مخاض الرئيس بشار الأسد كان طويلا مملا؛ فمنذ أسبوع أخبرتنا مستشارته لُعَينة شعبان أن القرارات الإصلاحية التاريخية قد اتخذت، ومنها قانون الطوارئ الذي أَعلنت أنه سيرفع ''بالسرعة الكلية''؟!. ثم بدأ التبشير بخطاب قريب للرئيس الأسد سيعلن فيه الخطوات الإصلاحية الفعلية. وأعلن التلفزيون الرسمي السوري أن كلمة الرئيس ستبث بعد قليل. وانتظر الناس أمام الشاشات ولم يأت هذا الخطاب لا بعد قليل ولا بعد كثير. ولما كثرت التكهنات والتساؤلات عاد الحديث عن خطاب قريب للرئيس، ثم قيل إنه سيكون في غضون يومين، وأعلن نائبه فاروق الشرع، أن الخطاب سيرضي الجميع بما سيحمله من قرارات وإصلاحات... وجاء الخطاب أخيرا، جاء ليسبق يوم الجمعة، وما أدراك ما يوم الجمعة. جاء الخطاب عبارة عن مسرحية ثقيلة متخلفة تنتمي إلى عصر كدنا ننساه. وعلى مدى ساعة تقريبا كان الرئيس يثرثر ويضحك، ثم يثرثر ويضحك، وهكذا من بداية الخطاب إلى نهايته، مما ذكرني بالمثل العربي القائل: الضحك بدون سبب من قلة الأدب. ولكن كثرة الضحك لم تخفِ التوتر المخيم على ملامح الرئيس وكلامه المضطرب. ولكي لا يبقى الأسد وحده يثرثر ويضحك جمعوا له قطيعا كبيرا، يصفقون ويهتفون، وأحيانا يرددون مقاطع غزلية شعرية أو نثرية موجهة لأسد الغابة. الرئيس السوري - كأسلافه: التونسي والمصري والليبي واليمني - لم يفُته أن يتحدث عن المؤامرة الخارجية ضد بلاده... ولم يفته كذلك - مثلهم تماما - أن يتهم القنوات التلفزيونية بالتحريف والتحريض... إلا أنه أضاف شيئا جديدا استفاده من التجارب السابقة لزملائه، وهو تنبؤه بأن هناك من سيقولون عن خطابه: هذا لا يكفي. وهنا ضحكتُ أنا أيضا قائلا في نفسي: ما الذي قرره أو أعلنه أو أضافه هذا الخطاب حتى يقال عنه: إنه لا يكفي؟ فهو لم يقدم أي شيئ ولم يأت بأي جديد. فحتى المهزلة الدستورية الشهيرة التي ينفرد بها ما يسمى بالدستور السوري في مادته الثامنة لم يشر إليها بشار لا من قريب ولا بعيد، مع أن هذه المادة تعطي الحق لحزب البعث أن يمتلك ويستعبد سوريا وشعبها إلى الأبد. وهذا نصها:''حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في المجتمع والدولة، ويقود جبهة وطنية تقدمية تعمل على توحيد طاقات جماهير الشعب ووضعها في خدمة أهداف الأمة العربية'' ولذلك أقول باختصار: لقد تمخض الأسد فولد صفرا.