قال الدكتور محمد العمراني بوخبزة إن وجود المؤسسات الاستشارية في المغرب ضروري لمواكبة التطورات المتسارعة التي يعرفها المغرب وهي كذلك مواكبة للاختيارات التنظيمية التي اعتمدها المغرب منذ الاستقلال. مشددا في حوار مع ''التجديد'' على أن أهمية وفعالية هذه المؤسسات تظهر عندما تتمتع بالاستقلالية عن السلطات الحكومية، فكلما كان هناك مسافة فاصلة بينها وبين السلطات الحكومية كلما تمتعت بحجم كبير من المصداقية وبالحيادية في قيامها بعملها. وأكد الدكتور العمراني على أن فعالية هذه المؤسسات الاستشارية مرتبطة كذلك بشكل كبير بدرجة الوعي والقدرة على تفهم أبعاد إحداث هذه المؤسسات من قبل الأفراد والجماعات والهيآت المعنية بعمل هذه المؤسسات. وأشار إلى أن المشكل الذي يعانيه المغرب يكمن في ضعف أداء المؤسسات بشكل عام لأن عملية المأسسة في المغرب لم تكتمل بعد ولم تنضج بالشكل الكافي الذي يسمح لها بأن تتموقع و تفرض نفسها وأن تتجاوز عتبة التشكيك والبحث عن الحلول خارج المؤسسات. أطلق المغرب على مدى السنوات الماضية عددا من المؤسسات الاستشارية مثل (المظالم، الرشوة، حقوق الإنسان، الصحراء)، كيف تقيم سياسة إنشاء المؤسسات الاستشارية ووظيفتها؟ إن هذا النوع من المؤسسات يندرج ضمن ما يسمى بالسلطات الإدارية المستقلة وهي سياسة معتمدة في العديد من الدول. وهي تتولى الكثير من الوظائف والمهام والملاحظ أنها قد تغطي جميع القطاعات الحكومية وقد تتجاوزها بحيث نلاحظ أن كل قطاع يشتغل على هامشه مجلس أو لجنة أو وكالة أو غيرها. وبالتالي فهي تساعد السلطات الحكومية على تدبير بعض القضايا والملفات والأهم من كل ذلك أن عملها الدائم يتركزعلى إعداد التقارير بشكل دوري ومسح عام لوضعية القطاع الذي تعمل من داخله. إن هذه المؤسسات الاستشارية لها وضعيات مختلفة ويتم إحداثها تبعا لأنظمة قانونية متباينة فمنها تلك المرتبطة بالمؤسسة الملكية و أخرى مرتبطة بالوزير الأول أو بوزير ما، ومنها تلك التي تهتم بالدراسات وأخرى بالتحكيم وأخرى بالمراقبة وإعداد التقارير أو الإشراف على مجال معين ومنها الذي يختص فيما هو تقني محض، بشكل عام هذه المؤسسات يغلب عليها طابع التخصص وفي نفس الوقت ممنوعة من التدخل في شؤون المؤسسات الأخرى. هل تأسيس هذه المؤسسات يتعلق بسياسة وطنية ذات نتائج معول عليها أم مجرد استنساخ لمؤسسات شبيهة في الخارج؟ إن انخراط المغرب في هذا النوع من المؤسسات الاستشارية لا يندرج بالضرورة ضمن عملية استنساخ أو تقليد بل يجب النظر إليها من داخل النظام السياسي والإداري العام الذي ينتهجه المغرب والذي ينتمي إلى نموذج معتمد في الكثير من الدول التي يتقارب معها المغرب في الكثير من الجوانب المؤسساتية كالنموذج الفرنسي على سبيل المثال، إن التطور المؤسساتي والتحولات العميقة التي عرفها المغرب منذ الاستقلال إلى الآن يحتم بالضرورة مواكبة السلطات العمومية للتطور النوعي الذي يميز بعض القطاعات وكذلك الرغبة في معالجة بعض الملفات التي تطرح نفسها بشكل ملح في سياق التطورات السياسية من قبيل ملف حقوق الإنسان وإرساء دعائم دولة الحق و القانون، وكذلك لمواكبة التطورات التقنية التي تخلق وضعا يستوجب خلق هيأة مستقلة للتحكيم كما وقع في مجال الاتصال والاعلام و غيرهما. إن هذه المؤسسات ضرورية لمواكبة التطورات المتسارعة التي يعرفها المغرب وهي كذلك مواكبة للاختيارات التنظيمية التي اعتمدها المغرب منذ الاستقلال. مع انطلاق هذه المؤسسات كان يعول عليها الكثير لكن مع الوقت تراجعت الثقة فيها من قبل المواطنين وبدات مسألة العزوف عنها، كيف تفسر ذلك؟ من المعلوم أن هذه المؤسسات الاستشارية في الغالب يتم التركيز على مؤشر الاستقلالية الذي تتمتع به عن السلطات الحكومية، فكلما كان هناك مسافة فاصلة بينها وبين السلطات الحكومية كلما تمتعت بحجم كبير من المصداقية وبالحيادية في قيامها بعملها وكذلك تجاوز إمكانية التأثير على عملها والخوف من تهميشها وتقليص دورها وإفراغها من مضمونها والقضاء عليها بشكل من الأشكال، ولكن فعالية وأهمية هذه المؤسسات الاستشارية مرتبطة بشكل كبير بدرجة الوعي والقدرة على تفهم أبعاد إحداث هذه المؤسسات من قبل الأفراد والجماعات والهيآت المعنية بعمل هذه المؤسسات. عمل المؤسسات الاستشارية في الغالب يتوزع بين التدخل بطلب من جهة معينة أو بناء على تدخلها بحكم القانون ومن ثم فإن ضعف اللجوء إليها هو في أغلب الحالات راجع إلى نقص في التعريف بها وبوظائفها والمساطر الواجب اتباعها أمامها وهو إشكال عميق يؤثر على أداء الكثير من المؤسسات والسلطات ولا يقتصر فقط على المؤسسات الاستشارية كما هو الحال مع المحاكم الادارية على سبيل المثال. هل يمكن تفسير تراجع مصداقية المؤسسات الاستشارية بطبيعة صلاحياتها الاستشارية ومفهوم الاستشارة لديها؟ إن هذه المؤسسات ليست وظيفتها استشارية فقط بل قد تكون تقريرية، في الواقع إن المشكل الذي نعانيه في المغرب هو ضعف أداء المؤسسات بشكل عام لأن عملية المأسسة في المغرب لم تكتمل بعد ولم تنضج بالشكل الكافي الذي يسمح لها بأن تتموقع و تفرض نفسها و أن تتجاوز عتبة التشكيك والبحث عن الحلول خارج المؤسسات، ففي الكثير من الحالات نلجأ لحل المشاكل والمنازعات خارح المؤسسات والمساطر وهو ما يؤثر على جميع المؤسسات بما فيها المؤسسات الاستشارية. كيف نفسر فعالية مؤسسات شبيه في الدول الأخرى (مؤسسة المظالم في فرنسا مثلا بالمقارنة مع ديوان المظالم في المغرب)؟ مؤسسة الوسيط في فرنسا راكمت الكثير من الانجازات التي مكنتها من التموقع داخل النظام العام الفرنسي ولقد تم تهييء كل شروط النجاح لهذا النوع من المؤسسات الاستشارية وعلى رأس ذلك احترام قراراتها من كل الأطراف، بالإضافة إلى نشر إنجازاتها وتعميم تقاريرها والنقاش العمومي حول كل ذلك. إن استقلالية المؤسسات الاستشارية وحياديتها ليست موضع أي شك من قبل كل الأطراف، إن مصداقية المؤسسات الاستشارية تستمدها من اقتناع الكل بأهميتها وضرورة إحداثها وعدم التشويش عليها من خلال التشكيك في إنجازاتها وضرورة التعاطي الإيجابي مع تقاريها و الدراسات التي تقوم بها.