جميل أن ينفي وزير الشؤون الخارجية والتعاون نفيا قاطعا عدم وجود أي شكل من أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني سواء كان تطبيعا سياسيا أو اقتصاديا أو تجاريا أو ثقافيا'' في مجلس النواب جوابا على سؤال شفوي تقدم به نائب برلماني، فهذا هو الموقف الطبيعي الذي يفترض أن يعتمد انسجاما مع مقررات القمم العربية، لكن، المواقف والمسلكيات المتبعة تسير في الاتجاه المناقض، بدءا بالأرقام التي يكشف عنها مكتب الإحصاء الإسرائيلي عن المعاملات التجارية بين المغرب وإسرائيل والتي رغم مسارها التراجعي تبقى دالة على وجود تطبيع اقتصادي نشيط، وانتهاء بالاحتفاء الحكومي بمؤتمر ''ميدايز'' بطنجة رغم احتضانه للصهاينة، ومرورا بسلسلة الخطوات التطبيعية الحكومية التي شهدها الشهر الماضي وبلغت أوجها باستضافة وزير الحرب الصهيوني السابق ''عمير بيريتز'' في إطار مؤتمر إقليمي بمراكش وتخلى القضاء المغربي عن تحريك المتابعة القضائية في حقه. يشير مكتب الإحصاءات إلى أن مجموع الصادرات الإسرائيلية إلى المغرب بلغ 6,20 مليون سنة ,2008 و 3,13 مليون دولار سنة ,2009 وبلغ 6,10 سنة ,2010 أما بالنسبة إلى الواردات إلى إسرائيل من المغرب فقد بلغت سنة 2008 مبلغا قدره 9,3ميلون دولار، و 2,3 مليون دولار سنة ,2009 وتراجعت سنة 2010 إلى حدود 2,0 مليون دولار، هذه الأرقام، وإن كانت تبين تراجع التعامل التجاري بين المغرب ودولة الكيان الصهيوني، إلا أنها تؤكد استمرار التطبيع على المستوى الجاري، خلافا لتصريح الوزير. لن نتوقف اليوم عند هذا اللون من التطبيع على خطورته، فقد يتم الاعتراض عليه بالتشكيك في المعطيات الواردة في هذا المصدر، بحكم أن هذه الأرقام قد تم استقاؤها من مصدر إسرائيلي. ولكن سنتوقف اليوم عند مؤشر إضافي يتعلق بالتطبيع الثقافي والذي يطرح أسئلة استفهام كثيرة على تصريح السيد وزير الشؤون الخارجية، حيث تأكد من برنامج مؤتمر معهد ''أماديوس'' المثبت في موقعه الإلكتروني مشاركة شخصيتين إسرائيليتين معروفتين بالانخراط في التنظير لفك العزلة عن إسرائيل وطرح خيارات للدولة العبرية لإحداث تقدم في مسار التطبيع مع الدول المغاربية وفي مقدمتها المغرب. يتعلق الأمر ببريس مادي وايتزمان الباحث في معهد موشي دايان، والذي كتب أكثر من دراسة ومقال متخصص حول موضوع العلاقات الإسرائيلية المغربية، وضمنها توصيات من بينها اختراق المنتديات الثقافية عبر مشاركة شخصيات إسرائيلية علمية وأكاديمية فيها والانفتاح على المجتمع المدني، واستثمار الورقة الأمازيغية، لإحداث تقدم في التطبيع مع الدول المغاربية، ثم شخصية ''جدعون ليفي'' الصحفي بجريدة ''هاآرتس''. طبعا، لا يمكن اعتبار هاتين الشخصيتين مندرجتين تحت التبرير الذي ضمنه الوزير تصريحه، وذلك حين اعتبر أن ''الإسرائيليين الذين يدخلون إلى المغرب لا يخضعون إلى أي تعامل رسمي''، وأن ''تواجدهم يراعي أصولهم المغربية'' فبريس مادي وايتزمان كما جدعون ليفي، ليسا من أصول مغربية، ولا يخدم وجودهما إلا المسار التطبيعي الذي يضر بالمصلحة الوطنية والمصلحة الفلسطينية. جميل جدا، أن يفتح المغرب منتديات دولية للنقاش حول قضايا الحوار بين الشمال والجنوب، وجميل أن يستقطب أيضا باحثين من شتى دول العالم لتخصيب وجهات النظر، وإنضاج قناعات مشتركة في هذا الصدد، لكن ذلك لا ينبغي أن يكون في خدمة مسار التطبيع ومدخلا لتزكية تجاهل السياسات الاستيطانية والعنصرية والتوسعية للاحتلال الصهيوني، لاسيما وأن الكيان الصهيوني يستثمر عناوين كثيرة لفك العزلة عنه وتعميق مسار التطبيع مع الدول العربية، وذلك من قبيل حوار الشمال والجنوب، والحوار المتوسطي، والحوار حول العديد من القضايا التي تشغل العلاقات المغربية الأوربية (الصحة، البيئة، وغيرها)، ويكفي أن نشير في هذا الصدد إلى دراسة بريس مادي حول العلاقات الإسرائيلية المغاربية، والتي قدم فيها توصيات للدولة العبرية تحت عنوان ''ما العمل؟'' كان في مقدمتها استثمار مثل هذه اللقاءات لخدمة أجندة التطبيع الإسرائيلي مع الدول المغاربية. ولذلك، فسؤال الربح والخسارة من عقد هذه المنتديات ينبغي أن يكون حاضرا بقوة، لاسيما وأن هناك رهانا استراتيجيا إسرائيليا على التطبيع الثقافي والعلمي والأكاديمي باعتباره مدخلا للتطبيع الاقتصادي والسياسي.