أجمع خبراء اقتصاديون على أن ''استكمال الإصلاح الضريبي في المغرب أصبح أمرا مستعجلا''. وفيما توافقت عدد من الآراء خلال اللقاء الذي عقده المركز المغربي للظرفية الاقتصادية الأربعاء الماضي بالدار البيضاء، حول تجليات ثقل الضغط الضريبي، وعدم عدالة النظام الضريبي في المغرب. بالمقابل تباينت آراء الفاعلين الاقتصاديين حول أهداف أي إصلاح ضريبي وأولوياته، وكذا طبيعة وآليات هذا الإصلاح. في هذا السياق قدر متدخلون في اليوم الدراسي المنظم تحت شعار'' التنافسية الجبائية والنمو'' حجم الضرائب غير المستخلصة ب 30 مليار درهم، أي نحو 8 بالمائة من الدخل الإجمالي الخام في المغرب. وفي أرقام الاستطلاع الذي أجراه المركز المغربي للظرفية الاقتصادية في منتصف سنة 2010 تأكد أن 72 بالمائة من عينة المستجوبين، التي ضمت أساسا فاعلين اقتصاديين ومستثمرين، تعتبر الضغط الضريبي في المغرب قويا مقارنة مع الدول المنافسة والصاعدة. وهو ما يشكل في نظر هؤلاء '' عامل سلبي يحد من نمو الاقتصاد الوطني''. في ذات الاستطلاع يرى 91 بالمائة من المستجوبين بأن استمرارية إصلاح النظام الجبائي في المغرب أصبح ''مسألة مستعجلة''. كما أن 51 بالمائة من العينة المستجوبة ترى أن نسبة الضريبة على الشركات يجب أن تتحدد مابين 15 بالمائة و25 بالمائة. تباينت قراءات المتدخلين حول فلسفة إصلاح النظام الجبائي في المغرب. في قراءته اعتبر فيه عبد الله الحوراني، رئيس الكونفدلرالية العامة لمقاولات المغرب، أن الضغط الضريبي أقل تأثيرا في تحديد توجهات المستثمرين الأجانب مقارنة بالمناخ القانوني وانتشار ظواهر مثل الرشوة وضعف قيم العدالة. وشدد الحوراني على أن إجراء تخفيض الضريبة على الشركات التي يقل رقم معاملاتها على 3 مليون درهم ممكن أن يدفع بعض المقاولات الكبرى للتحول إلى شتات للشركات المغربية بهدف الاستفادة من هذا التحفيز الضريبي. كما تسائل عما إذا كانت محركات النمو في المغرب تتوفر على القوة الكافية لتأمين استمرارية نسبة النمو بشكلها الحالي. معتبرا أن التحدي المطلوب من أي إصلاح جبائي، هو أن يواكب النمو الذي يجب أن يرتفع إلى نسبة تتراوح مابين 6,5 بالمائة و7 بالمائة وهي الكفيلة بخلق مابين 250 ألف إلى 350 ألف منصب شغل جديد سنويا في أفق .2020 كما دعا رئيس الباطرونا إلى بحث إمكانية تخفيض الضريبة على كل الشركات لتستقر في نسبة 15 بالمائة ، وهو إجراء من شأنه وفق الحوراني، معالجة التملص الضريبي، وبالتالي الرفع من الحصة الإجمالية للمحاصيل الجبائية. القراءة الحكومية سارت في اتجاه آخر، حيث اعتبر نزار بركة وزير الشؤون العامة والاقتصادية، أن نقطة واحدة من الضريبة على القيمة المضافة تساوي 2 مليار درهم. معتبرا أن أي حديث عن التنافسية في المجال الضريبي دون ربطه بوضعية الاقتصاد المغربي وبالجوانب الاجتماعية من شأنه أن يضيع على المغرب ''ماتحقق لحد الآن في مستوى تدبير اقتصاده''. محذرا من ''المطالبات المتكررة بتخفيض نسب الضرائب دون مراعاة تكاليف الدولة''. وقال بركة: لا نريد أن نتجه بالمغرب إلى النماذج التي انهارت اقتصادياتها بفعل عدد من الإصلاحات غير المدروسة واليونان وايرلاندا أمام الجميع. وإذا كانت أولويات الحكومة الحالية اقتصاديا، تتمثل وفق بركة، في الحفاظ على نسبة النمو الجالية عبر الرفع من الاستهلاك الداخلي، ثم البحث عن زيادة نسبة النمو من خلال الاستثمارات الخارجية، ثم مصاحبة مختلف الفاعلين، فإن المطلوب ''ربط أي إصلاح ضريبي بنجاعته الاقتصادية والاجتماعية''. من جانب آخر، شددت عدد من المداخلات على أن النظام الضريبي في المغرب ''تنقصه العدالة''. وقبل الحديث عن التنافسية الجبائية يجب، وفق عدد من الفاعلين الاقتصاديين، فتح ورش الإصلاح الضريبي بشكل جدي، إصلاح يبتغي تحقيق المساواة والعدالة الضريبية، ثم تخفيض معدلات الضريبة على الشركات وعلى الأسر، ثم تبسيط المسا طير الجبائية. إضافة إلى تخفيض الثقل الضريبي. في هذا الاتجاه فإن المداخيل الضريبية تشكل 27 بالمائة من الناتج الداخلي الخام و30 بالمائة من الناتج الداخلي الخام خارج القطاع الفلاحي. وفيما طالب الخبراء بعصرنة مدونة الضرائب. اتجهت باقي التوصيات إلى ضرورة تجاوز الرؤية الحكومية إلى القطاع الجبائي'' باعتباره أهم مورد للخزينة العامة''، في اتجاه البحث عن أن يصبح للجبايات دور حقيقي في رسم السياسة الاقتصادية في المغرب في اتجاه رسم الخطوط الكبرى للنمو وإعادة توزيع الثروة في المجتمع. ولعل أسئلة الضغط الضريبي، ودور القطاع الجبائي في تحريك التنمية الاقتصادية، وسبل تحقيق العدالة الضريبية، وصيغ التهرب الضريبي ستشكل محاور النقاش حين تعمد الحكومة إلى فتح ورش الإصلاح الجبائي خلال مشروع قانون مالية 2012 المقبل كما وعدت بذلك وزارة الاقتصاد والمالية في ذات اللقاء.