سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الباحث التركي عبد القادر يلديريم متفرغ في جامعة برينستون الأمريكية ل "التجديد":الاقتصاد الليبرالي التنافسي يوفر أفضل بيئة لنجاح ''الأحزاب الإسلامية الديمقراطية''
يكتسي الحوار مع الباحث عبد القادر يلديريم، صاحب أطروحة ''الأحزاب الإسلامية الديمقراطية'' أهمية خاصة، فهو أستاذ متفرغ في جامعة برينستون بالولايات المتحدةالأمريكية، وله عدد من الدراسات والأبحاث في هذا المجال، كما أن الموضوع الذي تطرق إليه يتسم بالجدة والحيوية، بحيث ربط مؤشرات الانفتاح الاقتصادي والقدرة على الاستجابة لمتطلبات الاندماج في الأسواق العالمية والدفاع وتعويض الفئات الاجتماعية التي لم تستفد من هذا الانفتاح الاقتصادي، وتحقيق الديمقراطية الحقيقية في الدول العربية والإسلامية من جهة، وبين اعتدال وانتشار ''الأحزاب الإسلامية الديمقراطية'' في الوطن العربي والإسلامي من جهة أخرى، وسلط الضوء على الفرص النوعية التي ينبغي على حزب العدالة والتنمية في المغرب أن يأخذها بعين الاعتبار من أجل كسب مختلف الفئات الاجتماعية في المجتمع المغربي. حاولت في أطروحتك، أن تربط بين توفر بيئة من التنافسية الاقتصادية وانفتاح النظام السياسي، وبين انتشار ''الأحزاب الإسلامية الديمقراطية''، كيف برهنت على ذلك؟ في رأيي، يشكل التحرير الاقتصادي في صيغته التنافسية المفتاح لاعتدال الخطاب السياسي للإسلاميين. فأغلب التحليلات التي قدمت حول اعتدال الأحزاب الإسلامية يركز على هذه الأحزاب نفسها. أي بعبارة أخرى - ومن وجهة النظر هذه - فإن اعتدال الأحزاب الإسلامية يعتمد على ما تقوم به هذه الأحزاب. في حين، أزعم، أن ما هو أساسي في اعتدال الأحزاب الإسلامية هو ما تفضله القاعدة المجتمعية (جمهور المناصرين) لهذه الأحزاب الإسلامية. إذن، وبالرغم من اعتدال الأحزاب الإسلامية في اتجاه ''الأحزاب الإسلامية الديمقراطية'' في ظل غياب دعم من طرف قاعدتها المجتمعية، فإن هذه الأحزاب لن تستطيع أن تحصل على دعم انتخابي كبير في الانتخابات. في المقابل، إذا كان هناك دعم مجتمعي لهذه الأحزاب المعتدلة، فإن الاعتدال يكون ناجحا. إذن، على ماذا يعتمد الدعم المجتمعي للإسلاميين؟ أزعم أنه التحرير الاقتصادي. إذا استطاع جمهور الداعمين للإسلاميين أن يكونوا مستفيدين من الانفتاح الاقتصادي، فإنهم سوف يفضلون استمرارية هذا الانفتاح. سوف يفضلون أيضا اقتصادا منفتحا ونظاما سياسيا منفتحا (أي الديمقراطية)، لأن الديمقراطية تضمن سيادة القانون والشفافية ونسبة عالية من ثقة رجال الأعمال؛ وأيضا سيفضلون شكلا من الهوية الإسلامية أقل تسييسا. وبالنسبة لغير رجال الأعمال، فإن المستهلك سيستفيد من الانفتاح الاقتصادي أيضا. فالانفتاح يضمن منتوجات أرخص عن طريق خفض تكلفة الواردات؛ إنها تؤدي أيضا إلى الرفع من نسبة الدخل لعموم المواطنين. ومع ذلك، فمن المهم تسجيل فكرة في هذا السياق، فليس كل تحرير اقتصادي سوف يؤدي إلى هذه النتائج. فبعض أشكال الانفتاح الاقتصادي تكون مسيسة بشكل كبير، ويجد الزعماء السياسيون طرقا لتحوير مسار التحرير في اتجاه مصلحتهم الشخصية. لأعطيك مثالا على ذلك: الاقتصاد المغربي والتركي هما الأقرب إلى الاقتصاد التنافسي، في حين أن الاقتصاد المصري والجزائري يعبر عن تحرير اقتصادي غير-تنافسي، وهو ما أسميه بتحرير المحسوبية. بطريقة أخرى، هل صحيح أن نقول بأن النظام الاقتصادي الليبرالي المتميز بالتنافسية، هو البيئة الأنسب لتطور ''الأحزاب الإسلامية الديمقراطية''؟ نعم، الاقتصاد الليبرالي التنافسي يوفر أفضل بيئة لانتشار ونجاح ''الأحزاب الإسلامية الديمقراطية''؛ وهذا راجع إلى كونه يقوم بتغيير تفضيلات القاعدة المجتمعية الداعمة للإسلاميين. فقبل مرحلة التحرير الاقتصادي، كانت القاعدة المجتمعية الداعمة للإسلاميين مقصية بشكل كبير من النسق السياسي والاقتصادي. فقد كان يهيمن على هذا النسق فئة قليلة من الناس قريبة من النخبة السياسية. ولهذا السبب فمن المؤكد أن يكون الجمهور الداعم للإسلاميين أكثر محافظة على مستوى اختياراتهم السياسية. إنهم يريدون بشكل أساسي تغيير النسق السياسي والإقتصادي في اتجاه نسق إسلامي أكثر؛ الإسلام السياسي كان عبارة عن رد لهذا الطلب الاجتماعي. وفي المقابل من ذلك، وفي ظل اقتصاد مفتوح، فإن اختيارات وتفضيلات الجمهور الداعم للإسلاميين لن يكون محافظا بنفس الدرجة، وهذا راجع إلى كونهم دخلوا في النسق الجديد المفتوح. وكنتيجة لذلك، فإن أيديولوجية الإسلاميين ( والتي تتصور تغييرا شاملا في النسق الاجتماعي والسياسي والاقتصادي) لن تستطيع الإجابة بعد الآن عن طلبات الجمهور الداعم للإسلاميين. قمت باختيار ثلاثة ''أحزاب إسلامية ديمقراطية'' في ثلاثة دول مختلفة، وهي حزب العدالة والتنمية التركي وحزب الوسط في مصر، وحزب العدالة والتنمية المغربي، لماذا اخترت بالضبط هذه الأحزاب؟ اختيار هذه الدول الثلاثة (مصر والمغرب وتركيا) والأحزاب الإسلامية الديمقراطية الثلاثة، تمت بسبب أنها في الحقيقة تشير إلى اختلاف مستوى الدعم المجتمعي لهذه الأحزاب من طرف المجتمع حسب كل تجربة. ففي مصر، حزب الوسط في مصر ضعيف جدا ولا يملك في الحقيقة دعما كبيرا من الجمهور. وفي المغرب حزب العدالة والتنمية قوي نسبيا، أما حزب العدالة والتنمية التركي هو أكثر انتشارا من الناحية الشعبية، وهذا ما أدى به إلى أن يكون الحزب الذي يقود الحكومة. وحتى أستطيع أن أفسر الاختلافات بين ''الأحزاب الإسلامية الديمقراطية'' في دول مختلفة، قمت باختيار هذه الدول الثلاثة. هناك أيضا عامل آخر، فالانفتاح الاقتصادي بين هذه الدول الثلاثة مختلف (وهذا الذي يفسر دعم ''الأحزاب الإسلامية الديمقراطية''). في مصر، هذا الانفتاح ضعيف جدا، في المغرب، متوسط، وفي تركيا هو منفتح أكثر. ما هي أوجه الشبه بين هذه ''الأحزاب الإسلامية الديمقراطية'' الثلاثة؟ وما هي الاختلافات بين كل تجربة على حدة؟ هذه ''الأحزاب الإسلامية الديمقراطية'' متشابهة فيما بينها في أرضياتها وبرامجها. وقد تفاجئت في الحقيقة لهذا المستوى من التشابه بين هذه الأحزاب. مثلا، تمتلك هذه الأحزاب كلها نفس الخطاب بخصوص الديمقراطية؛ ومقاربة تعددية للديمقراطية تكون فيها المبادئ الديمقراطية مقبولة. نفس الشيء ينطبق على تركيز هذه الأحزاب على اقتصاد ليبرالي، وعن أفضل الطرق للاندماج في الاقتصاد العالمي. أعتقد بأن هذا هو الاختلاف الجوهري مع الأحزاب الإسلامية التقليدية. الأحزاب الإسلامية التقليدية كانت دائما محتشمة بخصوص الانفتاح الاقتصادي والاندماج وذلك لأسباب متعددة؛ إنها تركز على صناعة قرار اقتصادي وطني وحِمائي، ولكن بالرغم من ذلك، فإن التركيز على منافع اقتصاد مفتوح والحاجة إلى الاندماج في الاقتصاد العالمي، لا يعني أنها لا تهتم بدعم الفئات الفقيرة، فالإنفاق العالي على البعد الاجتماعي يعتبر أمرا حاسما وضروريا. وأخيرا، لا يوجد أي من هذه الأحزاب الثلاثة تدعي أنها تتحدث باسم الإسلام ( وهذا احد خصائص الخطاب الإسلامي)؛ وبدلا من ذلك فهم واضحون جدا بخصوص الطريقة التي سيقومون فيها بتمثيل الناس عبر قيم إسلامية. في هذا الصدد، فإن القيام بالتمييز بين الحركة الاجتماعية الإسلامية وبين الحزب هو قرار حساس ليمتلكوا مصداقية في هذا الموقف. غالبا ما يطرح العديد من المتتبعين سؤال، لماذا نجحت تجربة العدالة والتنمية التركي للحصول على السلطة الاقتصادية والسياسية؟ هناك جزءان في هذا السؤال، بداية تركيا مختلفة عن مصر والمغرب على مستواها في الديمقراطية. الحزب الذي ينجح في الانتخابات يمكنه في الحقيقة أن يكون الحزب الحاكم. بالرغم من وجود عدد من العراقيل على ذلك. ولكن بالمقابل، في مصر والمغرب لا يمكن أن توصل الانتخابات البرلمانية بشكل كبير إلى اختيار الحكومة، حيث يتم في بعض الأحيان استعمال تكتيكات من طرف الدولة لمنع الحصول على أصوات انتخابية معبرة. ويمكن في السياق ذكر النموذج المصري، خلال الانتخابات البرلمانية التي تمت مؤخرا. فقد تم منع أحزاب المعارضة حتى من رصد الانتخابات. ثانيا، وكما حاولت التلميح إليه أعلاه، فشعبية حزب العدالة والتنمية في تركيا هو حصيلة لتغيرات طويلة المدى في المجتمع التركي، كنتيجة للتحرير الاقتصادي. فنجاح حزب العدالة والتنمية التركي راجع فقط إلى أنه كان قادرا على إيجاد جواب لما يريده ويتوقعه المجتمع. وفي سياق آخر، هل تعتقد بأن البرنامج الانتخابي للعدالة والتنمية المغربي هو في صالح رجال الأعمال والاستثمار في المغرب؟ أعتقد ذلك، فبناء على المقابلات التي قمت باجراءها، فقد عبر العديد من رجال الأعمال المغاربة على تأييدهم للسياسات الاقتصادية للحزب العدالة والتنمية في المغرب. فمن جهة هذا راجع إلى خطاب العدالة والتنمية الاقتصادي الذي نجده ليبراليا إلى حد كبير وداعما لاندماج الاقتصاد المغربي في الأسواق العالمية. ولهذا فالعديد من رجال الأعمال في الواقع سيستفيدون من اقتصاد مفتوح. إنهم يريدون استمرارية السياسة الاقتصادية الليبرالية ليتمكنوا من القيام بالمزيد من الأعمال. إذن نجد تداخلا كبيرا بين ما يقوله الحزب وبين ما يريده رجال الأعمال. ومن جهة أخرى، فإن موقف الحزب من قضايا أخرى مهم أيضا. فرجال الأعمال يريدون القدرة على التنبؤ وسيادة القانون وتقاطبات ضعيفة في السياسات، لأن هذا سيكون بمثابة ضمانة لرجال الأعمال لينجزوا أعمالا وتجارة سواء على المستقبل القريب أو البعيد. وسيمكنه هذا من إنجاز استثمارات وأخذ قروض وبالتالي هو يريد أن يضمن بأن التجارة التي يريد القيام بها ستقوده إلى جني أرباح وليس إلى خسارة أمواله. في هذا الصدد فإن الأرضية الديمقراطية التي تتأسس عليها العدالة والتنمية وتركيزها على إسلام اجتماعي (بدلا من تسييسه، الإسلام السياسي) سيؤدي وظيفة ضمان أن بيئة الاستثمار في المغرب مفيدة وفي صالح رجال الأعمال. في التجربة المغربية (حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح) هناك خاصية مميزة، تتعلق بالتمييز بين العمل السياسي والعمل الدعوي، ما رأيك في هذا التمييز؟ أعتقد بأن هذا التمييز مهم جدا. للأسف فإن العديد من الأحزاب الإسلامية لم تستطع أن تدرك كم هو حاسم أن تقوم بالتمييز بين الحركة الاجتماعية الإسلامية وبين أنشطتها الدعوية من جهة، وبين الحزب السياسي. إذا تم أخذ الأنشطة الدعوية جنبا على جنب مع السياسات، فإن الناخبين سيجدون صعوبة في معرفة رسالة المجموعة. بعبارة أخرى، فعندما تقوم مجموعة إسلامية بإبراز هل هذا الأمر يدخل في مجال الأنشطة الدعوية أم هو جزء من الأفعال السياسية؟ ولإبراز الأمر بشكل مختلف، عندما تقوم المجموعة بالكشف عن دعمها لسياسات معينة، هل هذا يعني أن دعم هذه السياسات المعينة، بسبب أنها فرض ديني (وهذا يعني أنها جزء من الدعوة)، أم أنها بسبب أنها أفضل السياسيات تتماشى مع مبادئ الحزب؟ وهذا الخلط هو ضد طبيعة الحريات الديمقراطية. وبالتالي، اعتقد بأن التمييز بين حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح هو خطوة في الاتجاه الصحيح. فديناميات مجتمع تعددي يقتضي أن تتجه الأحزاب السياسية إلى مكونات اجتماعية/مجموعات متعددة. وانطلاقا من كون أناس من خلفيات فكرية مختلفة، فإنه من غير الممكن فرض قواعد صارمة للسلوك لكل واحد. وبالتالي، فإن الأحزاب السياسية عليها أن تكون أكثر تعددية. لأن ديناميات الدعوة مؤسسة على العضوية وتقتضي أن يلتزم أعضاء الجماعة الإسلامية بمجموعة من القواعد الصارمة للسلوك أكثر مما يتطلبه المجتمع ككل. بالنسبة لمستقبل العدالة والتنمية المغربي؟ هل تعتقد بأنه سيسلك نفس مسار حزب العدالة والتنمية التركي؟ أم أن هناك سيناريوهات أخرى ممكنة؟ أعتقد أن الأمر يعتمد على شيئين. أولا يجب أن يتحسن مستوى الديمقراطية. فمن الضروري أن تتحسن الديمقراطية لكي يتمكن أي حزب من الحكم بشكل فعلي في المغرب. على الانتخابات أن تكون حرة ونزيهة بشكل كلي، وبأن يتمكن من تم انتخابهم من الحكم بشكل متحرر من أي ضغط يمكن أن تمارسه أطراف متعددة. وفي ظل غياب هذا الشرط الأساسي، فإنه لا معنى لمثل هذا النقاش. على افتراض أن الإصلاحات الديمقراطية يمكن وضعها بشكل سريع، وبعدها يتم التساؤل على القاعدة التي يتأسس عليها العدالة والتنمية. أعتقد بأن العدالة والتنمية قام بعمل جيد جدا بخصوص معالجة حاجيات جماعة رجال الأعمال ضمن برنامجه. في المقابل من ذلك، لا يبدو أن الفقراء في المجتمع المغربي يقدمون نفس الدعم الذي يتلقاه العدالة والتنمية من قطاع الأعمال. هنا يجب على العدالة والتنمية في المغرب أن يستفيد من حالة العدالة والتنمية التركي. فبالرغم من كون حزب العدالة والتنمية التركي ليبرالي بشكل كبير والتقى مع طلبات قطاع الأعمال في تركيا، إلا أنه أيضا كان جد متيقظ للالتقاء مع طلبات وحاجيات الطبقات الأكثر فقرا. فقد قام حزب العدالة والتنمية التركي مثلا بتغيير شامل للنظام الصحي عبر توفير أحد أفضل الأنظمة الصحية في أوروبا وبأرخص التكاليف. ونفس الشيء ينطبق على الأشخاص الذين خسروا وظائفهم، فقد قامت الدولة مؤخرا بوضع صناديق يستفيد منها هؤلاء الأشخاص في وضعية بطالة. وهذه خطوات حاسمة لضمان دعم الفقراء، والطبقات الدنيا. فالبرنامج الانتخابي لحزب العدالة والتنمية في المغرب ضعيف نسبيا في هذا الصدد. ولكن لا أعتقد بأن دعم الفقراء والفئات الدنيا يجب أن يتم أخذها على أنها وظيفة إسلامية من طرف الدولة. ولكن بدلا من ذلك، يجب أن تأخذ على أنها سياسات متجهة نحو معالجة المشاكل المرتبطة بالانفتاح الاقتصادي. لا يمكن لكل واحد أن يستفيد من الانفتاح الاقتصادي. وعلى الدولة أن تضطلع بمسؤولية تعويض الفئات التي لم تستفد من الانفتاح الاقتصادي عبر سياسات دعم اجتماعي متعددة مثلما قام حزب العدالة والتنمية في تركيا بفعله. وما لم يتم الحصول على دعم الفئات الضعيفة فإنه لا يمكن النجاح في الانتخابات. وأنا أظن أن هذه القضية تشكل فرصة كبيرة جدا لحزب العدالة والتنمية المغربي من أجل بلورتها وتطويرها في برامجه.