دعا الدكتور مولاي عمر بن حماد العلماء للمشاركة في التحولات الديمقراطية التي يشهدها المغرب والعالم العربي بعد اندلاع الثورات في أكثر من بلد ونجاحها في كل من مصر وتونس. وكان نائب رئيس حركة التوحيد والإصلاح يتحدث في اللقاء العلمي الرابع للأساتذة الباحثين في العلوم الشرعية المنظم من قبل اللجنة العلمية للحركة التي يرأسها بن حماد ، يوم الأحد 20 مارس بالمقر المركزي للحركة بالرباط. وشدد بن حماد على ضرورة المشاركة في إعادة صياغة التاريخ المستقبلي للمغرب، وقال ''تساءل الناس عن حضور العلماء في اللجنة الاستشارية لتعديل الدستور التي نصبها جلالة الملك بعد خطاب 9 مارس، ولماذا لم يمثلوا فيها، وأنا أقول إن لم يحضروا في هذه اللجنة فيمكن أن يؤثروا من خارج اللجنة''. وقال بن حماد ''إن العلماء المغاربة كان لهم دائما حضور ولهم كلمة ولهم إسهام في الحياة السياسية العامة للبلاد''. وأعاد المتحدث التذكير بمواقف رابطة علماء المغرب الموثقة في كتب عن مواقفها، خاصة التعديلات الدستورية''. وأخرج بن حماد للعلماء المشاركين نسخة من كتاب بعنوان ''مواقف وآراء رابطة علماء المغرب من التأسيس سنة 1980 إلى المؤتمر العاشر عم ''1987 للعالم الحاج أحمد بن شقرون. واستعرض المتحدث مواقف لمواقف العلماء المغاربة في كل محطة ومؤتمر، ومنها مقترحاتهم في مجال تعديل الدستور ''التي ما تزال صالحة إلى اليوم'' على حد قول بن حماد. وأضاف نائب رئيس الحركة أن رابطة علماء المغرب كانت مصرة على تحقيق أهداف كبرى موجودة في مواثيقها وعلى رأسها تجديد القيم الإسلامية بإحياء السنة وإماتة البدعة ومحاربة اللادينية والإلحاد والزندقة والانحلال الأخلاقي والاجتماعي، ومنها مقاومة التبشير ضد التبشير. وسجل مولاي عمر بنحماد ضعفا في عمق التدين بالموازاة مع انتشاره، وأن مهمة العلماء هي التصدي لهذه المظاهر، وهو من مقتضيات تجديد الدين. وذكر بنحماد بمعالم ترشيد التدين كما حددها الدكتور الريسوني أن يكون: تدين إيمان واقتناع لا تقليد، وتدين تفقه، وتدين سعادة وحلاوة وليس محنة، وتدين توازن، وتدين جهاد ورسالة. كما شهد اللقاء العلمي الرابع للأساتذة الباحثين مشاركة الشيخ عبد الغني التميمي رئيس رابطة علماء فلسطين في الخارج، حيث أشاد التميمي خلال مداخلته بحب المغاربة لفلسطين واهتمامهم بها وبشر بالخير القريب لفلسطين بعد فشل محاولة اليهود إفساد الشعب الفلسطيني وإلهائه عن قضيته ثم ذكر أن الانتفاضة كانت هزة للشعب الفلسطيني فكت ارتباطه باليهود، وكان من بركاتها رجوع التدين بقوة إلى المجتمع خصوصا في صفوف الشباب وأحيا الله تعالى في نفوس الفلسطينيين حالة العداء لليهود بعد أن كان التطبيع النفسي يأخذ مجراه في النفوس. واكد التميمي أنه في الوقت الذي أصبح فيه الجيل الفلسطيني مقاوما، خفت في نفوس الجنود الصهاينة روح بناء الدولة المزعومة وانتشر في صفوفه المخدرات والفساد، مبرزا أن دور العلماء الصادقين في تحشيد الناس وإلهاب مشاعر المقاومة فيهم كان بارزا، لأن هذا هو واجبهم ولأن الأمة لا تثق في الشدائد إلا في علمائها، وكان علماء فلسطين بالداخل والخارج حاضرين بقوة في هذا الواجب، وتاسف على بعض فتاوى العلماء المرتبطين بالسلطة في بعض الدول العربية والتي تؤثر في مقاومة الشعب أكبر من تأثير أسلحة العدو، وهذا منهم تضييع للأمانة التي أخذت على أهل العلم وهي قول الحق وبيانه وأكدت الدكتورة نزيهة امعاريج، أستاذة مقارنة الأديان بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الأول بوجدة، شرقي المغرب، أن ترشيد التدين مسئولية الأنبياء والعلماء. وألقت الأستاذة امعاريج، وهي ثالثة ثلاث عالمات عضوات بمجلس الأمناء بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، عرضا علميا حول ''ظاهرة التدين وسؤال الترشيد'' وقالت الدكتورة نزيهة امعاريج ''إن عملية الترشيد قد مارسها الأنبياء والرسل ومن هذه النماذج نذكر على سبيل المثال: قال تعالى:(واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون)''، موضحة فقوله تعالى: (واعلموا أن فيكم رسول الله) قال العلماء: ''أي أن الكشف سهل عليكم بالرجوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإنه فيكم مبين مرشد ...استرشدوه فإنه يعلم ولا يطبع أحدا فلا يوجد فيه حيف ولا يروج عليه زيف... كفى النبي مرشدا لكم ما تسترشدوه''. وذكرت العالمة الناشطة في المجتمع المدني بمدينة وجدة أن القرآن الكريم وصف ''شعيبا عليه السلام بالحليم الرشيد لاحتمالين، الأول ما عرف عنه من الرشد في نفسه وذاته ''أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباءنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء (إنك لأنت الحليم الرشيد) ، الثاني: ما عرف به من مباشرة لعملية ترشيد تدين قومه إذ أمرهم بشيئين: بالتوحيد وترك البخس، فالقوم أنكروا عليه أمره بهذين النوعين من الطاعة...والمقصود استبعاد مثل هذا العمل ممن كان موصوفا بالحلم والرشد)''. وانتقلت امعاريج للحديث عن مهمة الترشيد لدى العلماء فقالت ''إلى جانب الأنبياء فإن عملية الترشيد هي مهمة العلماء أيضا مستدلة ببعض الآيات مثل قوله تعالى: (قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا)''. وأشارت إلى أن ''الذي عليه أكثر العلماء أن صاحب موسى عليه السلام المراد في قوله تعالى: (فوجدوا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما) أنه كان من الأنبياء وأنه النبي الخضر عليه السلام، ومع هذا فإن بعض العلماء لم يتحرج من أن يسمى صاحب موسى عالما قال الرازي: ''وهذا العالم كانت مرتبته الوقوف على بواطن الأشياء'' . لتخلص إلى التأكيد بأن ''وفي ذلك دلالة على أن عملية الترشيد هي من واجب العلماء أيضا''. وعن مجالات الترشيد لم تستثن المتحدثة اي مجال من مجالات الدين والتدين فقالت ''ولما كانت عملية الترشيد هذه هداية وبيانا وتصويبا وتسديدا صارت جائزة في الدين كله عقيدة وعبادة أو للجامع بينهما''. ومن وسائل الترشيد التي ذكرتها الأستاذة الجامعية ويحتاج إليها المرشد، ذكرت ''امتلاك الأدلة والبراهين القوية الشاهدة على صدق ما يدعو إليه الداعي والمرشد''، مع ''امتلاك القدرة على التنويع في الخطاب والتفنن في اختياره بحسب المقام''. كما ذكرت ''امتلاك القدرة على الاجتهاد في ترتيب الأدلة بحسب الأقوى، فالأقوى، ومراعاة الحسن فالأحسن في عرضها''. وشددت عضوة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين على صفات المرشد، ومنها، ''أن يكون عالما بالشرائع خبيرا بالأحكام مدركا لبواطن الأشياء مطلعا على حقائقها:، و'' أن يكون عالما بالمقاصد عارفا بمآلات الأمور''. ومنها أيضا ''أن يكون صالحا في ذاته متصفا بالسداد في فعله وقوله''، و''أن يكون عالما بالحق عارفا به''، و''أن يكون على خلق حسن ومنه الصبر والحلم''. أما المستهدفون من عملية الترشيد فلم تستثن المتحدثة الفاضلة أي أحد بدءا من الكافر، وانتهاء بالمؤمن المصدق بالحق، مرورا بالمعاند وما يشبهه. وقال الدكتور عبد الله البخاري، أستاذ العقيدة الإسلامية والقراءات القرآنية بجامعة ابن زهر بأكادير، ''هل يوجد شخص نجح في سياسة الناس وفي تسيير شؤونهم وإصلاح أحوالهم في جميع مجالات الحياة أعظم من الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام سيد السياسيين، وسيد الأتقياء، وسيد العلماء''، وأضاف متسائلا ''فلماذا أتباع محمد عليه الصلاة والسلام يخشون ويستحيون في كثير من الأحيان أن يقولوا نحن سياستنا هي السياسة الشرعية وهي السياسة الإسلامية ونحن نعلنها''. البخاري تناول في كلمته ''آفات التدين وأولويات الإصلاح''، وشدد في مستهل حديثه على ربط السياسة بالدين في العالم العربي والإسلامي والقطر المغربي، وقال ''السياسة ينبغي أن تكون مبنية على أساس الدين، والسياسة التي لا تنبني على أساس الدين ليست سياسة المسلمين''. وتوقف البخاري عند العلاقة بين أهل العلم والدعوة وعموم الناس، فشدد على أنه ''ليس من سياستنا مخاصمة الناس والاصطدام ومخاصمة الناس، فنحن لا نخطئ الناس ولا نحتقرهم، بل نقول للمحسن أحسنت وللمسيء أسأت بكل أدب وأخلاق''. وأكد البخاري أن أضخم مرض يعاني منه الأفراد والمجتمعات والجماعات أن لا يشعر المريض بعلته وعيبه، وأدهى من ذلك أن يرفض الدواء والطبيب. وشدد أستاذ العقيدة الإسلامية والقراءات القرآنية أن أخطر انحراف ومرض يصيب الأمة هو الانحراف العقدي، إذ تتناسل منه باقي الانحرافات، والعكس صحيح، إذ أن العقيدة الصحيحة تنتج السلوكات الصحيحة.