من المرجح أن يمثل هذا الأسبوع مرحلة حاسمة وفاصلة في قضية السيادة في الصحراء المغربية، وذلك بما سيشهده من مشاورات ومناقشات حول تجديد اتفاقية الصيد البحري التي ستنتهي هذا الشهر بعد أربع سنوات من تطبيقها مع وجود نقطة مفصلية تتعلق باستثناء الأقاليم الصحراوية من الاتفاق، ومراقبة مدى استفادة هذه الأقاليم من المساهمة المالية الأوربية الموازية للاتفاقية والمقدرة ب1,36 مليون أورو سنويا ضمنها 5,13 مليون أورو لدعم سياسة الصيد البحري المغربية، ورغم أن الاتفاقية التي ستنتهي في 27 فبراير الجاري شملت 11 بلدا أوروبيا، إلا أن المستفيد الأول تمثل في إسبانيا التي حازت مراكبها ما مجموعه 100 رخصة صيد في المياه المغربية من أصل 119 رخصة، هي مجموع الرخص الممنوحة في إطار الاتفاقية. وكان هذا التوجه القاضي باستثناء الصحراء قد كشف أواسط دجنبر الماضي من قبل جهات مرتبطة بالمفوض الأوروبي للصيد البحري مارا داماناكاي. يحمل هذا التطور مؤشرات ضربة جديدة للديبلوماسية المغربية وللسيادة الوطنية، وذلك بعد القبول بمناقشة قضايا حقوق الإنسان والثروات الطبيعية في الجولات غير الرسمية للمفاوضات الأممية حول الصحراء، وسيكون للتنازل فيه تأثير كبير وسلبي على مشاورات مجلس الأمن حول الصحراء في أبريل المقبل. من الواضح أن بلادنا موجودة في وضع مواجهة وتحدي أمام الخطاب الأوروبي، والذي تتعدد حججه لفرض هذا الأمر على المغرب، والتي يمكن إجمالها في: - القول بأن المغرب مجرد سلطة إدارية في الصحراء ولا يحق له استغلال ثرواتها إلى غاية الحسم الأممي في السيادة عليها، وهذا قول لم تتم إثارته في السابق عند توقيع اتفاقية 1995 ولم يؤثر على الاتفاقية الحالية، فلماذا إثارته اليوم؟ - أنه سبق القبول باستثناء الصحراء من الاتفاقيات التجارية من قبل المغرب في اتفاقية التبادل الحر مع أمريكا، فلماذا يرفض مع أوروبا، وهذا مردود لأن ما صدر عن الممثل التجاري الأمريكي من أن الاتفاقية الأمريكية لا تشمل الصحراء هو أمر خاص بالولايات المتحدة ورد في رسالة له وجهت للكونغرس، ولم يقبل المغرب بأن يتم النص على هذا الاستثناء في الاتفاقية الموقعة بين البلدين، ولا يحمل ذلك أي إلزامية للمغرب، وإذا ما أراد الاتحاد الأوروبي القيام بهذا الأمر فهذا شأن يخصه إذا ما أراد أن يفرض على السفن الأوروبية أن لا تصطاد في المياه الإقليمية الغربية المقابلة للصحراء، أما أن يفرض على المغرب التوقيع على ذلك فهذا خط أحمر ولم يسبق أن حصل. - الاستناد على وجود ضغط برلماني حقوقي ينبغي تفهمه من قبل المغرب، وهذا استضعاف واستدراج للمغرب، وقبول باستغلال الأحداث الأخيرة ضد المغرب. - أن تجديد الاتفاقية هو خطوة سياسية أكثر منها اقتصادية وستسمح للمغرب بكسب تأييد قطاع من المجتمع الإسباني المرتبط اقتصاديا بالاتفاقية، وهذا وهم كبير لم ينفع في الماضي وظهر في موقف البرلمان الإسباني ضد بلادنا. - أن الاتفاقية ستحمل فرصا اقتصادية للمغرب لتطوير القطاع في مرحلة مخطط الهاليوتيس، والواقع أن العكس هو الذي سيحصل بسبب سلوك الصيد المنتهج من قبل الأوروبيين وخاصة الإسبان، في حين أن هناك بدائل واعدة وقوية للمغرب، وأن الموجود في وضعية حرجة هو الآخر وليس نحن. في المقابل فإن مخاطر كبيرة تستهدف بلادنا في حالة الانصياع للضغط الأوربي، والتي يمكن تركيزها في: - أن ذلك سيشكل سابقة للتنازل التدريجي عن مقتضيات السيادة والانتقاص منها بخصوص الصحراء، وسيضعف من الضغط الدولي للحسم الكلي والنهائي للنزاع على أرضية الحكم الذاتي، مادامت المشكلات الجانبية المطروحة يتم حسمها. - يمثل انتصارا للضغط الحقوقي المسيس المعادي للمغرب ودافعا قويا لرفع الضغط لإلغاء خيار الحكم الذاتي لمصلحة خيار الانفصال. - سيكون لهذا التجديد المنقوص أثر سلبي على مجموع الاتفاقيات التجارية المقبلة للمغرب مع الاتحاد الأوربي وستهدد الوضع المتقدم بشكل جسيم. - أنها مبرر للضغط من أجل التنازل لمصلحة المراقبة الدائمة للمينورسو أو غيرها من الآليات الأممية لحقوق الإنسان في الصحراء بما تعنيه من السماح لسلطة خارجية أجنبية بامتلاك اختصاصات السيادة. لا يمكن إخفاء الوضعية الحرجة التي نوجد فيها كبلد في هذه القضية، والتي تعكس استمرار حرب الاستنزاف الصامتة والممارسة ضد المغرب من قبل خصومه عبر قضية الصحراء، والمطلوب هو اعتماد استراتيجية حذرة وهجومية ومضادة وحازمة تجعل من عدم التجديد أو اشتراط استثناء الأقاليم الصحراوية مسؤولية أوروبية تنتج عنها معاقبة لقطاع من الشعب الإسباني وخاصة الأقاليم المرتبطة اقتصاديا بالصيد البحري، وترتكز على تطوير مقاربة مضادة للحجج المثارة آنفا من ناحية، وجعل التعاطف مع الطرح الانفصالي مكلفا للآخر، وفرصة عدم الحرص على تجديد الاتفاقية مناسبة لذلك من ناحية أخرى. كما أن المغرب مدعو للحديث بوضوح على أنه في غنى عن هذا التجديد لتأهيل قطاعه، والاستثمارات المعلنة للقطاع تتجاوز بكثير الغلاف المالي للاتفاق، وسبق للمغرب أن رفض تجديد الاتفاقية طيلة أزيد من ثمان سنوات دون أن يشكل له ذلك عبئا. كما أن القول بأن عدم التجديد سيشكل انتصارا للطرح الانفصالي الذي يسعى لذلك هو واهم حيث يركز على الدلالة السياسية ويغفل أن ذلك انتصار مؤقت وظرفي يواكبه التورط في استعداء قطاع وازن من الشعب الإسباني الذي يمثل الاحتياطي الاستراتيجي للدعم الانفصالي في أوروبا، والذي ظهر بجلاء في أحداث العيون الأخيرة، كما أن مثل هذا الانتصار يوازيه تفويت انتصار أكبر في قضية حقوق الإنسان والتنازل عن السيادة. ولهذا فالمغرب مطالب بالصمود وعدم الاستسلام لضغط الآلة الإعلامية والدعائية وخاصة في هذه المرحلة التي تعرف تغيرات كبيرة في المنطقة، ومرشحة أن تنتج تغييرات جذرية في موازين القوى لمصلحة المنطقة، ولهذا ينبغي الحذر من الاستعجال، وفك كل ارتباط زمني بين تجديد الاتفاقية و مشاورات مجلس الأمن حول الصحراء أو الجولات غير الرسمية من المفاوضات حول الصحراء.