على مدخل الممر الضيق المؤدي إلى دوار البراهمة شرقاوة بالمحمدية، تترامى مشاهد معاناة من نوع خاص، لا تخطئ مظاهرها العين..،تحكي صورها حكاية حوالي 180 أسرة، تقاسمت ساعات الرعب ليلة الاثنين الماضي..، ليلة كانت بالنسبة لهم طويلة أكثر من العادة، فكان لها ما بعدها...لقد استحوذت بحيرة مائية على كل مساحة الدوار، واعتقلت المساكن القائمة هناك وأصبح السكان، إلى أجل غير مسمى، في حكم المشردين. تراكم المياه والأوحال التي تسبح في وسطها هذه المساكن، حسب تقديرات المتضررين، لن تجف إلا بعد مرور 5 أشهر تقريبا، هذا إذا لم تتساقط أمطار خلال هذه المدة، وذلك من المستبعد جدا لأن الفصل شتاء... صور معاناة خلال تجول ''التجديد'' التي تنقلت الخميس الماضي إلى عين المكان، لم يصدق سكان المنطقة أننا وصلنا إلى مواقعهم، التي يتحصنون بها من قساوة الوضع الذي يعيشون على إيقاعه، منذ ليلة الاثنين الماضي.كانت مناظر المعاناة لا تقل عن سابقاتها التي وقفنا عليها في العديد من المناطق المنكوبة بجهة الدارالبيضاء بعد التساقطات المطرية الأخيرة، لكن مع اختلاف في التفاصيل المؤتثة لكل مشهد... العائلات بنسائهم وأطفالهم، تفترش الأرض وتلتحف السماء وهي منتشرة في كل ركن من المساحات المترامية التي سلمت من غمر المياه، متحملة البرد الشديد والجوع.. وذلك بالرغم من مرور ستة أيام، على الليلة السوداء، التي لم يعرف النوم فيها إلى جفون المنكوبين طريقا، وهم يرون ديارهم وأثاثهم وكل الأوراق الثبوتية تتيه وسط تراكم مياه الأمطار التي ارتفع منسوبها بشكل غير مسبوق. هناك تشاهد الأطفال يتباكون من الجوع و العطش و عائلات بأكملها تفترش الأرض، وأخرى تجاور ''البهائم'' في اسطبل ليكون مأوى لها في النهار و مخدعا لها في الليل، وبعضهم تحصن داخل مسجد البراهمة الصغير، وآخرون يحتمون من القر تحت مقاطع من ''الكرطون''، على جانب مستنقع تسبح فيه مساكن دوار البراهمة، فيما داخل قسمين بالمدرسة الابتدائية الوحيدة بالمنطقة، وقد فتحت أبوابها لهم على إثر تصاعد احتجاج المتضررين، بعد أن هجرها الإداريون والأساتذة والتلاميذ إلى إشعار آخر..، هناك تتكدس أزيد من 40 امرأة، ك ''علب السردين''...في صورة تلخص حقيقة معاناة يومية، في ظل ظروف صعبة تفتقد أبسط شروط الحياة الإنسانية بلا ماء ولا كهرباء ولا صرف صحي...، تتحدث عن مظاهر حياة بائسة، لسكان ليس أمامهم سوى رعايةهذا الأمل القاسي، تحت رحمة انتظار الذي سيأتي وقد لا يأتي..، لأنهم ببساطة لا يملكون مكانا آخر يذهبون إليه. انتفاضة الغاضبين.. لم يستسغ المنكوبون بدوار البراهمة ما أسموه ب ''تجاهل المسؤولين'' لمعاناتهم، بسبب عدم إمدادهم بالمساعدات الضرورية، وقبلها بنهج سياسة وقائية تفاديا لمثل هذه الخسائر التي تسببها التساقطات المطرية منذ 1996 تقريبا. وخاصة وأن موقع هذا التجمع السكني العشوائي - بحسب ما أكده السكان ل ''التجديد''- الذي كانت قد نقلت إليه السلطات المحلية هذه الساكنة من مناطق متفرقة ، هو عبارة عن ''حفرة'' بعمق يتجاوز عشرة أمتار، تغمرها المياه وتحاصر بالمستنقعات، كلما تساقطت أمطار الخير. نظرا للبناء العشوائي لجل المساكن، وانعدام البنيات التحتية، وبالوعات الصرف الصحي، التي يمكن أن تساعد على التخفيف من قوة الأمطار! الكثير من الأسئلة، يحملها المتضررون كلما تجددت المعاناة، لأزيد من عشر سنوات.. كانت بمثابة الهدوء الذي يسبق العاصفة. ليأخذ التعبير عن الغضب، وفي ظل تأخر وصول المساعدات للمنكوبين، خروج السكان متظاهرين الأربعاء الماضي، احتجاجا على عدم توصلهم بالمساعدات الغذائية والأغطية، حيث اقتحموا شققا سكنية فارغة تابعة لشركة العمران بحي النصر، قبل أن يتحول الوضع إلى احتجاجات أدت إلى انفلات أمني، نجم عنه مواجهات بين المحتجين ورجال الأمن، وأدت إلى اعتقال أزيد من 10 شبان من المنطقة.. ''انتفاضة'' الغاضبين، تؤكد الساكنة أن أسبابها ما تزال قائمة، في انتظار ما تسفر عنه الحوارات المفتوحة الآن مع السلطات المحلية بالمحمدية، بغية التوصل إلى حلول مرضية، ترفع المعاناة عن ساكنة دوار البراهمة، الذين يتشبتون بحقهم في الاستفادة من سكن لائق.