حددت حركة التوحيد والإصلاح دعامتين أساسيتين لعملها في المرحلة المقبلة 2014-2010 ، تنطلق فيهما من توجه عام نحو الإسهام في ترشيد التدين، والمساهمة في تعزيز سمو المرجعية الإسلامية، وذلك ضمن المخطط الاستراتيجي الذي اعتمدته الحركة سنة 2006 ، وحددت فيه مجالات العمل في التربية والتكوين، والدعوة، والإنتاج العلمي والفكري والفني، والإعلام والتواصل والعلاقات العامة. خيار مرحلة لقد اختارت حركة التوحيد والإصلاح، كأولوية في ورقة التوجهات المؤطرة لعمل المرحلة ''التركيز في المقام الأول على ''المساهمة في ترشيد التدين''، بناء على ما يسجل من إقبال متزايد على التدين، واستحضارا لانخراط العديد من الفاعلين في توسيعه وإشاعته، وما يتطلبه ذلك من تركيز الحركة على المساهمة النوعية من أجل الارتقاء بمظاهر هذا التدين وتحسينه وتعميقه، ومعالجة ما يصاحبه من اختلالات''.أما الأولوية الثانية ، فتتعلق بالتدافع القيمي الذي يتجلى في كيفية التعامل مع مظاهر التطاول والتجرؤ على الثوابت الدينية...، وهذا ''يحتاج... ، إلى مقاربة جديدة بخطاب جديد، تتجاوز منطق ردود الأفعال والاحتجاج إلى منطق الاقتراح وإنتاج البدائل، من خلال الاجتهاد في وسائل الاشتغال وتعميق العمل في المجتمع وتحسيسه وإدماجه في حركية هذا التدافع''. هذا التوجه العام المستمد من المخطط الاستراتيجي الأعم والأوسع، تصب فيه حركة التوحيد والإصلاح جميع جهودها ومبادراتها خلال المرحلة الحالية، وتدفع بهذا الطموح إلى أعلى مستوياته تحت اعتبار كونه ''مهمة مجتمعية''، بحيث ترقى به كاهتمام يجد تضميناته العملية في ''مرحلة استدراك ثانية'' بتعبير محمد الحمداوي رئيس حركة التوحيد والإصلاح، لإزالة بعض ''الاختلالات التي كان يتسم بها التدين التقليدي، من مثل بعض مظاهر الازدواجية في السلوك، أو ظهور بعض حالات الالتزام المظهري والشكلي على حساب المنطق العملي، وقلة الإحساس بثقافة الواجب كأن تجد ملتزما بالعبادات لا يتورع عن القيام ببعض المعاملات الربوية، أو تجد مواظبا على الصلوات لا يتورع عن ارتكاب بعض المعاصي، أو تجد متحجبة لا تتورع عما يثير الشبهات أو ما يناقض أخلاق العفة... والخلاصة يضيف الحمداوي- أننا إزاء توسع وانتشار لمظاهر التدين وإقبال على ممارسة شعائره والتعبد بها، لكننا بالمقابل من ناحية العمق ومن ناحية التعامل والسلوك والأخلاق، لا زلنا نجد بعض أبناء الصحوة الإسلامية يعانون من أزمة على هذا المستوى، أو بالأحرى يتعايش مع التناقض بين الشكل في التدين والعمق فيه''. فتوجه المرحلة إذن، يتطلب التوجه بالأساس نحو المساهمة في ترشيد التدين ''الذي توسع كما وضعف نوعا والتزاما''، في ''اتجاه الانسجام بين المظهر والممارسة، بين تدين الظاهر وتدين العمق''، ومن ثم المساهمة في تقوية ''الهوية الأصيلة في التدافع القيمي...''. ليس قرار لحظة للرشد مفاهيم عديدة، تحيل فيما تحيل عليه إلى مضمون عام يتحدد ب ''سداد المسلك'' في الاعتقاد والقول والعمل..، إذ إن الإنسان الرشيد هو الذي يعكس اعتقاده وقوله وعمله ومعارفه وسلوكه على واقعه الخارجي سمتا وتعاملا، بحيث تشكل له الأفكار التي يحملها بصائر يمشي بها بين الناس. ''فالأدوار القرآنية جاءت لتقوم مسيرة الانسان (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم)، تقول فاطمة النجار، عضو المكتب التنفيذي الوطني لحركة التوحيد والإصلاح، مضيفة ''أي تقويم الفكر والسلوك والمعاملات.. والتقويم نقصد به فتح باب التوبة من مجموعة من السلوكيات المناقضة للدين، واستئناف سير هداية الانسان (اهدنا الصراط المستقيم)، وفي توسيع مفهوم الاستسلام لله عز وجل (إلهكم إله واحد فله أسلموا) أي إسلام ساحة فعله والاستجابة للأوامر الالهية، والانتهاء عما نهى عنه. فالدين عنده أثر على حركية الانسان''. ولذلك فتوجه حركة التوحيد والإصلاح نحو المساهمة في ترشيد التدين ، تؤكد النجار هو ''خيار هام وحيوي نظرا للمستجدات المجتمعية التي وقعت على مستوى التدين، الذي بقدر ما أخذ من مساحة الانتشار والحضور في الشرائح المجتمعية، بقدر ما يرصد الآن أن فيه اختلالات كبيرة جدا قد تعطينا تدينا أقرب إلى الشكلية، أقرب إلى الطقوسية، أقرب إلى الابتعاد عن الشمولية..، مما يؤكد أن هذا الخيار من صميم رسالة الدين وتجديده، الذي هو مبرر وجود الحركات الاسلامية''. والمراد بترشيد التدين، يقول مولاي عمر بنحماد نائب رئيس حركة التوحيد والإصلاح، في كلمة جامعة '' هو إعادة الاعتبار لمعنى التدين..، فالترشيد إصلاح للنية، وإصلاح للكيفية، وإصلاح للغاية والقصد، والخلل يقع غالبا في كل هذه الجوانب إن لم نقل قد وقع فعلا''. مضيفا : ''فالتوجيه إلى الانسجام بين المظهر والممارسة، بين القول والفعل، بين تدين الظاهر وتدين العمق، كل هذه المصطلحات تدل على تحول أساسي عند الحركة الإسلامية، وهي اقتناعها بأن التدين ليس للتأسيس بل هو للتسديد والتجديد والترشيد''. وإلى ذلك أكد بنحماد ''فنحن نسلم جميعا بأن التدين موجود وباق ومنتشر، وهذا له شواهد كثيرة وكثيرة جدا: خذ مثلا هذا الإقبال المتزايد على المساجد : بناء، وعمارة ، وتجهيزا... إنه انتشار للصلاة، ولكل واحد أن يتأمل الجموع التي تحج إلى صلاة التراويح وخاصة بمسجد الحسن الثاني مثلا ، إنه إنجاز في حد ذاته ، وينبغي النظر إليه على أنه مكسب كبير.لكن شتان بين من يحتاج إلى تذكيره ودعوته إلى نقل مقاصد صلاته إلى سائر جوانب حياته الأخرى، وبين من يحتاج إلى الدعوة إلى الصلاة. بالنسبة للحجاب مثلا، فنحن لسنا الآن بصدد الإقناع بأنه من الدين، فقد صارت تلك مسلمة من المسلمات عند غالبية النساء، ولكن نحتاج دائما إلى التذكير بمقاصد الحجاب وآدابه...''. وهي المهمة التي سماها مولاي عمر بن حماد جهادا أكبر يعني الجميع، موضحا ذلك بالقول: ''إن الأثر المتداول بين الناس الذي يقع التمييز فيه بين الجهاد الأكبر والجهاد الأصغر، يمكن تنزيله أيضا على هذا الموضوع. لنقول بأن الجهاد الأكبر هو جهاد الترشيد، لأنه يعني الجميع بلا استثناء بما فيهم أبناء الحركة الإسلامية، ولأنه ممتد في الزمان، إنه ليس قرار لحظة بل هو مسيرة عمر...''. في الحاجة إلى الترشيد الواقع الذي يستند إليه التوجه العام للحركة في التركيز على ترشيد التدين، ينطلق من التسليم بأن هناك تدينا أصيلا ، واسعا ، متجذرا وعميقا، في المجتمع المغربي الذي رسخ فيه الإسلام رسوخا لا مبدل له. يؤكد الدكتور أحمد الريسوني ، مضيفا بالقول في كلمة له بالملتقى الوطني للدعوة الذي نظم مؤخرا بالبيضاء، في موضوع ''فلسفة التوجه العام في المجال الاستراتيجي: المفهوم، التأصيل، الدواعي، المعالم'': ''ولكن هناك حاجة إلى ترشيد هذا التدين، وهي القضية التي يشير إليها هدف ''ترشيد التدين''.. الذي علينا أن نعمل فيه نحن والحركة الإسلامية عموما، نعمل في إطار بعث التدين، وتوسيع التدين، ولكن أيضا هناك جبهة لا بد منها وهي ترشيد التدين. فالحركات الإسلامية جعلت من التدين صحوة وانبعاثا وتجددا، وانتشر التدين وتحسن حتى من الناحية الكيفية، ولكن بقي الهاجس الكبير للدعاة والعلماء والحركات الإسلامية هو أن يتدين الناس وأن تنتشر مظاهر التدين سواء كانت عبادات أو سلوكا..، فيما بقي عنصر ترشيد التدين غفلا''. موضحا في ذلك أن ''الارتقاء ضمنيا حاصل، فهناك نوع من التحسن، ولا شك أن تدين النصف الثاني من القرن العشرين أفضل من تدين النصف الأول من القرن العشرين، وأفضل ربما من قرون قريبة خلت، لكن مع ذلك ظل ترشيد التدين عرضيا وضمنيا وعابرا وجزئيا''. وقال الفقيه المقاصدي ''ترشيد التدين بمعنى أن نجعله راشدا أو رشيدا، والتدين الرشيد يمكن أن نقول بأنه هو الصحيح والسليم، ومعنى ذلك أننا أمام تدين ولكن فيه ما فيه، وعليه ما عليه كما أن له ما له''. ثم ''إن صفة الرشد هي من الصفات الجوهرية المطلوبة في التدين والأديان والرسالات والكتب المنزلة، وحسبنا ما شهد به الجن قبل الإنس حين قال (إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به(، هذا ما نريده الآن..، أن نهتدي ليس إلى التدين والعبادة، بل إلى الرشد في التدين والعبادة، نريد قرآنا يهدي إلى الرشد حقيقة، إلى مراشد الأمور التي فيه، ومراشد الصفات ،ومراشد الطرق...، إلى أن قالوا عن أنفسهم وطوائفهم ''فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا''، ونحن نريد أيضا أن نتحرى الرشد أكثر فأكثر. ومن الرشد في التدين أن نكون أصحاب تقدير حسن جيد، والمراشد مقاصد الطريق، وفي الدعاء ''اللهم ألهمنا مراشد أمورنا''. خطاب ولغة تجد مقتضيات الخطاب الذي يترجم ترشيد التدين، سندها في أن كل عبادة لها حمولة ترشيدية للأداء، يقوم ويسدد ويصوب المسلك ضمن معاني القبول والرفض من مثل (خذوا زينتكم عند كل مسجد(، ( ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا )... على خلفية هذه الحمولة الترشيدية، تؤكد فاطمة النجار عضو المكتب التنفيذي الوطني لحركة التوحيد والإصلاح، على مطلب امتلاك لغة تربوية، تترجم ترشيد التدين، ''لغة تزيل الاختلالات، لغة تعني فيما تعنيه تربية الانسان على أنه كما هو مأمور بالطاعات، مأمور أيضا باجتناب المعاصي، تلك معادلة في الدين، باعتبار أن تربية الانسان على الطاعات قد لا يكون فيها بعض الصعوبات، ولكن تربيته على اجتناب المعاصي هي الأصعب انطلاقا من القولة المأثورة (أعمال الطاعات يعملها البر والفاجر، ولا يترك الذنوب إلا صديق(. فالخطاب التربوي ينبغي أن يوسع هذه الدائرة، وأن تصبح لغة قوية في تقويم الاختلالات انطلاقا من هذا الأصل''. وتضيف النجار بالقول : ''فالمناخ التربوي يعلي من شأن الفضائل، وفي نفس الوقت رافض للاختلال عبر التقويم، عبر النصح، عبر التوجيه، وليس عبر التغطية، بالتساهل في مواجهة بعض الأمور أصبحت مقبولة في الصف، من مثل التأخر في المواعيد، عدم إنجاز التكاليف...على مستوى الخطاب الدعوي، ينبغي أن يكون خطابا مبشرا، وموجها إلى النواقض وإلى طريق العودة والتوبة..، خطابا يوسع دائرة الاستيعاب مع التركيز على أمهات الاختلالات..''. أما لغة التدافع على المستوى التصوري وعلى مستوى الخطاب..، فينبغي خ تشير فاطمة النجار- ''أن توجه إلى أن حضور المسلم في ساحة المجتمع، تقوية لجانب العافية بالمصطلح القرآني المعروف، وترسيخ مفاهيمها ومطالبها. فهو في تعزيز الهوية إزاء كل ما ظهر من المظاهر التي لها علاقة بسلامة المجتمع، ينبغي أن يصبح فيها صوتا، ودعوة إلى توطين القيمة والفعل في التدافع، لأن التدافع ليس دائما فيه نهي، فالمصطلح القرآني فيه أمر بالمعروف، وفي هذا تأكيد على الالتفات إلى كل مظاهر القوة في المجتمع وتعزيز علاقتها بالدين والأخلاق. وأن تصبح لغة التدافع باللغة القرآنية، نهي عن المنكر بصوت الحكمة والموعظة الحسنة (وجادلهم بالتي هي أحسن (، هي صوت ولغة التدافع التي تعزز في اتجاه الخيرات وتساندها وتقويها''. والمفروض أن هذا التوجه العام للحركة، يحتاج تضيف النجار إلى ''أن تواكبه مجموعة من الأدوات والآليات التي هي في مستوى تحقيق هذا الخيار، ويكون فيها تطور وقوة وإبداع.. والانتقال من جعل هذا التوجه نداءات أقرب الى التزامات فردية وأقرب إلى صيحات ترغيبية، إلى ركوب أدوات تحقيق مناخات، وأدوات بناء الارتقاء في بناء المناخات، كنسق مؤسساتي ونسق مجتمعي''. أما عن آليات تنزيل هذا التوجه العام في مجالات عمل حركة التوحيد والإصلاح، يقول مولاي عمر بنحماد ''فهي تختلف من مجال إلى مجال: ففي مجال الدعوة نستهدف به أوسع شريحة مجتمعية ممكنة، وفي مجال التربية يقع التركيز أساسا على منظمتنا التربوية وعلى الأعضاء، وفي مجال الانتاج العلمي والفكري والفني يقع التركيز على التأصيل العلمي والفكري والتصريف الفني، في مجال التواصل والإعلام يقع التركيز على ما يخدم هذا التوجه ... كل ذلك على المستوى المركزي والجهوي مع التذكير بأننا نتحدث عن توجه لمرحلة وليس لسنة أو لدورة''.