سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
عبد اللطيف بروحو متخصص في الشأن المحلي والتنمية الجهوية و النائب البرلماني ل ''التجديد'':صياغة المشروع تم ضمن النظام الفرنكفوني الذي ثبت عجزه عن مواكبة العصر
أبرز عبد اللطيف بروحو ، متخصص في الشأن المحلي والتنمية الجهوية، أن طبيعة المقترحات الواردة في خلاصات اللجنة الاستشارية للجهوية تقترب من النظام الفرنسي مع بعض الخصوصيات التي يمكن أن نسميها مغربية صرفة. متمنيا في هذا الصدد، أن يتم تجاوز شكلانية النموذج الفرنسي على مستوى صياغة فصول الدستور المتعلقة بالجهوية وكذا على مستوى القانون التنظيمي المفترض اعتماده بعدها. من جهة أخرى تساءل بروحو، النائب البرلماني عن مدينة طنجة، كيف يعقل أيضا أن نصل إلى تقطيع جهوي في عدد أقصاه 12 جهة دون دراسة سوسيو اقتصادية حقيقية لمختلف الأقطاب التنموية بالمغرب؟ وفيما شدد بروحو على أن اللجنة ناحت على نفس منطق التقسيم الجهوي الذي يعتبر حاليا مجرد تجميع ترابي للعمالات والأقاليم في دائرة ترابية، وهذا مناف لمبادئ الحكامة الترابية والمجالية. أكد الباحث المتخصص في الجهوية، على ضرورة اعتماد حوار سياسي حقيقي بين الأحزاب ومختلف الهيئات والمنظمات، والحرص على المضي نحو تنزيل الإصلاحات بما يخدم المغرب ككل بمكوناته المختلفة، إضافة إلى الحرص على التنزيل الملائم للمشروع على المستوى التشريعي والتنظيمي كي لا تنحرف المسارات عن النهج المحدد لها، كما يتعين، وفق بروحو، التفكير في إعداد النخب السياسية الجهوية والمحلية الملائمة لإنجاح المشروع بعيدا عن بعض النخب الفاسدة التي اعتادت على فرملة الإصلاحات. وإليكم باقي تفاصيل الحوار: بداية ماهي أبرز الإعاقات التي يعاني منها النظام الجهوي الحالي؟ وما الذي أملى إمكانات فتح ورش الجهوية للإصلاح؟ لا يمكن أن نسمي النظام الحالي جهوية تندرج في سياق لامركزية حقيقية، ما هو مطبق في المغرب منذ سنة 1997 مجرد انتقال مؤسساتي من نظام تتحكم فيه السلطة المركزية (الجهات الاقتصادية المطبقة منذ 1971) ولا يعرف لا انتخابات ولا تحديد للمسؤوليات، إلى نظام انتقالي فيه جزء من الانتخاب وقسط ضعيف من استقلالية تدبير الشأن الجهوي من قبل المنتخبين.إن الجهات الحالية غير منتخبة من قبل المواطنين، وأعضاؤها يتم انتخاب الجزء الكبير منهم من قبل الناخبين الكبار، وهذا يتم بعيدا عن قواعد الشفافية والمنافسة الحرة، والمجالس التي تفرزها هذه الانتخابات تكون ضعيفة وعناصرها مشتتة وغير قادرة على بلورة استراتيجيات تنموية، إضافة إلى الهيمنة المطلقة للولاة والعمال على سلطات الجهات التقريرية واستفرادهم بإعداد وتنفيذ البرامج والمشاريع التنموية. إن النظام الحالي فاشل بكل المقاييس ولم يحقق الهدف منه، مما حدا بالمختصين إلى المطالبة بالإصلاح الجذري للجهوية منذ بدايات تطبيقها أواخر تسعينات القرن الماضي. ولعل الإسراع بإعداد المشروع المتعلق بالجهوية المتقدمة، والذي بدأ التفكير فيه منذ ,2004 خير دليل على فشل هذا النظام، خاصة وأن فصول الدستور نفسها تعد عائقا أمام تطويره. فالفصل 101 من الدستور يعطي للعمال والولاة سلطة مطلقة كجهاز تنفيذي بما في ذلك صفة الآمر بالصرف، كما أن الباب العاشر نفسه من الدستور يصنف الجهات ضمن الجماعات المحلية، مما يعتبر تناقضا مبدئيا مع صفتها فوق المحلية فهي وحدات ترابية ذات بعد أعلى بكثير من البعد المجالي المحلي. ومن جانب آخر تعرف الجهات تخبطا واضحا فيما يتعلق بسيرها العادي وبممارستها للاختصاصات التقريرية والاستشارية المخولة لها بموجب القانون الحالي، فالمواد 6 و7 و8 من القانون المنظم للجهات لا يسطر اختصاصات حقيقية تشمل التنمية المندمجة للجهات بعيدا عن الطابع المحلي الصرف، ولا تستطيع النخب الحالية نفسها الاستجابة لمتطلبات التخطيط الاستراتيجي الجهوي وتأثيراته التنموية على المجالات التابعة لها. فالنخب الجهوية ضعيفة، والمؤسسات لا مصداقية انتخابية حقيقية لها، والتركيبة الحالية للمجالس لا تساعد على بناء مؤسسات جهوية تنموية فعلية وفاعلة، بالنظر لطبيعة العملية الانتخابية ولغياب الضمانات الدستورية والقانونية لاستقلالية القرار الجهوي. وبالتالي كان من الضروري التفكير في الإصلاح الدستوري كشرط أساسي للانتقال لنظام لامركزي متطور، كما أن تجاوز هيمنه السلطة المركزية على تدبير الشأن الجهوي يتطلب تجاوز هذه العوائق الدستورية والقانونية والمؤسساتية. هل من قراءة أولية لتوصيات اللجنة الاستشارية للجهوية، خاصة فيما يتعلق بعدد الجهات ورفع وصاية الولاة والعمال وتكريس مبدأ الانتخاب؟ وماالذي أغفلته اللجنة؟ تعبر تقارير اللجنة الاستشارية ذات أهمية بالغة على مستوى التشخيص ووضع المعايير العامة والمحددات الرئيسية للنظام الجهوي، فهي تضم عددا من الخبراء المشهود لهم بالكفاءة والفعالية، وعطاءات رئيسها وعدد من أعضائها لا يمكن إغفالها. لكن ذلك لا يمنع من وجود بعض النواقص التي يمكن أن تعتري تطبيق نتائجها على أرض الواقع. فاللجنة أقرت بالعوائق القانونية والتنظيمية والمؤسساتية التي تعرفها الجهات في وضعها الحالي، غير أن ما يمكن أن يعاب على بعض توصياتها التسرع أو تجاوز بعض المعطيات المبدئية والمحورية. فحديثها عن إمكانية تطوير النظام الجهوي دون اللجوء إلى تعديل دستوري فيه إشكال كبير، فكيف يعقل أن نمر إلى نظام جهوي متطور ونُبقي على السلطة التنفيذية وعلى اختصاص الأمر بالصرف لدى العمال والولاة، على اعتبار أن نقل هذا الاختصاص لرؤساء الجهات يتطلب تعديل الفصل الأول من الدستور.وكيف يعقل أيضا أن نصل إلى تقطيع جهوي في عدد أقصاه 12 جهة دون دراسة سوسيو اقتصادية حقيقية لمختلف الأقطاب التنموية بالمغرب، وفي هذا السياق يلاحظ بأن اللجنة اعتمدت على نفس التقسيم الإداري المطبق حاليا للعمالات والأقاليم، رغم بعض التعديلات الشكلية المقترحة، فالجميع يقر الآن بأن التقطيع الإداري الحالي أصبح متجاوزا، بل أصبح عائقا أمام تنمية حقيقية ومندمجة لمختلف مناطق المغرب. فكان الأولى باللجنة أن تضع المعايير الكبرى للتقطيع الإداري وتحدد النماذج التنموية للجهات التي تتصورها، ومن ثم تقترح إعداد تقطيع شامل يبدأ من الجهات ثم يتم تنزيله منهجيا على الجماعات الحضرية والقروية، مع اقتراح حذف مجالس العمالات والأقاليم. وعوض هذه المنهجية المنطقية، حافظت اللجنة على نفس منطق التقسيم الجهوي الذي يعتبر حاليا مجرد تجميع ترابي للعمالات والأقاليم في دائرة ترابية، وهذا مناف لمبادئ الحكامة الترابية والمجالية. كما يعتبر إغفال إصلاح المالية العمومية عائقا أمام تطوير النظام المالي الجهوي، وغياب أي تصور حول مآل المؤسسات العمومية ذات البعد التنموي الجهوي (باعتبارها من اللامركزية القطاعية) قد يحد من فعالية تدخل الجهات على مستوى البرامج والمشاريع التنموية، وبمقابل ذلك لم تتطرق اللجنة في تقريرها لأهم مبادئ الحكامة وهي المسؤولية، فتطوير النظام الجهوي لابد وأن يقترن بتطوير نظام الرقابة في جانبها القضائي وليس الاقتصار فقط على الحديث عن تخفيف الرقابة القبلية. إن هذه المعطيات لا تنقص من قيمة التقرير ولا من عمل اللجنة ومن قيمة أعضائها ورئيسها، فالتوصيات الصادرة عنها يمكن استغلالها على عدة أوجه بدءا من ترسيخ نظام حقيقي للتدبير الجهوي للتنمية المستدامة، مرورا بإقرار إصلاحات موازية على مستوى تدبير الموارد البشرية وتعبئة الموارد المالية، وصولا إلى إقرار نظام متدرج لتحويل الاختصاصات الكبرى من الدولة إلى الجهات وفق برنامج واضح بجدولة زمنية محددة. ماذا يعني بالنسبة إليكم دسترة مسألة الجهوية؟ وفي رأيكم إلى أي نظام عالمي للجهوية يقترب النظام الجهوي الذي صاغته اللجنة الاستشارية الجهوية؟ أولا يعتبر الإطار الدستوري مسألة أساسية على هذا المستوى من أجل الرقي بالجهة إلى مؤسسات حقيقية وقائمة الذات، وحتى تكون جزءا هاما في بنية الدولة، لأن الباب العاشر من الدستور الحالي يتحدث عن الجماعات المحلية ويُدرج الجهات في إطارها، في حين أن الأولى أن يخصص للامركزية الترابية (وليس للجماعات الترابية كما جاء في التقرير) وتعطى من خلاله الجهات استقلالية مالية وتدبيرية حقيقية بضمانات دستورية كما هو الحال في فرنسا وكذلك في ألمانياوإسبانيا (على مستوى الجهات غير المتمتعة بالحكم الذاتي). كما أن تجاوز عائق الفصل ,101 الذي يمنح العمال والولاة الاختصاص التنفيذي، يقتضي اللجوء إلى تعديل دستوري، وهذا التعديل لم يكن من المنطقي أن يكون منعزلا أو محدودا، وإنما مناسبته القيام بإصلاحات تهم مجالات أخرى. أما طبيعة المقترحات الواردة ،فهي تقترب من النظام الفرنسي مع بعض الخصوصيات التي يمكن أن نسميها مغربية صرفة، وذلك على الرغم من فعالية أنظمة أخرى مثل النموذج الألماني أو الإسباني، إلا أن اختلاف بنية الدولة ربما كان السبب في الابتعاد عن هذين النموذجين والبقاء ضمن النظام الفرنكفوني الذي ثبت عجزه عن مواكبة العصر. فالمرور نحو الجهة المقاولة وتعبئة الموارد المالية الضخمة يتطلب الانفتاح على النماذج الأنكلوسكسونية أو حتى النموذج التركي للتدبير اللامركزي الذي يعتبر نموذجا ناجحا في مجاله رغم قلة الاهتمام به إعلاميا وأكاديميا. ونتمنى أن يتم تجاوز شكلانية النموذج الفرنسي على مستوى صياغة فصول الدستور المتعلقة بالجهوية وكذا على مستوى القانون التنظيمي المفترض اعتماده بعدها. تميزون بين مفهومي الجهوية المتقدمة والجهوية الموسعة. أولا ماهو الفرق بينهما؟ ولماذا في رأيكم اقتصر المغرب على إقرار الجهوية المتقدمة؟ إن الفرق بين المفهومين كبير وعميق، وهو مرتبط أساسا بشكل الدولة وبنيتها ومؤسساتها، فالمقصود هنا الجهوية المتقدمة كما سأبينها بعده، أما نظام الحكم الذاتي المتفاوض بشأنه فهو في صلب الجهوية الموسعة أو السياسية، وهي بدورها مراحل ومدارج عدة. فالأمر يتعلق هنا بنظام الجهوية المتقدمة، لأن الجهوية الموسعة تقوم على أساس الجهوية السياسية في إطار اللامركزية السياسية، والذي يتطلب وجود برلمان جهوي وحكومة جهوية، ويقتصر دور ممثل السلطة المركزية على ضمان التنسيق بين المركز والجهات، وهو نموذج شبيه بالنظام المنشود في المقترح المغربي للحكم الذاتي بأقاليمنا الجنوبية، وهو نظام مطبق في عدة دول منها إسبانيا وبلجيكا والأرجنتين.... أما الجهوية المتقدمة فيمكن تلخيصها في كونها نظام أكثر تقدما للجهوية من النظام المطبق حاليا، بمعنى أن عملية الإصلاح يجب أن تنطلق مما هو موجود مع توسيع اختصاصات الجهات وإعادة تركيب البنيات الجهوية، وتخويل المنتخبين الاختصاصات التقريرية والتنفيذية، وإيجاد نظام يعزز الاستقلالية المالية والتدبيرية للجهات وإعادة النظر في علاقتها بالسلطات المركزية. فمجرد الحديث عن توسيع اختصاصات الأجهزة التقريرية والتنفيذية لمجلس الجهة يتطلب تغييرا وإضافة وتتميما لفصول الدستور، سواء كان هذا التغيير جزئيا، أو في إطار مراجعة شاملة، أو تطلب الأمر إصلاحا سياسيا ودستوريا ضمنه إصلاح النظام الجهوي. ماهي التحديات المطروحة على مختلف الفاعلين جهويا( السلطات الادارية، الأحزاب السياسية، المجتمع المدني، النخب المحلية...) لإنجاح ورش الجهوية المتقدمة؟ الكل الآن مطالب بمناقشة مضامين التقارير الواردة عن اللجنة، ومدارسة مختلف الجوانب والمحاور المرتبطة بالنظام الجهوي وبالأنظمة الموازية له. ويتطلب الأمر الآن توافر مجموعة من الشروط السياسية والقانونية والعملية لإنجاح هذا الورش الوطني الكبير الذي يوازي في أهميته الإصلاحات الدستورية ويرتبط بها. فيتعين أولا اعتماد حوار سياسي حقيقي بين الأحزاب ومختلف الهيئات والمنظمات، والحرص على المضي نحو تنزيل الإصلاحات بما يخدم المغرب ككل بمكوناته المختلفة، إضافة إلى الحرص على التنزيل الملائم للمشروع على المستوى التشريعي والتنظيمي كي لا تنحرف المسارات عن النهج المحدد لها، كما يتعين التفكير في إعداد النخب السياسية الجهوية والمحلية الملائمة لإنجاح المشروع بعيدا عن بعض النخب الفاسدة التي اعتادت على فرملة الإصلاحات، وهذا لن يتأتى إلا بالإسراع إلى الإعلان عن إجراء انتخابات جديدة على جميع المستويات منتصف سنة 2012 حتى نضمن استمرارية مسارات الإصلاح وتنفيذه في آجاله المعقولة. ومن جانب آخر يعتبر الحسم في التوجهات التنموية الكبرى وفي النظام المالي الجهوي من بين أساسات اعتماد النظام الجهوي المنشود، واعتماد النموذج التنموي الملائم كأساس للتقطيع الجهوي. فالحديث فقط عن اقتطاع جزء من ضرائب الدولة للجهات وعن البعد اللامتمركز لمالية الدولة لن يؤسس لجهة تنموية فعلية وفاعلية، فالأولى هنا التركيز عن إصلاح المالية العمومية في حد ذاتها، خاصة وأن حوالي ربع مواد القانون التنظيمي للمالية يمكن أن يطالها التغيير بناء على إدراج مالية الجهة في المالية العمومية.أما فيما يتعلق بالتدبير اللامركزي في شموليته، فيمكن اعتبار إعادة النظر في المؤسسات العمومية ذات الطبيعة التنموية أهم جوانب إنجاح المشروع على أرض الواقع، فوكالات إنعاش وتنمية الأقاليم تقوم بنفس مهام الجهات والجماعات المحلية وتحل محلها في عدد من المجالات، والمؤسسات العمومية الجهوية والمحلية يجب أن تخضع لسلطة المجالس الجهوية عوض سلطة القطاعات الوزارية، وهذا ما سيسمح بإعداد برنامج واضح لتقسيم جزء من الميزانية العامة للدولة على الجهات. إن إنجاح الورش يتطلب، إلى جانب الإصلاح الدستوري الذي يعتبر أساسيا، إعداد منظومة قانونية متكاملة تندرج في إطار مدونة واحدة، كما يتطلب الأمر إعداد البنيات المؤسساتية الملائمة سواء على مستوى الأنظمة الانتخابية أو بنية الجهات أو علاقاتها بالسلطات المركزية، ولا أستبعد هنا أن يتم بعد 2012 إحداث قطاع وزاري مستقل يهتم باللامركزية والجهوية والتنمية المحلية.