يقف وراءها لطبيعة العملية وحيثياتها، التي لا زالت غامضة حتى الآن، إلا أن الاحتلال ومنذ اللحظة الأولى أصر بأن منفذ العملية من "عورتا" رغم عدم وجود أي دليل ملموس على ذلك، وإشارة بعض المصادر الصحفية إلى وجود خلفية جنائية وراء العملية، وأن منفذها عامل آسيوي حصل خلاف مالي بينه وبين أحد المستوطنين الذي يعمل لديه، ما دفعه لقتله مع عائلته طعنًا بالسكين. 500 معتقل بشهر جيش الاحتلال لم يكترث لهذه الرواية بل استمر باستهداف قرية "عورتا" منذ تنفيذ العملية حتى اليوم وشن أكثر من سبع عمليات عسكرية في القرية، اعتقل خلالها أكثر من 500 مواطن بينهم العشرات من النساء والأطفال، وقام بأخذ عينات من DNA والبصمات للوصول إلى منفذ العملية حسب ادعاءاته، كما داهم منازل القرية وحطم محتويات الكثير منها، ولم يسلم سكان القرية من اعتداءات المستوطنين بحماية من جيش الاحتلال المتواجد في القرية. إذًا هو مسلسل مستمر من الاعتداءات والمعاناة يتعرض له سكان قرية "عورتا"، لا لذنب سوى أنهم أصحاب حق رفضوا التنازل عن أرضهم وثوابتهم، وما تعانيه "عورتا" مماثل لما تعانيه العشرات من القرى بالضفة الغربية على أيدي الاحتلال بجيشه ومستوطنيه بهدف دفع الفلسطينيين للرحيل مجددًا عن أرضهم، لكن يبدو أن الاحتلال لم يعِ بعد أن خططه لن تنجح مرة أخرى في إحداث نكبة جديدة للشعب الفلسطيني، الذي تزيده هذه الاعتداءات تمسكًا بأرضه وحقه.