الهرولات المتتالية هي سمة فئة عريضة من ربات بيوت عاملات خارج البيت، هذا لسان حال إحداهن: ''أستيقظ كل يوم في الصباح الباكر... أعد الفطور لزوجي وأبنائي... أوصلهم إلى مدارسهم ثم أذهب إلى عملي الذي أحاول إنجازه سريعا لأعود مهرولة إلى البيت قبل عودة الأبناء.. في طريق عودتي من العمل أمر على الأسواق.. أبتاع ما يحتاجه البيت من الخضر والفواكه وغيرها، ثم أعود إلى البيت لأبدل ملابسي في ثوان معدودة لأدخل ''المطبخ'' أعد الطعام سريعا وأقوم بتنظيف البيت وترتيبه ريثما يعود الأبناء من مدارسهم... بعد ساعة على الأكثر، يعود الأبناء كل من مدرسته... يتناولون الغداء ثم أجلس معهم لاستذكار ما درسوه خلال يومهم الدراسي... وبالطبع لا يخلو يوم من مشاحنات الأبناء وصراخهم وخلافاتهم الصغيرة التي لا تنتهي! وعندما يحل المساء، يعود زوجي من الخارج، خائر القوى منهك الجسد بعد أن أضناه يوم طويل شاق في ظل مصاعب لا تعد ومطالب لا تنتهي وغلاء لا يرحم... يتناول زوجي عشاءه ثم يدلف إلى سريره لينام، وعندما أحاول أن أحادثه أو أبث إليه وجعي وهمي من متاعب البيت والأبناء أو حتى مشكلة مررت بها أثناء العمل يحكم الغطاء جيدا على رأسه حتى لا يسمعني لأنه متعب للغاية وليس في حالة ''مزاجية'' جيدة تسمح له بالاستماع إليّ ! على الرغم من أن هذه الحالة المزاجية تمتد معه طوال أيام الأسبوع ويوم العطلة الأسبوعية! كيف أفكر وسط هذه الهرولات في تخصيص وقت لاجتماع الأسرة وطرح برنامج مواز لها. عائلة وأصدقاء (ن. ه) سيدة بدأت التجاعيد ترتسم على وجهها رغم حداثة سنها، وعلامات الشحوب تتسابق لترتسم على وجهها معلنة أن وراءها أثقالا يحملها جسدها وهي في السنة الثالثة من زواجها الذي أكسبها صفة الأمومة طالما حلمت بها، تختصر (ن. ه ) مشكلتها في الغياب الصارخ لزوجها عن ساحة الحياة الأسرية، ولا يكاد حضوره يكون إلا باهتا، والسبب ليس قمارا أو مخدرات أو غيرها من البلاوى الظاهرة، إنما يعلل ابتعاده عن البيت بوقوفه إلى جانب أفراد أسرته من جهة، وأصدقائه من جهة أخرى، فالتعليل الأول يرى فيه مفخرة لكونه يقضي أغراض أقربائه دون تردد، يرافق المريض إلى المستشفى ويقضي غرض الطالب، ويساعد المحتاج لغرض إداري، والوقت الذي يريد أن يخرج فيه من عالم هذه المشاكل يفكر في مرافقة أحد أصدقائه للترويح عن النفس وتبادل بت الهموم. وتبقى الزوجة أمام هذا التناوب على زوجها في قاعة الانتظار، انتظار زوج يخطط معها لأسرتها تخطيطا قريب المدى وآخر بعيد المدى، يخفف معاناتها مع وليدها الذي تضعه في روض الأطفال تاركة قلبها وعقلها معه فيما جسدها حاضر في عملها الذي تحاصرها فيه مضايقات المنافسة والسباق نحو الجودة. تتساءل هذه الزوجة التي أصبحت في حيرة من أمرها أي القرارات تتخذ، هل تترك هذه الأسرة التي طالما حلمت بتأسيسها ورعايتها للشتات، أم تكابد من أجل استرجاع زوجها بطرق جديدة لا تعلمها لأنها جربت الحوار معه دون جدوى، أم تنسى كل شيء وتعيش كما يعيش كثير من الناس هاربون من شبح التفكير الجدي.ترى هذه الزوجة أن تخصيص وقت لأسرتها أصبح على كف عفريت، فلا هي تريد تشتيت أسرتها ولا تقدر على كف زوجها عن مساعدة الغير أو حرمانه من نعمة الأصدقاء ما داموا أصدقاء خير. تتساءل هذهالسيدة كيف يمكنها الخروج من هذه الدائرة المفرغة، لتعيد لنا السؤال من حيث بدأناه. القمار أخذ أبي (م. ح) يافع بدأ يعي ما يدور حوله داخل أسرته، ويرثي حاله وحال هذه الأسرة التي حرمت من شيء اسمه الاجتماع الأسري يتبادل فيه أفراد الأسرة الرأي ويتقاسمون لحظات المرح والفرح. لم يخف (م. ح) الذي أصبح لا يغادر نادي الأنترنت متنقلا بين الألعاب الإلكترونية والدردشات الخادعة، يتقمص فيها مختلف الشخصيات، أنه يعاني من تشتت أسري غير واضح للعيان. يرى (م. ح) الذي بدأت جمعية شبابية تأخذ بيده بالرباط أن عدم تخصيص الأسرة وقتا لنفسها ضيع عليه الكثير، لقد كادت تضيع منه هواية كان يحبها كثيرا وهي الرسم، وتراجع في دراسته حتى بدأ شعور النفور من الإعدادية يسيطر عليه، بدأ رحلة البحث عن نفسه ولم يكد يجدها لأن والديه لم يكونا في المستوى الذي تمناه، يجتمعان يخططان يمرحان يسمعان لأبنائهما ويستمتعان.أصبحت كل هذه الصفات للأبوين من باب الأحلام لدى (م. ح). اتصلنا بوالدة (م. ح) لعلها تفك اللغز المحير لهذا الابن التائه عن طريقه لتجيب أن المشكلة نابعة من غرق الوالد وسط قاعات القمار بحثا عن الربح الرسيع دون جهد. قالت الأم التي أعياها العمل بإحدى الشركات الخاصة وتحمل كل أعباء البيت في غياب خادمة ومساعدة الزوج إنها في الوقت الذي تسعى لاجتماع أسرتها يزداد زوجها ابتعادا سواء فاز في القمار أو لم يفز.وصبت أم (م. ح) جام غضبها على من سمح بفتح قاعات القمار ورخص لها ورعاها لأنها هدمت أسرا لا ذنب لها. الحنين إلى البيت أفادت دراسة أعدها منتدى الزهراء للمرأة المغربية بتعاون مع وحدة التكوين والبحث في قانون الأسرة المغربي والقانون المقارن بكلية الحقوق بطنجة أن 33 بالمائة من عينة ضمت 341 موظفة بقطاعات حكومية أجبن بأنهن يخترن التوقف عن العمل إذا توفرت لهن ظروف عيش مريحة في بيوتهن بينما 28 بالمائة يتشبثن بالشغل فيما بقيت نسبة 39 بدون جواب. لعل هذه النسبة من النساء تشتاق إلى تخصيص وقت لاسرتها، لكن هيهات هيهات، أنى لها ذلك وسط ضغط تكاليف الحياة. فقد جاء في الدراسة المذكورة أن أسر 53 بالمائة من النساء اللواتي أجريت عليهن الدراسة علي ذمتها قروض و35 بالمائة بدون قروض. وخلص عبد الخالق أحمدون رئيس وحدة التكوين والبحث في قانون الأسرة المغربي والمقارن بجامعة عبد المالك السعدي بطنجة من خلال نتائج الدراسة إلى أن هناك صعوبة لدى المرأة في التوفيق بين مسؤوليات البيت ومسؤولية العمل خارجه، وأوصى الجهات المسؤولة بتخصيص وظائف للمرأة توافق بنيتها النفسية والجسمية حتى لا تعاني في بعض القطاعات من الإجهاد، كما أوصى بخفض سن التقاعد لتستفيد المرأة من وقتها في بيتها وراحتها النفسية مع أولادها''. جمعيات على الخط نظرا لأسباب كثيرة تحول بين الأسرة وتخصيصها لوقت اجتماعاتها انتبهت بعض جمعيات المجتمع المدني إلأى الموضوع واصبحت تنظم ما يسمى بالملتقيات الأسرية، يجتمع فيها كل أفراد الأسرة ويتلقى كلفرد ما يناسب سنه واحتياجاته. نعرج هنا على بعض التجارب على سبيل المثال لا الحصر: فقد نظمت مؤسسة بسمة للتنمية الاجتماعية عدة ملتقيات أسرية بدأتها بملتقى حول التواصل بين الأزواج نظمته بالرباط، ونظمت ملتقيات أخرى لكل أفراد الأسرة استفاد فيها الأزواج من ورشات التكوين حول العلاقة بينهما فيما خصصت للأطفال حصص للألعاب والترفيه بتأطير لجمعية طفولية مختصة، ليأتي ملتقى آخر مخصص لعلاقة الأيباء بالأبناء. حركة التوحيد والإصلاح بتنسيق مع جمعيات مدنية وشركة للألعاب خصصت لسنتين متتاليتين مهرجانا للأسرة استفاد فيها الكبار من التكوين والصغار من الألعاب والمسابقات. مركز الوئام للإرشاد الأسري بسلا استخلص أهم أسباب مشاكل الاسرة من خلال الحالات الواردة على المركز لينظم السنة الماضية ملتقى أسريا استقدم له مؤطرين في التنمية الذاتية والأسرية، وكان فرصة للقاء الاسر بعضها البعض، ولم يحرم الأأطفال أيضا من الحضور بعد أن خصصت لهم فترة الترفيه في مكان خاص يؤطره مؤطرون تربوين. جمعية مودة بالقنيطرة هي الأخرى سارت على النهج ذاته بتنظيم ملتقيات أسرية سنوية، كان آخرها بقاعة للأفراح ساهمت طريقة جلوس الحاضرين في تواصل الاسر فيما بينها لتنتبه إلى ضرورة تخصيص وقت لنفسها وسط كل أعباء الحياة. إنها تجارب بدأت طريق العلاج لتكمله الأسر بالتفكير في وضع برنامج للقاءاتها مما سينعش حياتها ويحل مشاكلها ويحد جغرافيتها لأن من لا يجد مكانا داخل أسرته لابد وأنه سيبحث عنه خارجه.